أولى

هل تشنّ «إسرائيل» حرباً في الخارج لتتفادى حرباً أهليّة في الداخل؟

 د. عصام نعمان*

    يومٌ وليلة تفصل بينهما ساعات معدودات قد يصبحان حدثين فارقين في تاريخ العرب والعالم. إنهما يوم القدس العالمي الذي أحيته الشعوب العربية والإسلامية بكثافةٍ وحيويةٍ وإتساعٍ ملحوظين يوم الجمعة الواقع في الخامس والعشرين من رمضان الحالي. أما الليلة فهي ليلة القدْر يوم الأحد الواقع فيه السابع والعشرون من رمضان. لكن يوم الاثنين الثامن والعشرين من رمضان الموافق 10 أيار/ مايو 2021م قد يصبح هو الآخر حدثاً فارقاً في تاريخ المسلمين واليهود معاً. ذلك انّ المستوطنين الصهاينة المتطرفين يهدّدون زاعمين بأنّ ثلاثين ألفاً منهم سيقتحمون الحرم القدسي الشريف للاحتفال بما يسمّونه تاريخ توحيد القدس، أيّ وضعها تحت الاحتلال الإسرائيلي.

   الفلسطينيون المحتشدون بالآلاف من أهل القدس وجوارها في المسجد الأقصى وباحات الحرم القدسي ومحيطه منذ أيام سيتصدّون حتماً، بقوةٍ وشجاعة، لقوات الشرطة الإسرائيلية التي تحمي بشراسة المستوطنين المقتحمين ما يفضي على الأغلب الى وقوع ملحمة مدوّية.

   تواكبُ زحفَ المستوطنين العدوانيين مناورات ضخمة على مستوى فلسطين المحتلة كلها باشرها الجيش «الإسرائيلي» في البر والبحر والجو، قد تتواصل طيلة أربعة أسابيع وربما أكثر. مهّد للمناورات رئيس أركان الجيش الجنرال افيف كوخافي في تصريحاتٍ نارية أعطت المراقبين انطباعاً بأنّ قواته قد تكون في صدد شنّ عملية عسكرية واسعة إما في الشمال ضدّ المقاومة (حزب الله) في لبنان أو في الجنوب ضدّ فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

ثمّة مَن يعتقد بين الكتّاب والمعلّقين في فلسطين المحتلة وخارجها أنّ الدولة العميقة في «إسرائيل» تخطط لشنّ حربٍ على دول محور المقاومة وحلفائها بغية إحباط محادثات فيينا الرامية الى اجتراح تسوية بين إيران والولايات المتحدة تعيد الأخيرة الى الاتفاق النوويّ الذي كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد سحبها منه سنة 2018. ويبدو أنّ ما أمكن تسريبه من معلومات حول اقتراب مندوبي طهران وواشنطن في محادثات فيينا الى اتفاقٍ من جهة والاحتفالات الشعبية العارمة بيوم القدس في كلّ أرجاء دنيا العرب وعالم الإسلام من جهة أخرى قد عززت رأي أصحاب الرؤوس الحامية في الدولة العميقة «الإسرائيلية» بضرورة الإقدام على شنّ حربٍ بغية تحقيق أغراض سياسيّة وأهداف استراتيجيّة بالغة الأهميّة.

فريقٌ آخر من أهل الرأي لا يستبعد الدوافع والمبرّرات آنفة الذكر لتسويغ الحرب، إلاّ أنه يقدّم دافعاً إضافياً لها أكثر أهمية في تقديره هو رغبة قادة الكيان الصهيوني في تفادي الحرب الأهليّة التي بدأت مظاهرها الأوليّة تتكشف بوتيرة متسارعة في مختلف أوساط الجمهور لأسباب متعدّدة ليس أقلها نفور خصوم نتنياهو الكثر، لا سيما في أوساط أهل الوسط واليسار، من صَلَف زعيم حزب الليكود اليميني وفساده ومحاولاته المتكرّرة للهرب من سيف القضاء والمحاكمة في قضايا خيانة الأمانة والاحتيال التي تطارده شخصياً، وذلك بافتعال مشكلات ونزاعات وتوترات غايتها صرف الانتباه عن تحقيقات القضاء والمحاكمة او تأجيلها في الأقلّ؛ الأمر الذي تسبّب في جرّ الكيان الى إجراء أربع انتخابات عامة منهِكة في اقل من سنتين، والخامسة تلوح في الأفق السياسي.

غنيٌ عن البيان أنّ اللجوء الى الحرب في هذه الآونة يخدم نتنياهو وحلفاءه اليمينيين وربما يفضي الى إفشال غريمه مائير لبيد المكلّف تشكيل حكومة جديدة تخلف حكومته.

   كلُ هذه الأجواء والصراعات والملابسات لا تغيب عن أذهان قادة محور المقاومة وحلفائهم. قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال سلامي ورئيس أركان الجيش الجنرال باقري أشارا كلٌ بدوره الى التصريحات المتهوّرة والطافحة بالمبالغات التي صدح بها بعض الجنرالات «الإسرائيليين» إذ أكدا بوضوح قوة إيران واستعدادها الكامل لردّ الصاع صاعين وأن الردّ قد ينهي الكيان الصهيوني الآخذ أصلاً بالتصدع بوتيرةٍ متسارعة.

قائد المقاومة في لبنان السيد حسن نصرالله آثر عدم استبعاد تهديدات جنرالات العدو. ففي خطابه لمناسبة يوم القدس العالمي كشف أنّ المقاومة تحسّبت فأعلنت الاستنفار في صفوفها قبل يوم من بدء المناورات «الإسرائيلية» بمستويات متنوّعة وبوضعية انتشار وجهوزية لمواكبتها. لكنه حرص أيضاً على تحذير المسؤولين «الإسرائيليين» بحزم قائلاً: «إياكم ارتكاب أيّ خطأ أو القيام بمغامرة. لن نتساهل أو نتسامح بشأن أي خطوة للمسّ بقواعد الاشتباك او بأيّ استهداف أمني أو عسكري قد يفكر فيه العدو ضدّ لبنان». العدو يُدرك فعالية الصواريخ الدقيقة وخطورتها لدى المقاومة ويخشاها دونما مواربة.

ردود فعل قادة فصائل المقاومة في قطاع غزة، لا سيما «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، لم تكن أقلّ حزماً وحسماً. فقد حذروا «إسرائيل» وهدّدوها بردٍّ قوي على ايّ اعتداء يمسّ القطاع شعباً وأرضاً ومنشآت. فعاليات الإرباك الليلي الشبابية لم تلجأ الى الردّ إعلامياً على العدو بل باشرت للتوّ إطلاق بالونات حرارية حارقة على مستعمرات العدو الكائنة في الغلاف الجغرافي للقطاع.

هل تندلع الحرب؟

ربما، لكن الأرجح أن لا حرب «إسرائيلية» من دون مشاركة اميركا او، في الأقلّ، من دون موافقتها. والحال انّ إدارة الرئيس بايدن تبدو منشغلة حاليّاً بأولوية ضاغطة هي إنعاش الاقتصاد المتردي، وبعدها تأتي مسألة إعادة اميركا، عاجلاً او آجلاً، الى الاتفاق النووي…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى