الوطن

الملف النوويّ الإيرانيّ مادة الصراع الأساسيّ في الشرق الأوسط؟

 

} د. وفيق إبراهيم

الأميركيّون في مرحلة الرئيس بايدن لا يريدون تشتيت جهودهم على قضايا فرعيّة تتصل بشكل او بآخر بالملف النووي.

لذلك بات واضحاً بالنسبة اليهم ان الصراعات على اليمن والبحرين ولبنان وسورية وبلدان أخرى إنما هي تعبير عن الصراع على الملف النووي بالإمكان اختزاله في كل هذه القضايا، وهذا يعني حكماً التركيز على إيران بملفها النووي وتطورها السياسي والداخلي لتطويقها ومنعها من تركيز نفوذها في منطقة واسعة؟

لماذا هذا التطور الأميركي؟ يعتقد المحللون ان الصراع الدولي المقبل يتركز على محاولات روسيا والصين وإيران لبناء قوة ثلاثيّة تنال من الأحادية الأميركية فتحطمها او تشاركها في النفوذ القطبي وقد تدمر لها هالتها الأحادية وترثها على اساس ان الصين قادرة على أداء دور أحادي بأهمياتها الاقتصادية المتنوعة، فتصبح بالاتفاق مع شريكتها المحتملة روسيا قوة اقتصادية روسية بإمكانها الإمساك الفعلي بالأرض اقتصادياً واجتماعياً وأهميات عسكرية وجيوبوليتيكية.

فهل هذا ممكن؟

المشروع الأميركي يلحظ هذه الأمور مجتمعة، لكنه غير قابل للنجاح الا بموافقة الأطراف المنافسة مع استعداد إيراني للقبول بذلك، لذلك فإن الصين وروسيا ليستا على استعداد للانخراط في مشروع كهذا تعرفان سلفاً انه يهدف الى خدمة المشروع الأميركي أو لا يخدمه على الاقل.

كما ان إيران لا تمضي بعيداً في تضخيم قوتها النووية لأنها تعرف مدى استعداد الأميركيين للاستفادة من كل خطواتها والاستثمار منها في نزاعاتها العالمية.

الموضوع الإيراني اذاً ليس للاستثمار الأميركي في السعودية والبحرين ولبنان وسورية او أي مكان آخر، انه أميركياً مشروع لتوريط روسيا والصين في صراعات دولية والاستفادة منهما على مستوى مركزي يتعلق بإيران ودوريهما الهامين في العالم.

ما هي مهمات المشروع الأميركي؟

المهمة الأولى لهذا المشروع هي أنه يريد المحافظة على الاحادية القطبية الأميركية في العالم عبر تقليص الانتفاخ الصينيالروسي وتقليص السعي الصيني الى الدور الإقليمي الكبير عبر صداقات إيران الايدولوجية والسياسية مع الكثير من الحركات والمشاريع في الشرق الأوسط.

هنا يجب الإقرار أن إيران مشروع نووي وعلاقات عميقة بكتل وازنة من شعوب الشرق الاوسط، منها على أساس ايديولوجي وبعضها على اساس سياسي، لكن يجب الإقرار ان إيران اهم بلد في المدى الذي يربط بين افغانستان ولبنان، كما حاولت بناء علاقات مع فنزويلا في أميركا الجنوبية، هي في طريقها الى النجاح.

هذا عن إيران ماذا عن الصين وروسيا؟

الصين متردّدة في اقامة علاقات مفتوحة مع إيران، لكنها تؤيدها وتعرف أنها تؤدي الى فتح خط اقتصادي عملاق نحو روسيا والشرق الاوسط له عمق يتعلق بتدفق إمكانات غاز ونفط لا تنضب.

أما روسيا فأكثر خبرة في المنطقة من الصين وتركز على التحالف مع بكين قبل المجيء اليها لأنها تعرف أن الاجتماع مع بكين شكل قوة هائلة تجتاح منطقة الشرق الأوسط بإمكانات اقتصادية هائلة واسلحة لا تنضب، فمن أراد سلاحاً فموسكو مستعدّة للتزويد به ومن أراد سلعاً اقتصادية فإن الصين لديها إمكانات هائلة جبارة لها قدرة على المنافسة في ظل كل الظروف. فالصين قادرة على ابتلاع الاقتصادات المحليّة وربما استيعابها بطرق ايجابية عبر تسويقها الى جانب تجار السلع الصينية او استهلاكها في بضعة أحياء صينيّة جاهزة لأداء الدور بتمويل من دولة بكين.

ماذا عن إيران؟ هل تقبل أن تكون مادة روسية صينية لإلحاق هزيمة بالأميركيين؟

الإيرانيون موافقون على هزيمة الأميركيين الذين يشكلون مادة تهديد أساسية لهم، لكنهم يعرفون بعمق أن نزاعهم معهم في الشرق الاوسط مستمر لعوامل جغرافية وسياسية، فإيران هي التي تجاور السعودية والإمارات والكويت والعراق وسورية ولبنان ولا يمكنها تركهم وهي التي ترعى حزب الله الذي بنى أكبر قوة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط.

لذلك فإن الحلف الروسيّ الصينيّ الإيرانيّ محدود الدور وقد يقتصر على مجابهة الأميركيين إنما من دون أي قبول بالسيطرة على الدور الإيراني الذي يجد نفسه مضطراً للاستمرار بدعم سورية في شرق الفرات وحزب الله في لبنان والمقاومة البحرينيّة والفلسطينية وأمكنة أخرى متنوّعة.

المسألة هنا تتعلق بالسؤال التالي: هل تقبل إيران بالتحوّل دولة ثانوية الى جانب بكين وموسكو في صراع مع الأميركيين؟

لن تقبل أبداً لأسباب عدة أولها ان إيران هي الدولة الأكبر والأهم في الشرق الاوسط سكاناً وغازاً ونفطاً ولديها تحالفات تمتد من عمق أفريقيا حتى لبنان، وهي تبني نفسها بعد حصار أميركي مستمر منذ خمسة أعوام أميركية وعشرات الأعوام الأوروبية وهو بناء يشمل الداخل بصناعة سلع وبضائع متنوّعة وصولاً الى كل انواع الاسلحة.

اي انها مشروع دولة شرق أوسطية وازنة لديها القدرة على التفوق على تركيا و»إسرائيل».

المشكلة أن أميركا لا تسمح لها بهذا التطور وقد لا تعاونها روسيا ولا الصين لأن هذا الأمر يخرج طهران من دائرة السيطرة وقد يدفع بها نحو التمرد عليهما وبناء منظومة شرق اوسطية اقوى من النفوذين الروسي والصيني، فهل يتم التحالف الثلاثي؟

إنه قيد الدرس لكن التطورات السياسية قد تلجمه لمدة معينة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى