الوطن

مشروع حكومة جديدة للبنان في نزهة طويلة

 د. وفيق إبراهيم

هناك ثلاثة احتمالات تجعل من تشكيل حكومة جديدة للبنان مسألة بالغة الصعوبة.

الأول أن يباشر الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب اعتداءات مباشرة على إيران في أكثر من مكان إقليمي وربما في العراق مثلاً. وتواكبه «إسرائيل» بتكثيف غارات جوية وبحرية على لبنان وسورية.

هذا الاحتمال بمفرده كفيل بإرجاء تشكيل الحكومة حتى انبلاج معطيات حاسمة لا تبدو في الأفق القريب.

اما الاحتمال الثاني فهو فشل المفاوضات المرتقبة بين الرئيس الأميركي الجديد بايدن وبين إيران، ما يعني إشاعة توتر إضافي من إيران واليمن والعراق وسورية ولبنان قابل لأن يتحوّل حروباً مستمرة حتى اشعار آخر.

ماذا عن الاحتمال الثالث؟ يتعلق بازدياد حدة الخلافات الداخلية بين تيارات بات يقودها الكاردينال الراعي وتعمل لإعادة إنتاج لبنان القديم بسيطرة التيار الغربي فيه وبقوة التحالف السعودي الأميركي الإسرائيلي.

هذا الاحتمال بدوره غير قابل للحياة لأنه أشبه بمن يحلم بإعادة التاريخ الى ما كان عليه قبل عشرات الحروب والإنجازات.

للفت النظر فإن هذا الاحتمال يتقمّص مرحلة 1920 عندما أسس الفرنسيون الكيان السياسي اللبناني وسلّموه لسياسيين موارنة تعاونوا بشكل ضئيل مع سياسيين من السنة.

وظل هذا النظام قابلاً للحياة بإسناد فرنسيأميركي خليجي حتى 2006، عندما بدأت قوى أخرى تقاتل «إسرائيل» والارهاب وتسجل النصر تلو الآخر من دون أن تحصل على ما يعادل هذه الانتصارات في آليات الدستور اللبناني.

لذلك يحاول قسم من الإعلام تصوير العجز عن تشكيل حكومة بالفشل الداخلي فيما يرمي إعلام آخر التهمة على الخارج.

بأي حال، يحتوي موضوع العجز على الدورين الداخلي والخارجي معاً، فهناك قوى في الداخل اللبناني تحاول فرض تشكيل حكومي موالٍ لها بذريعة أنهم مستقلون كما تريد المبادرة الفرنسية، كما أن قوى التأثير الخارجي الأميركية والسعودية والإسرائيلية والإيرانية تريد ان تتمثل القوى اللبنانية المؤيدة لها بمعدل حكومي وازن.

بذلك يمكن الاستنتاج أن التعطيل الحالي يعود الى سببين: الأول إصرار الكاردينال الراعي والجناح اللبناني المؤيد للبنان 1920 على انتاج حكومة تعمل على حياد لبنان عن سورية وإسرائيل وتمسك بالأدوار الداخلية للبلاد كما كانت عليه في المراحل السابقةهذا مع إضفاء مشاركة شكلية لوزراء من الفريق الآخر للزوم التصوير الفوتوغرافي فقط.

أما السبب الثاني فيعود الى الرئيس المكلف الحريري الذي يستفيد من مطالب الكاردينال الراعي والضغوط الأميركية والطيران الإسرائيلي الذي يجوب فضاء لبنان يومياً ويعتدي منه على سورية. إن كل هذه الأسباب تسمح لسعد الحريري بالإصرار على حكومة مستقلين، فيتبين انه يعمل بالتنسيق مع الأميركيين وحزب القوات على تقليص حصص رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره الوطني الحر الى ادنى درجة ممكنة. ما يعطي الاكثرية له شخصياً في حكومة جديدة يريد الأميركيون منها العمل لوقف دور حزب الله عند حدود لبنان مع فلسطين المحتلة وفي مواجهة الارهاب.

ما هو طريف هنا، أن الشيخ سعد لم يخبر أحداً كيف تمكن من اختيار اختصاصيين مستقلين وأين وكيف؟

لان ما هو معروف ان من يختار اشخاصاً لمواقع وزارية، يصبحون على الفور موالين له من دون أن يكونوا حزبيين.

فأين وجد السعد هؤلاء المتخصصين المستقلين؟ وكيف لا يحق للرئيس عون اختيار متخصصين مستقلين بالطريقة نفسها؟

هذا يكشف ان السعد يلعب على طريقتين: اما انه يريد استعمال الدعم الفرنسيالأميركي للإمساك بالحكومة، أو انه يريد تعطيل تشكيلها بطلب من جهات خارجية معينة.

فبدلاً من أن يعتكف ممتنعاً عن التشكيل، فإنه يتقدّم بعرض مستحيل يؤدي المهمة نفسها، وهو إرجاء التشكيل إلى أن تتم التوافقات الخارجية، إما اذا لم تتم فيمكن عندها إرغام عونحزب الله على حكومة يمسك الحريري بالغالبية فيها.

وهكذا يذهب الحريري في جولة لنزهة طويلة الى الإمارات والسعودية وفرنسا، ولن تشمل جولته الولايات المتحدة الأميركية لأنها تمر في مرحلة صعبة من تسلم وتسليم بين رئيس مهزوم ومسعور وبين آخر ناجح لم يبدأ بعد بإعداد سياساته.

لكن الجلي منها هو إعلانه العمل على التفاوض مع إيران والاهتمام بالعراق وسورية، ولم يتذكّر لبنان، ألا يسبّب هذا الامر قلقاً عند الراعيسعد وجعجع؟

هناك من يعتقد بأن التيار الوطني الحر وثنائي امل وحزب الله ذاهبون الى خيارات صعبة لإنقاذ لبنان من حفنة سياسة اعتادت سرقة الدور الداخلي بواسطة الخارج.

لبنان إلى أين؟

الحكومة في شباط كما يقول منطق التسويات الا اذا توصلت قوى الداخل الى تشكيلة حكومية ليس فيها اختصاصيو سعد ومستقلو الكاردينال وجعجع وعندها يستطيع لبنان انتظار الحلقات السيئة المقبلة بإمكانات أكبر على المواجهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى