حكومة «السعد» لربط النزاع الداخلي؟
د. وفيق إبراهيم
انتقلت الاهتمامات السياسية في لبنان من مستوى القلق من إمكانية تشكيل حكومة جديدة الى مرحلة التنقيب عن المهام الملقاة على كاهلها.
لذلك يتابع المهتمّون من السياسيين والناس تحليلات وسائل الإعلام وتنبّؤات ليلى عبد اللطيف ومنافسها المشنوق وأشباهه عن إمكانية صمود الحكومة المرتقبة وسط تجاذبات الصراعات الأميركية – الإيرانية.
هذا يعني انّ حكومة سعد الحريري المرتقبة بين لحظة وأختها أصبحت قاب قوسين من الإعلان الرسمي للتشكيل المنتظر ان يضمّ بين 18 الى 20 وزيراً اختصاصياً ومستقلاً، كما يقول رئيسها.
اللافت هنا انّ أحداً لم يعرف كيف عثر الحريري على اختصاصيين مستقلين في زحمة الصراعات الداخلية، ويبدو أنه نجح في احتواء مطلبين متناقضين الأول هو أميركي يريد استبعاد حزب الله من الحكومة والثاني من حزب الله الذي يشدّد على ضرورة وجوده فيها، فجاء الحلّ السحري على طريقة حكومة اختصاصيّين تسمّيهم القوى السياسية الأساسية المؤيدة لتشكيل حكومة وهي المستقبل والتيار الوطني الحر والتقدمي الاشتراكي والمرده وحركة أمل… وحزب الله بالطبع المُصرّ على حقه بالتسمية، بالإضافة الى وزير اختصاصي لحليفه الحزب السوري القومي الاجتماعي، والنائب طلال أرسلان إنما بالتوافق مع وليد جنبلاط وأرسلان في الوقت نفسه.
اذا كانت هذه التوافقات مبرمة، فلماذا التأخير في إعلان الحكومة؟ يبدو انّ المشاورات انتقلت من توزيع أعداد الوزراء على الأحزاب الى مرحلة توزيع الحقائب إنما باستثناء وزارة المال التي ذهبت الى حصة حركة أمل منذ تكليف الشيخ سعد.
كيف نجح «السعد» في التقاط هذه الفرصة التي ظهر انها مؤاتية لتشكيل حكومة مصالحة بين القوى اللبنانية الأساسية بعد هذا الانسداد العميق؟
الواضح أنّ الشيخ سعد تلقى إشارات فرنسية بإمكانية تشكيله حكومة جديدة وذلك بمواكبة الفهم العميق للرئيس بري وحزب الله بضرورة وجود حكومة تستطيع احتواء بعض النزاعات المتطرفة للمكونات اللبنانية، كما يبدو جلياً انّ التيار الوطني الحر تلقى إيماءات فرنسية بهذا الخصوص مع إحساسه بانجذاب حليفه حزب الله الى حكومة حريرية.
هذه هي المعطيات التي تسمح بالتكليف والتأليف، لكن برنامج عمل الحكومة لن يتمكن من تجاوز سقف التجاذبات الدولية – الإقليمية والداخلية على لبنان.
فالدور الأميركي الجلي، يريد إدارة لبنانية داخلية تتولى متابعة الشؤون الداخلية فقط وذلك لمنع انتقال الانهيار الاقتصادي والسياسي الحالي الى مرحلة الفوضى والصراعات الأهلية وتصدّع الكيان السياسي ولديه هدفان فقط وهما ترسيم الحدود البحرية وسلاح حزب الله، وبما ان الأميركيين منهكون حالياً بانتخاباتهم الرئاسية تتطلب هدنة زمنية قد ترقى الى بضعة اشهر. فهذا يتطلب حكومة لبنانية تتولى الشأن الداخلي في إطار من ربط النزاع مع الاطراف اللبنانية والإقليمية المنافسة للأميركيين.
لجهة حزب الله الفريق المواجه للمشروع الأميركي فيقبل بربط النزاع انما من منطلق قوة وليس ضعفاً او قراراً من المجابهة.
لأنه متأكد من أن التأخير الحاصل في ترسيم الحدود البحرية بعد عقد تقريباً تسبب بإشكالات للكيان الإسرائيلي ومنعه من الاستفادة من الآبار الواقعة ضمن حدود فلسطين المحتلة.
وهذا يعني ان المتضرّر الاساسي هو الإسرائيلي وليس اللبناني العاجز حتى الآن عن مباشرة الاستثمار في آبار الغاز والنفط الخاصة به لعدم توافر التجهيزات الداخلية المناسبة والاتفاقات الداخلية التي تذهب عادة نحو التحاصص في كلّ ما هو مفيد.
ما هو مهمّ هنا، انّ حزب الله والرئيس بري وافقا على ترسيم تقني لحدود لبنان مع فلسطين المحتلة ليس فيه أيّ رائحة سياسية او تطبيع كما يزعم المطبّعون منذ أكثر من 60 سنة من القوات والكتائب وأنصار السعودية والإمارات من دون نسيان المشنوق الذي لا يزال يحاول إفشال محاولة سعد الحريري لتشكيل حكومة، وتصوير ترسيم الحدود على انه تطبيع.
والطريف ان المشنوق اشاد بدور دولة الإمارات عالمياً وعربياً ولبنانياً، فهل نسي انها طبعت مع «إسرائيل» منذ شهر تقريباً؟
فيتبيّن بالنتيجة أن حكومة سعد المرتقبة هي مرحلة ربط نزاع بين الأميركيين وحزب الله بإشراف فرنسي وصمت سعودي أقرب إلى العداء، مع محاولات إماراتية لوراثة الدور السعودي او مشاركتهم فيه على الأقلّ بطلب أميركي، لأنّ الإمارات طامحة لاكتساب أدوار عربية إقليمية تؤدي فيه متطلبات السياسة الأميركية في الإقليم وحاجاتها الى تمتين علاقاتها بـ»إسرائيل» بسياج عربي متين.
انّ «ربط النزاع» لا يعني عمراً قصيراً لحكومة الحريري بقدر ما يريد إدارة للداخل اللبناني في مرحلة انهماك القوى الدولية والإقليمية الأساسية المعنية بالساحة اللبنانية، بانهماكات اساسية في بلدانها هي اكثر اهمية من الصراع على لبنان.
هذا يعني انّ حكومة السعد بوسعها الاستفادة من «ربط النزاع» بين القوى المتصارعة على لبنان وعجزها الحالي عن تحقيق مشاريعها في ساحاته، والدليل أن الأميركيين اعترفوا انهم أنفقوا من سبعة الى عشرة مليارات دولار على قوى وجمعيات وتيارات لبنانية ووسائل إعلام داخلية وخارجية لمحاصرة سلاح حزب الله ولم ينجحوا حتى أدركوا مرحلة تحريض مجموعات طائفية إسلامية ومسيحية مجرّبين فكرة الإمساك بالدولة والجيش فعجزوا خائبين.
هناك إذاً فريق أميركي محبط من الساحة اللبنانية ومنهمك في انتخاباته الداخلية في وجه فريق حزب الله اللبناني الذي ينجح إنما في حماية حدود لبنان وثرواته من النفط والغاز، ويوجد بينهما ربط نزاع عنوانه حكومة الحريري الجديدة التي يمكن اعتبارها ضرورة داخلية، وتعبيراً عن خيبة الأمل الأميركية في لبنان.
لذلك يتبيّن الأميركيون من سياسة الصمت المبرمج تجاه حكومة الحريري مع تكليفهم دولة الإمارات للتشويش على الوضع الداخلي عبر سياسيين وإعلاميين يجسّدهم جعجع والمشنوق وغيرهما محاولين إثارة فتن طائفية من خلال تحريض التيارات الإسلاموية في الشمال للاستثمار في مسألة الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، واستهداف السفارة الفرنسية بسبب مواقف الرئيس الفرنسي ماكرون المنتقدة للإسلام ما يؤكد على ضرورة وجود حكومة لربط النزاع فتمتنع عن العبث بالعلاقات بين الطوائف وزعزعة الاستقرار الداخلي.