حديث الجمعة

بين الغيم والمطر حِلم عصيٌّ..

الجروح التي لا يتم تنظيفها لا تلتئم، لهذا فالعتاب بين الأحبة واجب، وليس الجميع يستحق مثل هذه الفرصة الذهبية.

من اللا شيء يمكن خلق أعظم شيء، العتب مجلاة القلوب، نحن حين نتعاتب لا نصبّ الزيت على النار، نحن عندما نتعاتب فلا نفعل ذلك كي نأخذ حقنا ونثبت أننا الأوفى والأصدق والسباقون في المبادرة على العكس تماماً نحن نتعاتب. لنطفئ حمم البراكين التي تشتعل في مربع أضلع الصدر التي يصعب جداً إطفاؤها بغير العتب وبثّ الشكوى لمسببها..

نحن لا نعاتب إلّا الذين نريد الاحتفاظ بهم، فالعتاب ليس لأجل الماضي، فالبعض يملك ذاكرة فولاذية، البعض قادر على تذكر جميع تفاصيل حياته وأي شيء آخر رآه على مدار حياته حتى باليوم والساعة. حتّى أن هذه الحالة درست كظاهرة اجتماعية عامة والاسم الطبّي لها (Hyperthemesia). والبعض يراها ميزة خارقة ولكنني شخصياً لا أجدها كذلك، فخير نعم الله علينا هي النسيان بل رحمة من الله لعباده، نحن نعيش لأننا قادرون أن نستمر بسيرورة الحياة بفعل النسيان. هذه النعمة تجدد إمكانيات انفتاح المستحيل على الممكن وبفعلها تستمر الحياة.

الحياة مزيج من الآلام والأحزان تتخللها وتزينها أيام حلوة ومحطات سعادة بين الفينة والأخرى، ولو بقينا نتذكر كل ألم مررنا به وكلّ يوم اسودّت به حياتنا لانفجرنا كالعبوات الناسفة، لذا ولكي نكمل الحياة بهدوء نسبي أقل يجب أن نتخذ العتاب كالمسكّن الفعّال والقادر على مساعدتنا في تسيير مركب حياتنا، نستخدم العتاب لأجل المستقبل، لأننا لا نريد أن نتوجع بالسبب ذاته مرة أخرى، ما يبدو لك عادياً قد يجعل أحدنا بركاناً يغلي من الداخل يتحين لحظة الانفجار، وما أراه أنا عادياً قد يُغضبك، العتاب لأجل التصافي والود، العتاب يجعلنا أكثر حذراً ومراعاة لمشاعر الذين نحبهم، أما الذين لا ينفع معهم عتاب، لملموا ما تبقى منكم وارحلوا ولا تسمحوا لهم أن يقتربوا مسافة تسمح لهم بالطعن مرة أخرى. طبقّوا معهم سياسة مسافة الأمان التي تصلح لكل زمان.

يجتمع سكان مقاطعة (تشومبيفيلكاس) في دولة (البيرو) في الخامس والعشرين من ديسمبر كل عام في مهرجان يدعى Takanakuy حيث يقوم السكان في هذا المهرجان بحل خلافاتهم القديمة بأساليب وطرق غريبة، والهدف من ذلك أن يبدأ الجميع عاماً خالياً من الحقد والكراهية والخلافات.

بين الهواء والهوى معزوفة كمان شجيّة وقصيدة بوح شقيّة يهتزّ لها خصر أذنين تجيدان السمع وتقولان للروح «هيّا لنحيا حياة سعيدة». الهدف الأسمى للتسامح هو استمرار نهر الحب في حياة كثر رمادها وبارودها..

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى