مقالات وآراء

ترامب وحيداً يواجه لعنة السلطة

} د. فؤاد خشيش

يواجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عائلة منقسمة على نفسها وأصدقاء يطالبونه بالتسليم بنتائج الانتخابات التي فاز بها المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن.

يواجه المجتمع الأميركي في هذه المرحلة المضطربة من الحياة السياسية الداخلية أجواءً تتشابه بدرجة كبيرة مع تلك التي حصلت في خلال الفترة من يونيو/ حزيران وحتى أغسطس/ آب 1974، حين اضطر الرئيس الأميركي ريتشاد نيكسون إلى الاستقالة بعد فضيحة «ووترغيت» الشهيرة التي وضعته أمام خيارين أحلاهما مرّ.

التهم التي واجهها نيكسون آنذاك (إعاقة العدالة وإساءة استخدام سلطاته الرئاسية وعدم الامتثال للاستدعاءات القضائية) تتقاطع بشكل أو بآخر مع تلك التي من المتوقع أن توجه للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بعد تورّطه في تحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكونغرس في مشهد صدم الجميع، مؤيدين ومعارضين.

وبينما كان الرئيس المهزوم يمنّي نفسه بولاية جديدة، إذ به يواجه مصيراً مجهولاً، في ظل جمع الأضداد على طيّ صفحته من السجل الأميركي، لما عانته أميركا من هزات عنيفة بفعل السياسات الرعناء التي اتبعها، وتركت أسوأ الأثر على الداخل والخارج الأميركي (العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وروسيا وخروج من معاهدات ومواثيق دولية متعددة ومؤسسات دولية…)

وفي تقرير لمجلة «بوليتكو» أشار الى أنّ الرئيس الأميركي ترامب قضى وقته منذ إعلان بايدن النصر في الانتخابات في مناخ منعزل، حيث رفض دعوات عائلته للتسليم بالنتائج، ورفض كلّ الانتقادات من أيّ زاوية في واشنطن، وراقب أتباعه على موجات الأثير الذين طالما تغنّوا بصموده وقد تغيّرت نبرتهم.

واضاف التقرير: أنّ عالم ترامب ما بعد الانتخابات الممزق، هو نفسه العالم الذي رافقه طوال أربعة أعوام من الحكم، وبهذه الطريقة تمّ التوصل إلى القرارات من خلال الآراء المتنافسة والقوى التي حاولت الدفع بأجندتها ليقوم ترامب باتخاذ القرار الذي يناسبه».

 انّ الولايات المتحدة الأميركية تمرّ بأزمة في النظام ذاته، وأحد عناصر هذه الأزمة أنّ قمة المجتمع لم تعد قادرة على حكم البلاد باستخدام نفس الأساليب، فلم تعد تلك الأساليب تعمل، بحسب المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف وأشار الى انه «لا مفرّ من اندلاع صدامات وأعمال شغب جديدة في الولايات المتحدة الأميركية».

يواجه ترامب، الذي أغلق موقع تويتر حسابه الشخصي ونبذه عدد من المسؤولين الجمهوريين وعلى الرغم من أنه لم يتبقّ له في منصبه سوى أيام معدودة، إلا أنّ تطورات الأحداث تشير إلى أنه قد يتمّ عزله قبل الـ 20 من الشهر الحالي، الموعد المقرر لتسليم السلطة للديمقراطي جو بايدن.

وهدّدت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، بمساءلة ترامب للمرة الثانية، ما لم يقدّم استقالته «على الفور»، وهي خطوة من المستبعد أن يقدم عليها الرئيس الذي يتسم سلوكه بالتحدي والمواجهة. وقالت بيلوسي إنّ ترامب «ارتكب أمراً خطيراً للغاية يستوجب مقاضاته».

وقال مصدر مطلع إنّ زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ، ميتش مكونيل، بعث بمذكرة إلى رفاقه الجمهوريين بالمجلس تشير إلى أنّ أيّ محاكمة لترامب لن تبدأ حتى خروجه من السلطة. وتحتاج الإدانة في مجلس الشيوخ إلى موافقة الثلثين.

 لا بدّ من الإشارة الى انّ سياسة ترامب على مدار السنوات الأربعة الماضية قد أدّت إلى أن ينتهي به المطاف وحيداً، فعلى عكس العادة لن يحضر الرئيس المهزوم مراسم تنصيب الرئيس المنتخب، وفق ما أعلنه رسمياً، وذلك بعدما وجد نفسه منبوذاً حتى بين دائرته المقرّبة التي تضيق يوماً تلو الآخر.

انّ عدم حضور ترامب لحفل تنصيب بايدن رغم أنه الحدث الذي لم يتكرّر منذ 150 عاماً إلا أنه الرابع في تاريخ أميركا، وذلك بعد جون آدمز الذي لم يحضر مراسم تنصيب خلفه توماس جيفرسون 1801، وجون كوينسي آدمز (نجل جون أدمز) الذي لم يحضر مراسم تنصيب خلفه آندرو جاكسون عام 1829، ثم آندرو جونسون الذي رفض حضور مراسم تنصيب الرئيس يوليسيس غرانت عام 1869.

لقد توسعت عزلة ترامب أكثر بعد موجة الاستقالات التي شهدتها الدائرة المحيطة به، فبعد ساعات قليلة من واقعة الاعتداء على الكابيتول انسحب العشرات من المعسكر الجمهوري إلى الديمقراطي في التصويت على نتائج الانتخابات الرئاسية فيما لم يتبق مع ترامب إلا 6 أعضاء فقط.

وفي أحدث موجات العزلة استقال 4 مستشارين كبار في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، إيرين والش ومارك فاندروف وأنتوني روجيرو وروب غرينواي، بجانب العديد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب على رأسهم إيلين تشاو وزيرة النقل وزوجة ماكونيل ووزيرة التعليم بيتسي ديفوس. لقد برزت سيناريوات متعددة ومتباينة ترسم مصير ترامب المجهول خلال الأيام العشرة المتبقية في حكمه، الأول ما يميل له الديمقراطيون وكتلتهم النيابية المتعلق بتحريك المادة 25 من الدستور الخاصة بعزل الرئيس بعد موافقة ثلثي البرلمان (الشيوخ والنواب).

رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أشارت إلى أنّ المجلس بدأ بالفعل في اتخاذ إجراءات محاكمة ترامب تمهيداً للإطاحة به، مناشدة نائب الرئيس والحكومة من أجل الإسراع بهذه الخطوة، مضيفة «علينا أن نفعل كلّ ما في وسعنا لحماية الشعب من هجوم ترامب غير المتوازن على بلادنا وديمقراطيتنا».

غير أنّ هذا السيناريو يقابله العديد من التحديات، أبرزها ضيق الوقت، بجانب عدم رغبة شريحة كبيرة من الجمهوريين الوصول إلى هذه المرحلة المخزية، عزل ترامب، لما لذلك من تداعيات سلبية على مستقبل الحزب وصورته في الداخل والخارج.

السيناريو الثاني ذهب إليه وزير الخارجية الأسبق كولن باول، الذي تمنّى أن يحذو ترامب حذو نيكسون ويستقيل من منصبه، لافتاً في مقابلة له مع شبكة «إن بي سي» (NBC) إلى أن على أحدهم أن يتوجه إلى ترامب ويخبره بأنّ الأمر قد انتهى وأنّ الطائرة تنتظره في الخارج.

أما السيناريو الثالث فهو الانتظار حتى انتهاء ولاية ترامب رسمياً وتسليم السلطة لبادين في 20 من يناير/ كانون الثاني الحاليّ، مع تضييق الخناق على الرئيس المهزوم لئلا يواصل مساعيه التحريضية مرة أخرى، وهو ما بدأت إرهاصاته بالفعل عقب غلق شركتي تويتر وفيسبوك حسابات ترامب الشخصية من على مواقع التواصل الاجتماعي، في خطوة سيكون لها تأثيرها الكبير على تقليم أظافره.

وهكذا يواجه ترامب السيناريو الأسوأ في تاريخه، البعيد عن خيالات حتى أكثر المتشائمين، أنّ أميركا بعد 6 من يناير/ كانون الثاني 2021 لن تكون كما قبله، فما فعله الرئيس المغرور سيكون نقطة فاصلة بين تاريخين ومرحلتين فاصلتين في مسيرة البلاد.

 لقد تلقى ترامب، منذ إعلان فوز بايدن سيل من النصائح المتضاربة حول كيفية قضاء الأسابيع الأخيرة في المكتب البيضاوي، شجعه بعض المقرّبين منه على محاربة نتائج الانتخابات حتى النهاية، بينما يصرّ آخرون ولو سراً على تجنب الصدامات لحماية إرثه.

حدث انقسام داخل عائلة الرئيس الأميركي، وفقاً لشخصين مطلعين على المناقشات والمحادثات فإنّ ميلانيا ترامب، زوجة ترامب، وصهره ومستشاره جاريد كوشنر يضغطان من أجل إقناعه بالتنازل عن السلطة، ويضغطان من أجل العثور عن استراتيجية مناسبة تليق به للرحيل من البيت الأبيض، غير أنّ نجليه إريك ودونالد ترامب جونيور يصرّان على مواصلة المعارك القانونية والطعن في النتائج. ويرى جوناثان تيرلي، البروفسور في جامعة جورج واشنطن وعمل كشاهد جمهوري خلال محاكمة الرئيس، في مقابلة مع فوكس نيوز، أنّ فريق الرئيس يحاولون صيد الفيلة باستخدام ديرنجر» (سلاح صغير لا هو مسدس أو مسدس شبه أتوماتيكي)، وهم يبحثون عن أدلة تزوير في مراكز عد الأصوات. وقال: «نريد شيئاً من عيار ثقيل، لو أردت تقويض نتائج الانتخابات وتأكيدها، ولهذا فنحن بانتظار الأدلة».

لقد أدان ترامب الهجوم الشنيع على مبنى الكابيتول من قبل مؤيديه ودعا إلى المصالحة وتضميد الجروح بحسب وصفه.

وقال في تغريدة له على تويتر بعد فتح حسابه الذي أغلق لفترة وجيزة «مثل كلّ الأميركيين، أشعر بالغضب من العنف وانعدام القانون والفوضى». وأضاف ترامب أنّ التركيز يتجه إلى ضمان الانتقال المنظّم والسّلس للسلطة معترفاً بافتتاح الإدارة الجديدة في 20 كانون الثاني/ يناير.( لقد غاب عن باله من دعا الى النزول الى الشارع؟)

يحارب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحيداً في معركة البقاء في السلطة لكن دون جدوى. انه السقوط المدوّي لرجل تمسك بالسلطة ومارس المواقف متناقضة وضاع في الأحلام والمتاهات.. هل سيبقى لترامب «من يراسله؟»

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى