أولى

حقل المراقبة الإلكترونيّ في الجنوب: لماذا تتجاوز «اليونيفيل» مهامها؟

 العميد د. أمين محمد حطيط*

في العام 2006 ومباشرة بعد صدور القرار 1701 واستقدام تعزيزات لقوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في الجنوب منذ العام 1978 (يونيفيلUNIFIL ) تاريخ الاجتياح «الإسرائيلي» الأول واحتلال مساحة من الأرض اللبنانية أسمتها «إسرائيل» «الحزام الأمني» عملاً بالتسميات المعتمدة من خلال نظرياتها العسكرية، في ذاك العام 2006 انتشرت في الجنوب وبشكل أساسيّ قوات من الحلف الأطلسي وبشكل خاص من الجيوش الفرنسيّة والإسبانيّة وتولّت مهماتها بشكل يثير الريبة ويعظّم الهواجس من دور تلك القوات في لبنان.

ففي حين جاء نص القرار 1701 محدّداً مهمة «اليونيفيل» المعززة وخلافاً لما شاءت أميركا و»إسرائيل» والمجموعة الغربية الأطلسية، التي رمت إلى صدور القرار تحت الفصل السابع وتغيير مهمة «اليونيفيل» في الجنوب وجعلها قوات متعدّدة الجنسيات تقوم بمهام عملانية استقلالاً عن الجيش اللبناني لا بل تتولى المهمة هي منفردة في بقع عمليات مخصّصة لها من دون أن يشاركها فيها أحد بما في ذلك الجيش اللبناني، الأمر الذي رفضته المقاومة المنتصرة في الحرب، فقد جاء النص بشكل ينيط مهمة حفظ الأمن في كامل المنطقة جنوبي الليطاني بالجيش اللبناني باعتباره المسؤول والمرجعية الأساسية، أما «اليونيفيل» فقد حدّدت وظيفتها الأساسية بمساندة الجيش في مهامه من دون أن يكون لها عمل مستقلّ عنه لا بل هي ملزمة بالإبلاغ مسبقاً عن أيّ تحرّك تقوم به باعتبارها قوات مساندة وليست قوات عمل رئيسيّ.

بيد أنّ القوات الأطلسيّة خاصة التي ذكرت أعلاه (فرنسي إسباني) ورغم النص الصريح في القرار 1701 تصرفت كما لو أنها قوات متعددة الجنسيات وتجاوزت مهامها في الإسناد وخرجت في الميدان عن حدود بقع العمليات المحدّدة لها فوصلت الفرنسية إلى صور ووصلت الإسبانية إلى شمال الليطاني عند زوطر الغربية، ما أثار احتجاج الأهالي والجيش اللبناني واستدعى يومها تحرّكاً نخبوياً لبنانياً صاغ مذكرة احتجاجية إلى الأمين العام للأمم المتحدة يستنكر فيها تجاوزات قواتها في لبنان ويطالب بوقفها. (أذكر أنني اجتمعت يومها بالضابط المسؤول في الكتيبة الإسبانية وسألته كيف تتصرّفون هكذا؟ ولماذا لا تطلون آلياتكم باللون الأبيض؟ فقال لي «نحن تدرّبنا منذ أشهر على تنفيذ المهمة في إطار الفصل السابع وضمن متعدّدة جنسيات ولم نبلّغ عن أيّ تغيير».

أمام الضغط اللبناني المثلث المصادر الرسمي والعسكري والشعبي، اضطرت «اليونيفيل» إلى الانكفاء والتقيّد بمنطوق القرار 1701 من دون تجاوز، لكن أميركا والأطلسيين أضمروا أمراً آخر هو تعديل القرار ليتناسب مع ما تريد «إسرائيل» إناطته بـ «اليونيفيل» من مهام، ونشأت منذ 15 سنة مقولة «الضغط الأميركي للتعديل» في كلّ سنة ينظر مجلس الأمن بالتجديد لقوات «اليونيفيل» في لبنان وحتى الآن، ورغم كلّ الضغوط والحصار الذي تمارسه أميركا على لبنان وبشكل خانق، لم تستطع فرض التعديل وبقيت حتى اللحظة مهمة «اليونيفيل» في الجنوب مهمة مساندة للجيش اللبناني.

لكن «اليونيفيل» ومستغلة الوضع اللبناني الرسميّ المهترئ وما يعانيه من فراغ سياسي وانهيار اقتصادي ونقدي (وفقاً لخطة بومبيو الأميركي 2019 التي وُضعت للإطاحة بلبنان) انطلقت أيّ «اليونيفيل» مستغلة هذا الوضع السيّئ لتنفيذ عمل يتكامل مع مقتضيات الخطط «الإسرائيلية» في الجنوب عبر إنشاء حقل مراقبة الكتروني على قطاع يمتدّ على طول الحدود مع فلسطين المحتلة وبعمق يتراوح بين 5 و7 كلم إلى حقل مراقبة متطوّرة تعتمد الأشعة تحت الحمراء والأجهزة الحرارية ورادارات التحسّس ضدّ الأشخاص بحيث تصبح أيّ حركة في ذاك القطاع مراقبة ومسجلة وموثقة وتكون منظومة المراقبة برمّتها مرتبطة بمنظومة المراقبة «الإسرائيلية» ومتكاملة معها بحيث تغطي كلّ الزوايا الثانوية في القطاع التي تعجز المنظومة «الإسرائيلية» عن مراقبتها بسبب الطيات والتعرّجات والطبيعة الجغرافية للمنطقة.

تدّعي «اليونيفيل» أنّ منظومة المراقبة التي هي بصدد إنشائها، هي من أجل حماية قواتها وعناصرها، وهو قول مردود غير مقبول لسببين، الأول أنّ أحداً لم يستهدف «اليونيفيل» المعزّزة منذ العام 2006 سوى احتجاجات الأهالي عند الاقتضاء على تجاوز «اليونيفيل» مهامها، وهذه ليست بحاجة إلى تلك المنظومة الفائقة التطوّر والواسعة الانتشار والمتقنة التنظيم، ثانياً أنّ معظم ما تغطيه منظومة المراقبة تلك ليس مكاناً أو محلاً لتحرك «اليونيفيل» خاصة الأودية والأحراج ومجاري السواقي والجداول المائية.

ومن جهة أخرى أنّ فكرة إنشاء منظومة المراقبة المتطورة والتي تشمل كاميرات عالية التقنية، من غير موافقة أو تنسيق مع الجيش اللبناني ثم تنفيذها استقلالاً عنه وعن الدولة اللبنانية والجيش يشكل تجاوزاً للقرار 1701 ويخرج «اليونيفيل» من دائرة شرعية الوجود، ويضعها في مواجهة لبنان شعباً وحكومة وجيشاً بدل أن تكون إلى جانب لبنان. وأنّ هذا التصرف يشكل انتهاكاً للسيادة اللبنانية ويفسّر بأنه تعديل ميداني واقعي للقرار 1701 التعديل الذي عجزت أميركا عن تمريره في مجلس الأمن فجاءت «اليونيفيل» إلى الميدان لتنفذ جزءاً منه ويكون تنفيذ الباقي قيد التحضير في حال النجاح في التعديل الأوّلي هذا. ولذلك نحذر من التهاون أو السكوت على تجاوزات «اليونيفيل» التي تبدأ ببرج مراقبة وتنتهي بقوات احتلال دوليّة تطيح بجزء آخر من مكتسبات انتصار لبنان في العام 2006. وعليه نرى أن يبادر لبنان وعلى المسارين العسكري والدبلوماسي بما يلي:

1 ـ منع «اليونيفيل» من قبل الجيش من استكمال مشروع حقل المراقبة الإلكتروني عبر قيام الجيش بإبلاغهم رفضه المشروع وقيام دوريات الجيش بمنع التنفيذ، ما يريح الأهالي ويوفر عليهم المواجهة مع قوات «اليونيفيل».

2 ـ توجيه لبنان عبر وزارة الخارجية رسالة إلى الأمم المتحدة تبلغها رفض لبنان أيّ تصرف ميداني خارج منطوق القرار 1701 والتأكيد على أنّ مهمة «اليونيفيل» هي مهمة مساندة للجيش ليس أكثر.

3 ـ طمأنة الأهالي من قبل الدولة بأنّ الأخيرة ساهرة على الوضع ولن تسمح بارتكاب التجاوزات للقرار 1701 ولا يجوز أن تبقى الدولة متفرّجة على الانتهاك والأهالي يقاومون بصدورهم العارية.

*أستاذ جامعي – خبير استراتيجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى