الوطن

سورية المتغيرات الإقليمية والدولية… الدور والهوية

} د. حسن مرهج

الحرب على سورية بما لها وما عليها، شكّلت مدخلاً لإعادة رسم تحالفات المنطقة وتوازناتها، إضافة إلى انتقال عناوين هذه الحرب وتعدّد توجهاتها، من الأجندات الإقليمية والدولية والمسارعة إلى الاستحواذ على جملة واسعة من المصالح، إلى صراع إرادات إقليمي ودولي تغلب فيها الحسابات الجيوسياسيّة، ما يعني صراحةً أنّ التوصل إلى حلّ سياسي وتسوية مقبولة، قد يأخذ وقتاً أطول مما هو متوقع، خاصة أنّ كلّ الحقائق والمعطيات المؤطرة للحرب على سورية، تصبّ مباشرة في بوتقة أنّ الجغرافية السورية، باتت ساحةً لتنفيس الاحتقان الإقليمي والصراعات الدولية، أو ما يُعرف بحروب الوكالة.

لا شك بأنّ رسم تصوّرات ومآلات الحرب على سورية، ينبغي أن ينطلق من محددات واقعية ترتكز على جزئيات، أنّ موازين القوى هي العامل الحاسم في بناء التحالفات، وتوجيه السياسات الخارجيّة للدول، وتحديد علاقاتها مع الفاعلين الآخرين في النظامين الدولي والإقليمي؛ ضمن ذلك يبقى العامل الجيوسياسي هو الأكثر تأثيراً وتفاعلاً ضمن سياق التنافس على سورية، إذ لا يمكن لأحد أن ينكر بأنّ الحالة السوريّة التي جاءت في سياق الربيع العربي، هي الأكثر تعقيداً من مثيلاتها في العالم العربيّ، بسبب موقع سورية الجيوسياسي المهمّ، وأنّ الصراع والتنافس الإقليمي والدولي على سورية باعتبارها عاملاً مرجّحاً في توازنات المنطقة، سوف يكون له الأثر الحاسم في تحديد مآل أزمتها والمسارات التي يمكن أن تسلكها مستقبلاً.

ضمن ما سبق، فإنّ الانتصارات التي حققتها الدولة السورية، فرضت مساراً على كلّ القوى الإقليمية والدولية، لجهة القدرة السورية على تحويل الأجندات المتربصة بالدور والموقع السوري، إلى مكاسب وامتيازات تفرض العودة السورية إلى الموقع الإقليمي الفاعل، وبالتالي وعلى الرغم من إنهاك الدولة السورية ومؤسساتها، إلا أنّ سورية قد تضطلع بدور أكبر كجهة فاعلة إقليمية، وستكون الدولة السورية بقيادة الأسد اللاعب البارز الذي كانت عليه منذ عقود عقب حرب العام 1967.

ما سبق لا يدخل ضمن إطار النظريات السياسية، ولا في مراهنات ولا توصيفات مبالغ فيها، حيث أنّ ضرورات البحث عن حلّ سياسي للأزمة السورية، بات مطلباً إقليمي ودولي، وبات الاستقرار هاجساً تبحث عنه القوى الكبرى، بغية تفعيله في سورية وتعميمه على كلّ المنطقة، ولا نبالغ إنْ قلنا، إنّ القوة السورية وجزئيات توازناتها، هي العامل الحاسم في إرساء أسس الاستقرار الإقليمي، صحيح أنّ القوة العسكرية السورية قد أصابها بعض الضرر، وصحيح أنّ المجتمع السوري يعاني تداعيات الحرب الطويلة، وصحيح انّ الاقتصاد السوري يعاني أزمات حقيقية، لكن الصحيح أيضاً انّ الدولة السورية قادرة على ترميم نفسها من الداخل أولاً، كما هي قادرة على توجيه دفة المنطقة كما تشاء انطلاقاً من مميزات موقعها الجيوسياسي.

قلنا في وقت سابق، بأنه من المرجّح أن تبقى سورية عرضة للتدخّلات وحلبةً للمنافسة الإقليمية، مع انتهاك سيادتها بشكل منتظم، لكن ضمن سلّم أولويات الدولة السورية بأنّ مؤسسات الدولة والنظام السياسي والبنية المجتمعية، كلّ ذلك بقي فاعلاً ونشطاً، الأمر الذي يشكل نقطة انطلاق جديدة نحو عناوين إقليمية ودولية، فالقوى العظمى تدرك بأنّ زمن الحروب والمؤامرات قد ولى، ولم يعد بالإمكان إسقاط الدولة السورية من الداخل وكذا من الخارج. بالتالي، قد تدعم الدول المعادية للدولة السورية قادة الحرب أو المجموعات الإرهابية من أجل تمديد الحرب. ومن المرجّح أيضاً في هذا الإطار أن تعمل تركيا بتوجيه أميركي مع الكرد من أجل اكتساب النفوذ والتخفيف من التهديد المتصوَّر من الأكراد الذين يأبون الخضوع في أراضيها على حدّ سواء.

في ذات الإطار، فإنّ روسيا وإيران اضطلعتا بدور محوري في سورية؛ هو دور له أبعاد سياسية واقتصادية وعسكرية، لتغدو معادلة دمشق موسكو وطهران وضمناً الصين، عنواناً بارزاً لمنظومة لن نقول بأنها تتفوّق على محور واشنطن، لكنها تضاهي ذاك المحور وتشكل سدّاً منيعاً لجلّ توجهاته، وبإسقاط ما سبق على الجغرافية السورية، نجد أنّ الجميع يعمل من تحت الطاولة للتوصل إلى تفاهمات بشأن سورية، لكن وفق توقيت دمشق، بدليل ما ينشر من تقارير تؤكد أنّ غالبية القوى العظمى تنسق مع دمشق امنياً، وهذا مدخل سياسي ستتمّ بلورته قريباً.

في النهاية، لا يمكن لأحد أن يتجاهل حجم التحديات التي تؤطر الملف السوري، لكن مع هذه التحديات والأزمات كلّها، ستحظى سورية بدور اقليمي أكبر، ومن المؤكد أنّ الدولة السورية تحاول استغلال نقاط ضعفها، لتزيد من استقلالها الذاتي ونفوذها. وهنا يحضر قوياً ما قاله البروفسور الأميركي ريتشارد بلاك وهو أيضاً محاضر في جامعة فرجينيا الأميركية، حيث قال «من الغباء أن تبقى أيّ إدارة أميركية في حالة عداء مع سورية، إذ من الضروري بناء جسور قوية مع النظام السوري للهندسة نظام إقليمي قوي ومتين ويكون ذلك لإرساء أسس الاستقرار في المنطقة».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى