الوطن

أردوغان يُقفل عائداً إلى أنقرة بعد رحلته الإقليمية الفاشلة

} د. وفيق إبراهيم

خسائر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الإقليم تزداد، ومتاعبه التركية الداخلية تتفاقم حتى أنها بدأت تهدّد زعامته التي بناها مدماكاً فوق آخر في محاولة لاستنهاض «العثمانية» القديمة بلبوس الاخوان المسلمين.

فما ان سددت له روسيا أخيراً ضربة قاسية في أزمة «ناغورني قره باغ» في القوقاز وطردته الى باكو عاصمة أذربيجان حتى انتقل في محاولة للتعويض عن خسائره الاقليمية الى الجزء التركي من قبرص، حيث صرخ بأعلى صوته مطالباً بدولتين في الجزيرة: الأولى في أنحائها الشمالية ذات الأكثرية من اصول تركية والثانية في الجنوب بأكثريتها اليونانية.

ما هو طريف هنا، ان الجيش التركي يحتل شمالي قبرص منذ 1974 وهنا أعلن القبارصة الاتراك منذ ذلك التاريخ عن تأسيس دولتهم التي لا يعترف بها إلا تركيا وليس لها مكان في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية.

فلماذا يطالب اردوغان بدولة في الشمال طالما أن هناك دولة فيها منذ 1974؟ لعله أراد بهذا الإصرار تأمين اعتراف دولي بها.

للإشارة فإن يونانيي الجزيرة وهم أكثرية مطلقة حاولوا في 1973 إلحاق الجزيرة باليونان، بعد انقلاب عسكري قاموا به، ففشلوا بعد التدخل العسكري التركي لكنهم احتفظوا بثلاثة أرباع جزيرتهم مع حنينهم التاريخي الدائم الى الإغريقية اليونانية القديمة وبما أن أحداً من دول العالم لم يستجب لمشروع أردوغان في قبرص آثر هذا الأخير العودة الى انقرة عاصمته التركية خائباً من تراجع مشروعه الكبير الذي شمل عشرات البلدان في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ومياه البحر المتوسط وسواحله.

ما هي نتائج هذا المشروع؟

يكفي أن محاولاته التسلل الى آسيا الوسطى من خلال القوقاز وأزمة ناغورني قره باغ انتهت بفشل ذريع أجهض الروس به مشروعاً عثمانياً للاستفادة من مسلمي هذه المنطقة المنتمين تاريخياً الى العثمانية.

إلا ان أردوغان ابتدأ بنشر عثمانيته في العراق حيث أدخل فرقة عسكرية رابطت بين الأكراد وبعض المدى العراقي من اصول تركية متذرّعاً بالمشروع الكردي الذي يريد إنشاء دولة خاصة به تؤدي حكماً الى تمرد من أكراد تركيا لإنشاء دولة مماثلة.

وحتى اليوم لا تزال هذه القوات التركية تؤدي دوراً عسكرياً إلى جانب غارات للطيران التركي مع نفوذ تركي في المناطق الوسطى العراقية عبر الإخوان المسلمين المحليين.

كذلك خص أردوغان سورية بمركزية حركته فاتحاً حدود بلاده معها لمئة الف ارهابي وأكثر مقتحماً مناطق إدلب وعفرين والحدود بفرق من الجيش التركي، متلاعباً بالوحدة الوطنية السورية عبر الإخوان المسلمين السوريين.

إلا ان هذا الدور الاستعماري يجد نفسه اليوم في وضع محاصر، لا يستطيع اختراقه ولم يعد له من فوائد عسكرية وسياسية وعثمانية بعد تلك الانتصارات التي أنجزها الجيش العربي السوري في السنين الأربع الاخيرة متحالفاً مع الروس والإيرانيين وحزب الله.

لم ييأس أردوغان الذي انتقل لمصادرة سواحل البحر المتوسط بين بلاده وقبرص واليونان وسورية، متشبثاً بحقوق بلاده في ثروات الغاز المتوسطية، لكن التدخل الأوروبي المتناغم مع اليونان، أربكه على الرغم من الدعم الاميركي غير الصائب الذي يستفيد منه حتى الآن.

اما رحلته العثمانية في ليبيا فابتدأت بصخب أردوغاني كبير عبر دعم دولة السراج التي تنتمي الى الإخوان المسلمين.

هنا اعتقد أردوغان ان الفرج ادرك مشروعه اخيراً لان ليبيا مليئة بالغاز والنفط وتؤمن لبلاده نفوذاً متوسطياً وعربياً وشمال أفريقياً.

لكنه كالعادة بوغت بإصرار مصريأوروبيروسي على محاصرة دوره على قاعدة رعاية مصالحة بين دولة حفتر المدعومة مصرياً ودولة السراج الاخوانية المستوردة تركياً وذلك لإعادة بناء ليبيا موحدة، وهذا ما يدفع نحو نسف الدور التركي في شمال افريقيا.

لجهة اليمن، فبعد علاقات عميقة لأردوغان مع حزب الإصلاح اليمني، اتسمت بتزويده بالسلاح والمدربين والتمويل تمكنت السعودية مؤخراً من جذب هذا الحزب الى دائرة نفوذها، والدليل ان حزب الإصلاح اليمني أعلن انه ليس من الاخوان المسلمين ولعله بذلك يكون قد انتسب الى الدائرة الوهابيّة.

لا بد من الاشارة ايضاً الى ان الاميركيين اعانوا الجيش المصري بضرب دولة الاخوان المسلمين المصرية الموالية لتركيا منصبين السيسي رئيساً عليها.

ان ادوار الاخوان المسلمين في الدول العربية اصبحت متراجعة في تونس ايضاً والسودان ولبنان ودول شبه جزيرة العرب بما فيها دولة قطر حليفة تركيا.

باعتبار أن قطر تحالف تركيا في وجه المطامع السعودية وليس للانتساب الى دولة الاخوان التي لا تقبل بإمارة عائليّة ينتقل فيها الحكم من أب الى ابنه.

هذا التراجع الرهيب هو الذي جعل أردوغان يعود من الإقليم خائب الرجِل يحاول التعويض عن الهزائم بدولة لأتراك شمالي قبرص.

لكن الاتحاد الاوروبي والاميركيين والروس لن يقبلوا بهذا التعويض. وهذا يضع اردوغان امام شعبه الذي ينتظر الانتخابات التركية المقبلة لإلحاق هزيمة به تعيد لتركيا استقرارها وعلاقاتها الهادئة مع العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى