مقالات وآراء

الإقفال التام…
بين الضرورة والتداعيات

} د. كلود عطية*

بعيداً عن المشاهد الإعلامية والتواصلية التي حوّلت الإقفال العام إلى أفلام سينمائية هزلية قصيرة يتمّ تناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان لا بدّ من مقاربة هذا الإقفال بطريقة علمية موضوعية تلامس ارتفاع أرقام المدمنين على الكحول مثلاً والمخدرات، والعنف ضدّ المرأة.

قد يفكر أصحاب الأعمال الذين قد يتكبّدون خسائر في شركاتهم وأموالهم وأعمالهم المتوقفة نتيجة الحجر الصحّي على الموظفينإلا أنّ التفكير هنا، قد يكون أكثر موضوعية حين يطال الفقراء والمعوزين والمياومين، أصحاب المحلات الصغيرة أو بائعي القهوة. ففي ألمانيا ينطبق على هذه الفئة قانون مكافحة الأمراض المعدية، إذ تلتزم مصلحة الضرائب الألمانية بتعويضهم بمبالغ يتمّ حسابها وفقاً للدخل في آخر العام.. أما في لبنان فلا تلتزم مصلحة الضرائب إلا بمصالح الدولة على حساب الشعب

قد تتصاعد أرقام الموت بفيروس كورونا، لكن حجم المأساة بسبب الإقفال والحجر المنزلي قد يفوق الأرقام والأخبار، فمأساة ذوي الاحتياجات الخاصة قد تكون أقسى من أية حالة أخرىبالإضافة الى مأساة المسنّين، وخوفهم ليس من الموت فحسب، بل من تردّي أوضاع الأبناء وانعدام دخلهم، وما يخلفه هذا الأمر من سلبيات.

قد يجوز في الإقفال والحجر المنزلي نظريات ومفاهيم مختلفة، تشير إلى حالات من الانسجام والتكافل والتكامل والتضامنوهي حالات مؤكدة، إلا أننا لسنا بصدد التوقّف عند السلبيات والإيجابيات. بل نحن أمام كارثة مجتمعية أسرية أخلاقية إنسانية، كان لا بدّ من التوقف عندها، ومن التوجه إلى الجهات المختصة لأخذ العلم والخبر،  أننا أمام إشكالية قد تساهم في إيجاد مشاكل اجتماعية جديدة مستجدة.. وبالتالي كان لا بدّ من مقاربة سوسيولوجية لموضوع الإقفال والحجر المنزلي بعيداً عن كلّ المقاربات الأخرى.. لأنّ المشكلات التي فرضتها الجائحة ستنعكس بشكل مباشر على كلّ أفراد المجتمع بشكل عام، وعلى حالات سبق ذكرها بشكل خاص.. وبالتالي لا بدّ من إلقاء الضوء على الصورة المجتمعية الحقيقية التي اخترقها الفايروس وسبب فيها مشكلات أخطر من المشكلات الصحية.. وبالتالي هناك آلاف العائلات المحجورة وهي تحت خط الفقر وتعيش بقيمة دولارين في اليوم، ومئات العائلات التي تعاني قبل الجائحة من مشاكل اقتصادية واجتماعية وعائلية.

بناء عليه، لا بدّ من الاستنتاج أنّ عواقب الاقفال والحجر المنزلي ستكون كارثية ومدمّرة.. على الرغم من ضرورته وأهميته لحماية الناس من خطر الإصابة بالفايروس.. ولكن أن تقفل الباب على الجائعين دون أن تطعمهم، فأنت تقودهم إلى الهلاك.. وبالتالي مقاربة الإقفال والحجر في بلد كلبنان يستحقّ التحليل والبحث والتقصي.. لأنه وفي ظل ّغياب الدولة ومؤسّساتها الرعائية وسياساتها الاجتماعية والاقتصادية، لا بدّ أن يكون الإقفال التام طريقاً سهلاً لتفاقم المشكلات.

*عميد التنمية الإدارية في الحزب السوري القومي الاجتماعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى