أخيرة

الأخلاق ميزان العدل والرحمة والعلاج النفسيّ

} سارة السهيل

ما نعيشه من تداعيات كارثة كورونا بآلامها وصعوباتها ومخاضات خوفنا على أنفسنا وأحبّتنا، لم يغيّر في نظرتنا لواقعنا، وللآخرين إلا «ما رحم ربي» مع أنّ هذا الوباء اللعين، يجب أن يحفّزنا، أقله لمراجعة ولو القليل من سلوكنا اليومي القيمي والأخلاقي والاجتماعي، باعتبار انّ الجميع الشركاء في الإنسانية، في مركب حياة واحد، لا فرق فيه بين غنيّ وفقير، متعلم أو أمي، ولأنّ أيّ عطل أو خطأ أو سوء تقدير من أيّ كان على هذا المركب سيؤدّي حتماً الى غرق المركب ومَن عليه، إذا لم نتراحم ونرفع من إنسانيتنا، ونفهم بعضنا بعضاً ونتسامح ونلتمس من بعضنا البعض سبعين عذراً.

هذه هي أخلاق وسماحة كلّ الأديان السماوية التي حضّت على التراحم وحفظ الكرامات، وصون الحقوق ومنع الأذى والإهانات أو التجريح.

السؤال الكبير الذي يفرض نفسه أمام واقعنا المأساوي والمزري، أين نحن من هذه الأخلاق؟! الإجابة واضحة وساطعة، وهي تتمظهر من خلال وسائل التواصل «الإعلامي»، ويستشعرها أصحاب القلوب البيضاء من «مرارة الحلق» عندما يقع ظلم، أيّ ظلم على إنسان ضعيف، أو يتعرّض أحد ما للإهانة والنقد والتجريح والقهر دونما ذنب اقترفه. ومرجع هذا الظلم كله هو الشعور المتضخم لدى الكثيرين بـ «الأنا»، وأنهم أعلى مكانة، أو أكثر قدرة، أو سطوة اجتماعيّة أو فكرية، تتيح لهم تجريح الآخرين بسهولة ودون وجع ضمير.

هذا السلوك «الإعلامي» وتحديداً عبر «فيديوات» منفلشة من دون ضوابط أو رقابة، تعكس واقعنا المرير وحياتنا اليومية من خلال تتبّع سلوك الناس الذين لا يرحمون غيرهم ولا أنفسهم، وهم يدركون ضمناً، أنّ مَن لا يرحم لن يُرحَم، والأمثلة كثيرة، فسائق التاكسي، على سبيل المثال لا الحصر، يطالب بأجره وفق حساب «العداد» بينما الراكب يرفض إعطاءه كامل حقه وينتقصه مع كيل من السباب والشتائم، بل وتهديده بطلب شرطة المرور، ولما طال به الوقوف عله يحصل حقه، جاءه رجل المرور ليحرّر له مخالفة، مع أنّ سائق التاكسي فقير ومغلوب على أمره، ولا يدري ماذا يفعل.

المثال الثاني، لبائع بيض ينادي لتسويقه عبر «الميكروفون» مثبت على سيارته المتواضعة، لجذب الزبائن، بينما يقوم أحد كتّاب الدراما بتوبيخه واحتقاره وإهانته، لأنه يدّعي انّ صوته يزعجه، وتناسى حق البائع في الترويج لبضاعته لأنها مصدر رزقه ودخله اليومي، وتناسى أيضاً حقيقة، انّ ما يكتبه من «مسلسلات» قد «تخرب» البيوت بأفكاره المسمومة وتزعج كثيراً من الأسر.

قرّر بائع البيض أن يلقن المؤلف المنزعج من صوته، درساً في أخلاقيات الحياة، فقصد منزله، وحطم أصنام أفكاره البالية وحطم «الأنا» المتضخمة في عقله ونفسيته وسلوكه، الذي جعلته لا يرى في الدنيا إلا نفسه ولا يسمع إلا صوته، ولا يفكّر لحظة في سماع صوت الآخرين أو التفاهم معهم او التماس الأعذار لهم.

وقد عرّى بائع البيض، مؤلف «المسلسلات» وهو يقدّم «بفخر» أبطالها من المجرمين والخونة والفسدة، من دون تقديمه لشخصيات سويّة مكافحة وشريفة، وهي كثيرة في الحياة.

إذن مَن يزعج مَن؟ بائع البيض وهو ينادي على بضاعته، أم صاحب المسلسلات التي تدمّر أخلاق الناس وتعلي من شأن «الأنا» الأمّارة بالسوء؟

أظن، أنّ كلّ البشر بحاجة الى مراجعة أنفسهم وتصحيح نظرتهم للحياة وللآخرين، فالآخرون ليسوا عبيداً لنا، بل هم عباد لله وحده، وكلّ من يظنّ في نفسه قدرة على التحكم في الآخرين وإهانتهم وقهرهم، أذكره بقدرة الله عليهم، ففي لحظة يتحوّل العزيز الى ذليل وبقدرة قادر.

الدرس الذي لقنه بائع البيض لكاتب «الدراما»، كشف انّ بائع البيض هو الأكثر خبرة وثقافة في الحياة، والأكثر ثقة بنفسه، وبالنفس البشريّة، بل إنه أكثر أخلاقاً حتى لو كان أمياً أو نصف متعلم.

نحن بحاجة لثقافة الأخلاق قبل أيّ شيء، فالأخلاق هي ميزان الرحمة والعدل والعلاج النفسي لكلّ أمراض النفس الأمّارة بالسوء، وعندما نحققها في سلوكنا اليومي سنقضي على كلّ الأمراض وفي مقدّمتها كورونا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى