مقالات وآراء

العلاقات «الإسرائيلية» التركية… تقارب استراتيجي أم مصالح مؤقتة؟

} د. حسن مرهج

في التوصيف العام لمشهد العلاقات «الإسرائيلية» التركية، فإنه من الضروري مقاربة هذه العلاقات من المنظور الأميركي ومحدّدات الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، ما يعني أنّ التقارب التركي «الإسرائيلي» هو تقارب وظيفي خادم للأجندة الأميركية في المنطقة. خاصة أنّ وجهة النظر الأميركية في هذا الإطار تقول إنه إذا استمرّ التقارب «الإسرائيلي» التركي فإنّ ذلك سيُعيد بشكل أو بآخر رسم علاقات القوة في الشرق الأوسط، وسيكون له تأثير كبير على السياسة الإقليمية والأمن وقطاعات الطاقة.

من الجدير بالذكر، أنه في وقت سابق عندما توسّط الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لإصلاح العلاقة بين «إسرائيل» وتركيا، كان يخدم مصالح الولايات المتحدة أولاً، لكن في إطار آخر، كان يوفر أيضاً متنفّساً للمخاوف الاستراتيجية التركية و»الإسرائيلية»، ومظلة يتمّ التسلل من خلالها إلى عمق العالمين العربي والإسلامي، فالتقارب بين البلدين في شرق البحر الأبيض المتوسط يشي باستعادة تاريخ طويل من التعاون، ويغيّر مرة أخرى أنماط القوة ومعادلاتها في الشرق الأوسط.

وبالتالي المقاربة الأقرب إلى الواقع في ما يتعلق بمحدّدات التقارب التركي «الإسرائيلي»، تنطلق من مؤثرات أميركية خاصة، تتمحور في إطار أنّ واشنطن تبدي رغبتها بمغادرة المنطقة، لكن قبل مغادرتها لا بدّ من تحميل حلفائها جانباً كبيراً من أجندتها، بما يُبقي تأثير واشنطن المديد في المنطقة.

 ولكي يحدث ذلك، يجب على هؤلاء الحلفاء أن يكونوا على علاقة طيبة وأن يتعاونوا، حيث أنّ تركيا و»إسرائيل» وأميركا لديهم هواجس جمة من قضية الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، واحتواء المخاطر الناجمة عن الحرب في سورية، وبالتالي فإنّ التقارب «الإسرائيلي» التركي يساعد في كلّ ما سبق، من وجهة النظر الأميركية.

حقيقة الأمر وضمن ما سبق، يُمكننا القول بأنّ تركيا لديها نفوذ كبير على حماس، الأمر الذي يعني أنّ تركيا ستكون طرفاً أساسياً في إقناع حماس بتخفيف حدة سياساتها تجاه «إسرائيل»، وفي ما يتعلق بسورية فإنّ الهدف من التقارب ينطلق من فواعل تتعلق بالوضع السوري وتأثيراته والخوف من سيطرة إيران على سورية بحسب الرؤية الأميركية والمتوافقة مع الرؤيتين الإسرائيلية وضمناً التركية.

في جانب آخر، فإنّ التعاون التركي – «الإسرائيلي» يأتي في إطار كسر الجمود في قطاع الغاز البحري المهمّ في شرق البحر المتوسط. إذ تُبشّر اكتشافات الغاز قبالة شواطئ «إسرائيل» وقبرص ولبنان بتغيير توقّعات الطاقة بالنسبة إلى أوروبا.

بالنسبة إلى «إسرائيل» فقد تدهور وضعها الاستراتيجي في السنوات القليلة الماضية، لا سيما أنّ ما يسمّى الربيع العربي قد بدّل الكثير من المعطيات في المنطقة، وفي عمق جُزئيات هذا الربيع، فإنّ «إسرائيل» لم تتمكن من كسر الدولة السورية، وكذا تركيا، كلّ ما سبق يقودنا إلى نتيجة مفادها أنّ التقارب التركي «الإسرائيلي» يأتي كنوع من  افتعال الفرص ومحاولة فتح منافذ في الأبواب الإقليمية الموصدة أمام المشروعين «الإسرائيلي» والتركي.

هناك جزئية غاية في الأهمية تتمثل في إضرار تركيا للتوجه إلى «إسرائيل»، لتجديد أو لتفعيل علاقات الشراكة والتحالف المتأزمة منذ خمس سنوات، فـ بعد الاعتداء «الإسرائيلي» على السفينة التركية مرمرة، كان التوجه إلى العراق كمجال حيوي بديل للساحة السورية لفرض أمر واقع تركي في شمال العراق وعموم الساحة السورية، لكن الصدمة الكبرى كانت من موقف الحليف الأميركي الذي جاء متناسقاً مع الموقف الروسي الحازم ضدّ هذا التدخل. فإذا كانت روسيا قد عبّرت بقوة عن عدم شرعية دخول قوة عسكرية تركية إلى شمال العراق، فإنّ الولايات المتحدة لم تؤيد الحليف التركي تماماً كما فعلت بالنسبة لتهريب نفط داعش، وإذا كانت تركيا قد تردّدت في الاستجابة لاتصال جو بايدن ودعوة وزير الدفاع إلى سحب قواتها من العراق، فإنها اضطرت للتجاوب جزئياً مع دعوة صريحة بذلك من الرئيس الأميركي.

في المحصلة، الأهمّ في كلّ ما سبق من معطيات، أنّ التقارب التركي الإسرائيلي في شتى المجالات جاء نتيجة عمق التحوّلات العسكرية والسياسية التي تحدث بالنسبة للأزمة السورية، وانسداد فرص التمدّد العسكري والسياسي التركي شمال سورية، ما يعني أنّ إحدى أهمّ مُحدّدات التقارب التركي «الإسرائيلي»، تتمثل في رؤية أردوغان حيال العودة إلى «إسرائيل»، على اعتبارها القاعدة الثابتة التي يجدها عند الضرورة والمفتوحة له دائماً بدافع من الفشل السياسي التركي في سورية والعراق، فإنه يتجه أيضاً نحو هذا الحليف «الإسرائيلي» الدائم بدافع من الهروب من الحصار والتضييق الروسي على تركيا في قاعدتها الخلفية، في إقليم قزوين وخاصة مع أرمينيا، حيث تتجه روسيا إلى إنشاء نظام إقليمي موحّد للدفاع الجوي بين البلدين في منطقة القوقاز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى