الوطن

نماذج لبنانيّة لترامب الأميركي

 د. وفيق إبراهيم

هما نموذجان، يريد أحدهما إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه السياسي فيما يكتفي الآخر بالإصرار على رحيل الرئيس ميشال عون من سدة الرئاسة.

الأول هو الوزير السابق وليد جنبلاط الذي قدم نفسه في مقابلة تلفزيونية اشتراكياً وتقدمياً ومناضلاً والممثل الحصري الأوحد لطائفة الموحدين الدروز.

أما الثاني فهو النائب السابق فارس سعيد قائد لقاء «سيدة الجبل» الذي ليس له وبإقرار كامل القوى اللبنانية أي وزن في التفاعلات السياسية، فيبدو فقط كمن يبتهج لرؤية نفسه في مرآة داخل منزله معتقداً أنه أقوى سياسي في بلده.

هذان إذاً ترامبان اثنان لبنانيان يطلقان تصريحات صاروخيّة لا يتأثر بها أحد لانعدام أي فاعلية ممكنة لها.

لكن التمعن في ما قاله هذان الترامبان يكشف مدى ذهابهما نحو تأييد أي محاولات خارجية لتدمير لبنان وسورية.

لجهة جنبلاط اعتبر أن هناك احتلالين لسورية هما روسيا وإيران اللذان كما قال حرفياً منعا الشعب السوري من التعبير عن أمانيه في دولة متطورة، معتبراً أن الدولة السورية أبادت شعبها وهجّرته.

مؤكداً أن عودة المهجرين السوريين الى بلادهم مستحيلة لعدم وجود أمكنة لإيوائهم وتوفير حاجاتهم الاقتصادية. هذا هو الوجه الإنساني الذي تقنّع به جنبلاط مؤكداً على ضرورة بقائهم في أماكن اللجوء حتى إسقاط الدولة السورية.

على المستوى الداخلي اعتبر الوزير الاشتراكي جداً أن مصائب لبنان ناتجة من عهد الرئيس عون مصرّاً على ضرورة ان يكون التمثيل الدرزي محصوراً بحزبه في أي حكومة.

لترجمة ما رماه جنبلاط فهناك ما هو مدهش حتى في القراءة السياسية السطحيّة. بدليل أنه اعتبر أن الدولة السورية تقاتل الشعب السوري، فيما تُجمع التفسيرات العالمية ان الجيش السوري يواجه منذ 2011 جحافل من الإرهابيين ينتمون تدريجياً الى منظمات القاعدة وداعش وهيئة تحرير الشام وملحقاتها، حتى وصل عديدهم الى 150 الف عنصر، دخل معظمهم الى سورية باعتراف صديق جنبلاط رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم، من تركيا والأردن والأنبار في العراق، هذا بالإضافة الى التنظيمات المسلحة للاخوان المسلمين السوريين والعالميين ومنظمات من الأيغور الصينيين والشيشان وزوايا إسلامية متطرفة من أوروبا وجهات أخرى. فهناك إقرار عالمي باحتلال هؤلاء الإرهابيين لثلاثة أرباع سورية بإسناد خليجي إسرائيلي أميركي اوروبي وتركي نوعي.

هذا لا يعني عدم وجود معارضة سورية مدنية، لكنها لم تشارك في القتال ولا تمتلك قوة شعبية وازنة على الرغم من أن الإعلام الغربي والخليجي منحها مساحات من الظهور الإعلامي انما من دون أي فائدة ترتجى.

لقد دخل على خط هذا الصراع ومنذ انطلاقته الأميركيون الذين احتلوا مناطق في شرقي سورية ودعموا فيها بإقرار عالمي قوات قسد الكردية مسهّلين تحرّك الإرهاب فيها والأتراك الذين سيطروا على مناطقها الشمالية بجيشهم من جهة وتنظيمات الاخوان المسلمين من جهة ثانية.

على مستوى التحالف الدولي وهو أوروبي أميركي فينشر بضع مئات من قواته في شرقي سورية من خلال الأميركيين وقرب مراكز انتشار الأميركيين.

هذه النقطة المركزيّة والمحوريّة تجاهلها جنبلاط مركزاً فقط على ما أسماه احتلالاً روسياً وإيرانياً.

فيما تؤكد مصادر الإعلام ان الروس دعموا الجيش السوري للتصدّي لهذا الارهاب وكذلك فعل الإيرانيون بإرسال خبراء فنيين وإسنادهم آلاف المقاتلين من حزب الله الذين تصدّوا لهذا الإرهاب في سورية ولبنان.

فهل كان جنبلاط يتمنى لو انتصر هؤلاء الإرهابيون على الدولة السورية؟ وهذا ما لا يوافقه عليه أبداً دروز جبل العرب في سورية الذين تصدّوا للإرهاب الى جانب الجيش السوري.

لجهة موقفه من بقاء السوريين في بلاد لجوئهم فهذا موقف أميركي أوروبي إسرائيلي خليجي يحاول الضغط على الدولة السورية بمنع اللاجئين من العودة الى مناطقهم، وذلك لمنع استقرار الدولة واستخدام النازحين في أي مفاوضات مع دولتهم او في اي انتخابات مرتقبة.

يتبين إذاً أن أبا تيمور لا يعتبر الأميركيين والأوروبيين والأتراك وقسد ومنظمات الارهاب قوى محتلة في سورية، بل مجرد أصدقاء يمرون فيها عبوراً وهرولة ولا يسرقون النفط ويحرّضون السوريين على بعضهم بعضاً بشكل طائفي وقبلي وإرهابي.

هنا نترك للقارئ مهمة اكتشاف هذه النزعة الترامبية عند جنبلاط.

أما النائب السابق فارس سعيد فيطلق مواقف تبدو وكأنها صالحة لتغيير الموازين الداخلية للقوى، فماذا يعني أن تطالب «كتلة الجبل» خارج التأثير السياسي، بإقالة الرئيس ميشال عون الذي يرتكز على كتلة من 28 نائباً وتحالفاً مع حزب الله والأرمن بما يشكل أكثر من نصف المجلس النيابي؟ أليس هذا موقفاً ترامبياً يلجأ الى خطير الكلام من دون أي قدرة على تطبيقه.

وهل عون هو الذي فجّر العلاقات الإقليمية بين الأميركيين والإيرانيين داعماً المنظمات الإرهابية ومدمّراً نظاماً اقتصادياً لبنانياً يعترف الأميركيون والأوروبيون انه ناتج عن سياسات بدأت منذ 1990 مع رفيق الحريري.

هنا تظهر الحقيقة فهناك مَن يراهن على العقوبات الأميركية على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ليسيطر على المسيحيين في لبنان، فيما يريد ترامبيون آخرون على النسق الجنبلاطي إعادة إنتاج زعامة درزية كاملة تمتد الى البيئة الوطنية، وذلك من خلال ضرب مرحلة عونحزب الله وبالتالي كامل تحالفاتهما بما يتيح لـ 14 آذار مع جنبلاط الى معاودة الإمساك بالسياسة في لبنان.

أليست هذه الآمال تقليداً لأسلوب ترامب الفاشل؟ او محاولة للقفز الى عربة بديله بايدن للاحتماء به من غدرات الزمان وموازين القوى؟ هذا هو هدفها بكل تأكيد، لكنها لن تنجح لأن عنجهية ترامب وأساليبه الاحترابية لم تنقذ 14 آذار من فشلها. وهذا ما ينطبق حكماً على مرحلة بايدن القابل للاعتراف بموازين القوى بدءاً من إيران وسورية وبشكل لا يكترث فيه لخطابات سعيد وعنجهيات جنبلاط؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى