أخيرة

«الجسر المعلق» في دير الزور ولو دمّرته الحرب لكنه خالد في وجدان السوريين

لطالما اشتهرت دير الزور بجسورها التي تربط ضفتي نهر الفرات، وتصل جناحي المدينة بعضهما ببعض.

بعد الحرب التي عصفت بحجرها وشجرها وبناها التحتية، اختفت جسور المدينة تماماً بعدما استكمل ما يسمى بـ»التحالف الأميركي»، ما سبق وبدأته التنظيمات الإرهابية، من تدمير للمدينة وجسورها، وتقطيع أوصالها، وأحلام ساكنيها.

ذكريات «الجسر المعلق»، هي اليوم الغائب الحاضر في حياة أهل دير الزور، لا أدلّ على ذلك تداعي أحاديث «المضافات» التي درج سكان المدينة على التلاقي فيها كل مساء، إلى ذكريات المدينة قبل الحرب، وعلى رأسها جسرها المعلق وحباله التي كانت تمتدّ كالأطواد بين نقاط ارتكازه.

يحتفظ «الديريون»، كما يُكنّى سكان دير الزور بين أقرانهم السوريين، بصورهم على الجسر المعلق كتذكار من (الزمن الجميل)، كما يصفون السنوات التي سبقت الحرب الإرهابية على بلادهم، فلا تكاد تجد (ديرياً) واحداً إلا وله حصته من الصور الشخصيّة على الجسر، يحتفظ بها في ألبوم صوره أو على جهازه المحمول.

صور توثق المكان الذي لطالما احتضن ذكريات المدينة، فهو مقصد الكبير والصغير والعاشق والزائر والسائح لما له من أهمية جمالية وتراثية، كما كان مقصداً للأدباء والشعراء الذين تغنّوا به وبنهر الفرات الخالد، ومكان لمن يهوى صيد السمك مستعيناً بأعمدة الجسر لتثبيت سنّارته.

ويُعدّ الجسر المعلّق أهم معلم أثري في مدينة دير الزور، ويعود تاريخ بنائه إلى زمن الانتداب الفرنسي عام 1925، واستمر بناؤه 6 سنوات قضى خلالها الكثير من أبناء المدينة، وقد أنهت الشركة الفرنسية بناء الجسر في مارس/ آذار سنة 1931.

ويمتاز جسر دير الزور المعلق بركائزه الحجريّة الأربعة الباسقة، تربطها ببعضها قضبان معدنية فولاذيّة بأسلوب هندسي بديع، ويبلغ ارتفاع كل ركيزة 36 متراً، أما طول الجسر فيبلغ 450 متراً وعرضه 4 أمتار، وقد كلف إنشاء هذا الجسر مليوناً وثلث المليون ليرة سورية في ذلك الحين.

وفي عام 1947 تمّ تزويد الجسر بالكهرباء، وفي 1955 صبغ باللون الأصفر وأنير بأنوار ملونة غاية في الجمال، تنعكس ليلاً على صفحة مياه النهر.

وفي 1980، تمّ منع السير على الجسر بالسيارات والدراجات النارية، وقبل ذلك، كانت عملية مرور السيارات تنظم عبر استخدام الهاتف بين عامليْن كل منهما يتمركز في طرف من طرفي الجسر، يخبر أحدهما الآخر بمرور سيارة من جهته إلى الجهة الأخرى، فيمنع العامل الآخر مرور السيارات حتى وصولها إلى مقصدها، وهكذا.

بدأ تدمير الجسر في عام 2013، حين قام مسلحو تنظيم «الجيش الحر» باستهدافه بضربات صاروخية، ليأتي تنظيم «جبهة النصرة» الذي انبثق لاحقاً عن سلفه «الجيش الحر» ويستكمل مهمة تدميره مع الجسور الأخرى على نهر الفرات، ثم طائرات التحالف الأميركي ومفخخات تنظيم «داعش» الإرهابي، اللتين أتيتا على ما تبقى من جسور كانت تربط ضفتي نهر الفرات على طول امتداده السوري الذي يناهز 610 كيلو مترات، بما في ذلك جسري «السويعية» و»الباغوز» في البوكمال، وجسري الرقة القديم والجديد، وجسري قرية الكالطة والعبارة، وصولاً إلى تدمير آخر الجسور وهو جسر «المغلة» غرب قرية مدينة «معدان» في ريف الرقة، بهدف قطع الطريق بين ضفتي نهر الفرات، وفصل منطقة الجزيرة بشكل شبه نهائي عن بقية الأراضي السورية من الجهة الجنوبية لنهر الفرات.

الجسر المعلق، الذي كان شرياناً اجتماعاً واقتصادياً يربط ضفتي الفرات، بقي معلقاً في ذاكرة أبناء الفرات ممن يتساءلون اليوم، عما إذا كانوا سيرون الجسر المعلق معلقاً من جديد، أما أنه سيبقى في قلوبهم وذكرياتهم فقط.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى