الوطن

لماذا لم تنتهِ الأزمة السوريّة؟

} د. وفيق إبراهيم

هذه إشكالية تحتاج إلى التعمّق في أبعادها، خصوصاً بعد نجاح الجيش العربي السوري وحلفائه من تحرير أكثر من سبعين في المئة من سورية، بما فيها العاصمة وسلسلة المدن الكبرى والحدود السياسيّة والواجهة البحريّة.

ما تبقى تحتله قوات أميركيّة وانفصاليون أكراد وجيش تركي يحضن مجموعات من الإرهابيين.

فينكشف على الفور أن الأزمة السورية الداخلية انتهت تماماً بالانتصار السوري الساحق على القاعدة وداعش والنصرة وهيئة تحرير الشام ومئات التنظيمات المتفرعةهؤلاء زاد عديدهم عن 150 ألف إرهابي تقريباً ولم يتبق منهم إلا بضع مئات في خلايا تحتمي بقوات خارجية.

لذلك فإن ما تجابهه سورية ليس أزمة بقدر ما هو احتلال خارجي كامل اعترف به المبعوث الأميركي الى سورية جيمس جيفري في مقابلة صحافية منذ يومين، أشار فيه علناً الى تكامل بين غارات إسرائيلية تمنع التموضعات العسكرية السوريةالايرانية المشتركة والقوات الأميركية في شرق سورية التي تحول دون استعادة الجيش السوري لأراضٍ سورية جديدة، مضيفاً بأن القوات التركية تقف في وجه أي تقدّم للجيش السوري نحو غرب بلاده وحدودها.

هذا ما قاله جيفري حرفياً، معتبراً أن هذه القوى الثلاث تنسّق فيما بينها بأشكال لم يفصح عنها، لكنه اعتبر أنها تقفل حركة القوات السورية نحو الشمال الحدودي والغرب الحدودي وهذان دوران تركيان، ونحو الشرق والحدود العراقية وهذه مهمة الاحتلال الأميركي المتعاون مع صنيعته منظمة قسد الكردية.

أما «اسرائيل» فتتولى منع الاستقرار الاجتماعي والأمني في الجنوب المواجه للجولان.

إن هذه التصريحات لا تكشف فقط عن وجود احتلالات أجنبية، لكنها تعترف بالتنسيق القائم بينها.

كما تجهر وعلناً بعدم وجود معارضات سورية حقيقيّة تعمل مع هذه الاحتلالات بل مجرد آليات متعاملة لا ترقى إلى صفة معارضات فعلية.

أما لجهة المعارضات السورية الوطنية فهذه موجودة في الداخل السوري، وتطالب علناً بتطور نوعي في أدوات السلطة وفي علاقتها بالسوريين على مستوى إيجاد علاقات تمثيلية أكثر عمقاً من المعمول به حالياً.

لذلك، فإن جيفري الأميركي يعترف بهذه الاحتلالات المتنوّعة والمتجانسة، معتبراً ان الروس في سورية هم في اشكالية عميقة لأنهم يجدون أنفسهم في وضعية غير مريحة لإزاحة ثلاثة احتلالات دفعة واحدة تجثم على صدورهم في البلد الوحيد الذي يعتقدون أنهم الأقوى فيه ويؤهلهم لمعاودة الانطلاق في الشرق الأوسط.

يتضح هنا أن الدولة السورية المجابهة لهذه الاحتلالات اتخذت قراراً صريحاً بالتركيز على الاحتلال التركيّ، ويبدو أنها أقنعت الروس بذلك، لأنهم الأكثر ثقلاً ووطأة على الحركة الحالية للجيش السوري.

فالإسرائيليون يستخدمون الطائرات في هجماتهم وهذه تحتاج الى تفويض روسي كامل للجيش السوري بحقه في استخدام الـ ss300 الروسية الصنع الوحيدة القادرة على كبح هذا الغزو الإسرائيلي، أما الواضح فإن حركة استعمال هذه الصواريخ هي نسبية وتخضع لموافقة روسيّة مسبقة، لأن موسكو حريصة على علاقاتها الاستراتيجيّة بـإسرائيلولا تريد تحويلها الى عدائيّة إلا بعد استنفاد آخر الوسائل السلمية.

لجهة الأتراك فهناك أيضاً مصالح تربطهم بالروس في ليبيا والبحر المتوسط بالإضافة الى التربص الروسي الذي يراهن على انفجار ما في العلاقات التركيةالأميركيةالأوروبية وبالتالي الأطلسية.

هناك أيضاً اعتقاد روسي إضافي بأن الانتهاء من الأتراك في إدلب والحدود يضع الاحتلال الأميركي في الشرق في أزمة ضخمة بوسعها دفعه الى الانسحاب من هذه المنطقة.

هذا بالإضافة الى مراهنات روسية تتأمل بأن تؤدي سياسات الرئيس الأميركي الجديد بايدن الى سحب قوات بلاده مقابل المحافظة عليها في العراق، وذلك بعد اتفاق روسياميركي يتعهّد فيه الكرملين بعدم الاقتراب من بلاد الرافدين.

أما أسباب هذا الاعتقاد فمردّه الى الثروات النفطيّة العراقيّة الضخمة ومجاورة العراق لإيران بما يسمح بعرقلة حركة إيران خارج حدودها مع إمكانية استعمال العراق كورقة صالحة في المفاوضات الأميركية الإيرانية المرتقبة.

وله ايضاً دور المعرقل لأي حركة باتجاه الخليج من خلال صحراء الأنبار العراقية، كما أن كردستان العراقية تحفظ للأميركيين مشروعهم الدائم والتاريخي باستعمال الأكراد لتفكيك الدول التي تضمهم في ايران والعراق وسورية وتركيا.

الموضوع السوري اذاً في جانبه الداخلي غير موجود والإرهاب في سورية مشروع مهزوم بضربة مميتة.

اما ما تبقى فهي احتلالات تندرج في اطار الصراعات الدولية وألعاب الأمم والقتال الضروس على المواقع الإقليمية والقطبية الدولية.

لذلك فإن الحركة السورية الروسية ذاهبة نحو تركيز أكبر لضرب الاحتلال التركي بالتعاون مع حزب الله، باعتبار ان الحصار الاميركي الاوروبي الخليجي الاسرائيلي يحد من حركة واسعة لها في الشمال السوري وقد تكتفي فيه بأدوار كبيرة لحزب الله.

يتبين بالاستنتاج أن الاحتلال التركي في سورية أصبح في وضع ضعيف يحاول تغطيته بحركة عسكرية جديدة يريد منها بناء حاجزين، مناطق سيطرة قسد الكردية والحدود بعمق ثلاث كيلومترات داخل سورية وبطول 300 كيلومتر.

هذه صيغة الاتفاق الذي يحاول الأتراك نيل موافقة روسية عليه للتسريع بانسحابها من معظم منطقة إدلب.

لكن الدولة السورية أعلنت بشكل واضح ان كل اراضي بلادها متساوية بالنسبة اليها ولا ترى في الأتراك إلا مستعمراً يجب طرده.

ألا يستحق هذا الوضع من منتحلي صفة معارضة سورية ويعملون من خلال الأتراك والسعودية والأميركيين ان يعودوا الى وطنهم للعمل مع الدولة على تحرير سورية من الاحتلالات الثلاثة؟

لذلك بدأ الآن أوان التحرير من الاحتلال التركي على قاعدة طرد الأميركيين ومجابهة الإسرائيليين وهذا لم يعُد بعيداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى