مقالات وآراء

اقتدوا بالإمام علي…
مشرّع ومنفذ قانون أصول المحاكمات

} معن الأسعد

في الرواية المشهورة عن ادّعاء يهودي، بملكية درع الإمام علي بن أبي طالب، نجد منظومة رائعة من الشرائع، وتنفيذ القوانين التأسيسية لأيّ نظام قضائي، وعبرة واضحة لمبدأ فصل السلطات، وقاعدة استقلال وسيادة القضاء.

 كلمة اليهودي هنا، ليست في معرض الذم، بل في توصيف لوضعه الإداري والقانوني، كأهل ذمة في النظام الاسلامي (مثل وضع اللاجئ أو النازح في لبنان، أو اللبناني الذي يحتاج إلى كفيل في دول الخليج، يعني مواطناً من الدرجة الثانية، بالعربي المشبرح).

عندما استطاع يهودي، الادّعاء بملكية درع الإمام علي، امام محكمة قاضي القضاة شريح فهذا أمر غير مسبوق،

اليهودي (اي المواطن من الدرجة الثانية) ادّعى على علي بن ابن طالب، الذي كان يحمل لقب أمير المؤمنين، أو الملك أو السلطان أو رئيس جمهورية النظام، الذي تتبع له المحكمة والقاضي المدّعى أمامهما،

وقد تمّ قبول الدعوى من قبل القاضي، فهذا إرساء

 للقاعدة التي تنص على حق أيّ كان بالمطالبة بحقوقه المزعومة قضائياّ، بوجه ايّ كان مهما علا شأنه وسمى منصبه.

وحين حضور أمير المؤمنين، أيّ الملك او السلطان او رئيس جمهورية الدولة أمام القاضي طوعاً، للإدلاء بدفوعه ودفاعه في مواجهة هذا المُدّعي، أرسيت قاعدة مبدأ فصل السلطات، واستقلال السلطة القضائية، وأن لا أحد فوق القضاء والمحاسبة.

وحينما سأل القاضي أمير المؤمنين: «يا أبا الحسن ان اليهودي يزعم ملكيته للدرع»،

قاطعه أمير المؤمنين قائلاً: «يا شريح لا تكنيني فأنا في حضرة القضاء»، أيّ أن لا يخاطبه بكنيته كي لا يشعر المواطن درجة ثانية بالدونية أمامه.

وهنا أيضاً، أرسيت قاعدة مساواة الجميع أمام القضاء.

وقال له القاضي شريح، يا علي ماذا تقول عن زعم اليهودي؟

أجاب الإمام بأنّ الدرع درعه بشهادة ولديه الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة، فردّ القاضي، بأنّ شهادة الإمامين لا تقبل لمصلحته، كونهما نجلي أمير المؤمنين. ثم حكم بملكية اليهودي للدرع .

وهنا أرسيت أيضاً وأيضاً، قواعد الإثبات وأصوله.

وقبل الإمام الحكم، ونفذه فوراً وقال: «إذن الدرع درع اليهودي».

وهذه هي قاعدة إلزامية تنفيذ الأحكام القضائية.

ننتقل من التاريخ والجغرافيا أيّ من 1450 عاماً إلى واقعنا الحالي في لبنان، حيث، سيطرت عصابة لصوص وقحة، على مؤسسات الدولة منذ 30 سنة، عبر اختيارها، بعض شعراء البلاط المستزلمين، ونصّبتهم في مفاصل القضاء والمراكز الحساسة وأطلقت عليهم لقب «قضاة»، كله

بإسم الطائفية والمذهبية والاستزلام لـ «ولي النعمة» حيث تسلّم بضعة قضاة، مواقع الحلّ والربط، وساهموا، وغطوا، وشاركوا في نهب المال العام والخاص للوطن والمواطن،

وقضوا على هيبة القضاء واستقلاله، وجعلوا منه «علكة» في فم «اللي بيسوى واللي ما بيسوى».

قلة قليلة وصمت الجسم القضائي بأسره بتهمتي الفساد والاستزلام، والحق يُقال، فإنّ معظم القضاة ليسوا فاسدين، ولا مستزلمين، وكلّ من حاول منهم الاعتراض والانتفاضة على ما يحصل تمّ تأديبه بنفيه الى محاكم نائية، أو ركنه في مواقع ثانوية، أو أكثر وأصعب من ذلك .

ثلة قليلة من حراس هيكل النظام اقترفت جرماً، بل كفراً، بحق وطن وقدّمته، إلى عصابة لصوص وقحة مقابل ثلاثين من الفضة. وتناست أنه لا يمكن بناء وطن من دون قضاء مستقلّ، وتراقصت طرباً وزهواً، حين التقاطها الصور التذكارية مع من عيّنهم، وكيل أطياب المديح لعظمته.

هؤلاء يجب البدء بمحاسبتهم، وعزلهم فوراً عن مواقعهم، وإلا سينتهي ما تبقى من القضاء، عندها لن يكون أمامنا سوى الرهان على القدر.

 نصل الى قنبلة الموسم، حيث ادّعى المحقق العدلي القاضي فادي صوان، على رئيس الحكومة وثلاثة وزراء سابقين، وكأنّ بركاناً تفجّر من التصريحات، حول احترام الدستور والقوانين، وعدم جواز انتهاكها، هناك من ثار زاعماً انّ هيبة الموقع تعني اعتداء على كرامة السنة !

يا عيني، يا حبيبي، كرامة المواطن هو بتمثيله من أشخاص يتمتعون بكفاءة ونزاهة،

كرامة المواطن بتأمين أدنى حقوقه التي تؤمّن له العيش الكريم،

كرامة المواطن ليست بالسطو على أمواله في المصارف وحرمانه من حقوقه المشروعة بالغذاء والطبابة والاستشفاء والتعليم ووو

انتم تدافعون عن أنفسكم، لأنكم تعلمون جيداً بأنّ الادّعاء على رئيس حكومة فاعل يعني حكماً انّ دوركم سيأتي وسيلحق بكم، كلّ من تسلّم موقعاً عاماً حالياً أو سابقاً.

على أمل سيتحقق ولو بعد حين، ستنتقل عدوى اهتزاز الموقع السني إلى الجميع، وتصيب مواقع الماروني والكاثوليكي والأرثوذكسي والأقليات والشيعي والدرزي والأرمني والسنسكريتي والتتري أيضاً (سامحوني إذا نسيت أحد). وأنّ شعار كلكم فاسد ليس عادلاً لأنه يعني التعميم وهذا غير جائز،  لكن، كلكم يعني كلكم تحت المحاسبة والغربال، ومن تظهر براءته، سنعتذر منه «ع رأس السطح»، أما الفاسد منكم، هو كالعميل، او الخائن، لا دين له ولا مذهب ولا بيعرف الله .

وحارتنا ضيقة، وكلنا نعرف بعضنا البعض.

هناك من دخل إلى السلطة بـ «الشحاطة وببنطلون ممزق» وأصبح أغنى من أوناسيس اليوناني. إنكم أفلستم البلد، وأنهيتم وجود البشر والحجر، ولا تزالون تتناطحون على وسائل الإعلام وتطالبون كذباً ونفاقاً ورياء بمحاربة الفساد وبحقوق المواطن .

فعلاً انها وقاحة ما بعدها وقاحة .

أمير المؤمنين علي بن ابن طالب قال: حين استلامه السلطة، «أتيتكم بردائي وجلبابي فإنْ خرجت بغيرهما فإني خائن».

كما قال: «والله ما معاوية بأدهى مني، لكنه كان يغدر ويفجر ولولا الغدر لكنت أدهى العرب».

باختصار شديد، المعادلة بسيطة وهي:

هناك طرفان في البلدبضع عشرات من السياسيين مقابل 6 ملايين لبناني، «حدا رح يضلّ في هذا البلد، يا نحن يا أنتم».

ونحن لن نتركه لكم

* محام وأمين عام التيار الأسعدي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى