أولى

الاتفاق الاستراتيجيّ بين الصين وإيران… وتداعياته

 د. جمال زهران*

 يوم السبت الموافق 27 مارس/ آذار 2021، وفي العاصمة طهران، تمّ توقيع اتفاق طويل الأمد بين الصين وإيران، عُرف بأنه الاتفاق الاستراتيجيّ الممتدّ لربع قرن (25 سنة) آتٍ، وبتداعيات دولية وإقليمية بلا حدود. ولا شك في أنه الاتفاق الذي لم يكن في الإدراك دولياً وإقليمياً أن يتم توقيعه على هذا النحو وبتلك السرعة وبهذا الحجم وتلك المدة الزمنيّة، وفي هذا التوقيت، وهو ما يمكن أن نقول إن الاتفاق كان بمثابة زلزال دولي بلا شك، وإقليمياً بلا حدود، وتكشف الأيام المقبلة عن ذلك.

فما هو مضمون هذا الاتفاق وتداعياته؟

لقد بدأ الاتفاق، بالإشارة إلى أنه اتفاق بين دول تمثل حضارات آسيوية، وتكرّر ذلك كثيراً خلال الاتفاق مما يوحي إلى أن الاتفاق يستحضر الحضارة الآسيوية وثقافة شعوبها، والإصرار على التقارب الاستراتيجيّ، في مواجهة ثقافات ناشئة لم تصل بعد إلى الحضارة، في إشارة ضمنيّة إلى ثقافة «الكاوبوي» الأميركيّة التي لم يتجاوز عمرها (250) سنة، بينما حضارة كل من الصين وإيران، تمتد لآلاف السنين في عُمر البشرية منذ بدء الخلق.

كما أن الاتفاق يتضمّن التعاون الكامل في المجالات الاقتصادية والاستراتيجية والثقافية كافة، بإجمالي ما بين (450 – 600) مليار دولار، وهو بمثابة أكبر الصفقات الاقتصاديّة في العصر الحديث بين دولتين (أكثر من نصف تريليون دولار تقريباً).

كما أن الاتفاق يمتدّ إلى خمسة وعشرين عاماً مقبلاً، ووقعه كلّ من وزيري خارجية الصين (وانغ يي)، وإيران (محمد جواد ظريف)، في العاصمة الإيرانيّة (طهران)، يشمل كافة الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية. وحسبما نشر في أكثر من مجلة اقتصادية كبرى، فإن الاتفاق يتسم بالحجم الهائل للاستثمارات المتبادلة. حيث إن الصين ستستثمر في صناعة النفط والغاز الإيرانية، نحو (280) مليار دولار، إضافة إلى استثمار (120) مليار دولار في قطاع النقل وبناء المطارات والموانئ، بالإضافة إلى أموال أخرى في مجالات عديدة لم يتمّ الكشف عنها أو الإفصاح بها.

وفي المقابل ستلتزم إيران بضخ البترول والغاز للصين، مما يضمن ولربع قرن مقبل استمرار النهضة الصينية من دون تعرض لضغوط غربية، أو أيّ تهديد بوقف الطاقة عن الصين.

إذن نحن أمام اتفاق استراتيجي شامل وواسع وضخم، وهو اتفاق غير مسبوق بين دولتين إحداهما كبرى عالمياً (الصين)، وأخرى إقليمية بارزة (إيران). ولم يكن هذا الاتفاق وليد اللحظة أو ردّ فعل للأحداث التي يمرّ بها النظام الدولي أو الإقليمي. بل هو حصيلة حوار وتفاعل امتد لعشرين سنة سابقة.

والإشارة الأولى كانت في أثناء زيارة الرئيس الصيني وللمرة الأولى بعد اندلاع الثورة الإيرانية عام (1979)، لطهران في عام 2002. حيث عرض السيد/ علي الخامئني (مرشد الثورة الإيرانيّة)، عليه اقتراحاً بعقد اتفاق استراتيجي بين البلدين، إلا أن الرئيس الصيني أشار بعدم جاهزيّة الصين لعقد مثل هذا الاتفاق وطلب تأجيله وخضوع الأمر للدراسة. وتجدّد الأمر عند زيارة الرئيس الصيني مرة أخرى في عام 2016 (أيّ بعد 14 عاماً)، حيث أصبح النظام الدولي مختلفاً والواقع الإقليمي مناسباً بعد توقيع الاتفاق النووي في يوليو 2015. وتمّت الموافقة على البدء في خطوات عقد الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين، وكان من نتاج الزيارة الثانية للرئيس الصيني، هو صدور بيان مشترك بين رئيسي البلدين الصيني والإيراني (بينغ – روحاني)، تضمن:

« أن البلدين قد اتفقا على إجراء مفاوضات لعقد اتفاق تعاون موسع لمدة 25 سنة»، وذلك في إشارة إلى قرب عقد الاتفاق الاستراتيجي. وهو ما حدث يوم 27 مارس/ آذار الماضي، حيث تم توقيع الاتفاق الاستراتيجي. الأمر الذي يؤكد أنه اتفاق استغرق نحو (20) سنة لإعداده، ولذلك سيكون له من التداعيات الكثير على المستويات الدولية والإقليمية كافة.

ومن تداعيات هذا الاتفاق الاستراتيجي بين بكين وطهران، ما يلي:

1 ـ تعزيز مكانة إيران، وإتاحة مساحة كبيرة لحرية حركتها ومناوراتها في مواجهة أميركا بعد تولي بايدن رئاسة أميركا، وتأجيله الرجوع إلى الاتفاقية النووية عام 2015، والتي سبق أن أوقف العمل بها الرئيس السابق ترامب.

2 ـ فك الحصار وتفكيك العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، ولا تزال قائمة في عهد بايدن، وذلك بإتاحة بيع إيران لبترولها وغازها إلى الصين وضمان ذلك لربع قرن مقبل.

3 ـ انفراجة اقتصادية كبيرة على إيران، الأمر الذي يدعم صمودها، وصمود محور المقاومة ضد المشروع الصهيو/ أميركي، والذي تدعمه إيران بكل قوة.

4 ـ إتاحة الفرصة للصين للانتشار في الإقليم، تمهيداً وبالتنسيق مع روسيا، للانتشار في المنطقة العربية في العراق وسورية ولبنان على وجه الخصوص.

5 ـ التوجّه نحو الشرق، بديلاً عن الغرب، أو بالتوازن بينهما، سيكون خيار الحاضر والمستقبل لدول الإقليم، الأمر الذي يعني تراجعاً في الوجود الأميركي بالإقليم وانحسار المشروع الصهيو/ أميركي، بل وهزيمة الكيان الصهيوني المسمّى بـ «إسرائيل».

6 ـ استبعاد خيار الحرب ضدّ إيران، سواء بفعل الولايات المتحدة ذاتها، أو بالوكالة عنها من خلال عدوان صهيوني وبالتنسيق مع دول الخليج وخاصة السعودية، التي من المحتمل أن تتجه شرقاً هي الأخرى!

وختاماً يمكن القول إنّ هذا الاتفاق الاستراتيجي بين الصين وإيران، والذي استغرق الإعداد له (20) عاماً، يمكن أن يكون مقدمة لتحولات استراتيجية في العالم بل وفي الإقليم، سنراها قريباً وبسرعة غير مسبوقة، وربما تتجاوز فارق التوقيت بين الصين والإقليم جغرافياً وسياسياً، وغداً سنرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى