آخر «هلوسات» سلامة: رفع الدعم من «عنديّاته»!!
} أحمد بهجة*
حين يبدأ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من «عنديّاته» برفع الدعم عن بعض السلع الأساسية التي لا تستغني عنها العائلات في حياتها اليومية، من دون أن يلتزم بتوجيهات مرجعيته الحكومية التي يُفترض أنه يتلقى منها التعليمات اللازمة، يمكن القول إنّ الأزمة التي نعيشها هي بالدرجة الأولى أزمة قيَم ومفاهيم أخلاقية وقانونية قبل أن تكون أزمة اقتصادية ومالية.
صحيح أن اسمه حاكم لكنه في نهاية الأمر موظف عليه أن ينفذ السياسات والتعليمات المعطاة له من الحكومة، ولا يفيد هنا التحجّج بقانون النقد والتسليف الذي أعطى الحاكم بعض الخصوصية في سياق تنفيذ عمله، لكن هذه الخصوصية لا تشمل على الإطلاق اتخاذ أيّ قرارات إجرائية مُغايرة للسياسة العامة المقرّرة من السلطة التنفيذية، كما لا تعطيه أيّ هامش لمخالفة القوانين والتشريعات الصادرة عن مجلس النواب.
لقد استنسب الحاكم واختار بعض السلع وأبلغ المسؤولين عن استيرادها توقف مصرف لبنان عن دعم هذا الاستيراد، كما بعث كتاباً إلى وزارة الاقتصاد والتجارة يطلب فيه عدم إرسال طلبات جديدة من أجل دعم هذه السلعة أو تلك، أيّ أنّ الحاكم سمح لنفسه بأن يقول لوزير الاقتصاد ماذا عليه أن يفعل أو لا يفعل!
الأسعار في الأيام القليلة الماضية شهدت ارتفاعات جنونية، لا سيما أسعار السلع التي استنسب «الحاكم» البدء برفع الدعم عنها كالدجاج والبيض واللحوم والحليب وغيرها، وهنا لا بدّ من إبداء الاستغراب لأنّ «الحاكم» لم يأت على ذكر المشتقات النفطية حتى الآن، والتي تكلفنا سنوياً أكثر من ملياري دولار، أولاً لأنّ رفع الدعم عن هذه المواد من شأنه أن يشعل على الفور فتائل الانفجار الاجتماعي الشامل، وثانياً لأنّ هناك جهات أساسية في البلد لديها بدائل جدية وعملية جرى الحديث عنها أكثر من مرة في السابق لاستيراد محروقات بكميات كبيرة من دون الحاجة إلى عملات أجنبية وتحديداً دولارات «الحاكم»…
هذا الأمر إنْ دلّ على شيء إنما يدلّ بشكل قاطع على أنّ «الحاكم» يعمل في السياسة ولا يقوم بالواجبات التي يفرضها عليه موقعه. ولا ينحصر عمله السياسي في تبعيته لفريق داخلي بعينه، بل تظهر بوضوح تبعيته للمشروع الخارجي وتحديداً الأميركي الذي يفرض الحصار على لبنان ويضيّق عليه الخناق ويسعى لمنعه من التنسيق مع محيطه الطبيعي بدءاً من سورية والعراق وصولاً إلى إيران وروسيا والصين.
إذن يُماشي «الحاكم» الحصار الخارجي على لبنان، ويعلن أنّ الأموال التي كانت متبقية لديه للدعم (غير الاحتياطي الإلزامي) شارفت على الانتهاء، وبالتالي على الحكومة إيجاد البدائل…
حسناً… وجدت الحكومة البدائل، وطرح الرئيس الدكتور حسان دياب البطاقة التمويلية، فتلكّأ «الحاكم» عن تمويلها ولم يكلف نفسه عناء البحث عن السبل التي قد تؤمّن هذا التمويل، علماً أنّ البطاقة لن تتجاوز كلفتها الـ 150 مليون دولار شهرياً، بينما برنامج الدعم المعمول به حاليا ًيكلف أكثر من 500 مليون دولار يذهب قسم كبير منه في مزاريب الهدر والمحسوبيات.
وكنا تحدثنا بالتفصيل سابقاً كيف أنّ «الحاكم» لبّى كلّ ما طلبه منه فريقه السياسي حين كان في السلطة، ولم يتوقف أمام أيّ قانون في أكثر من محطة، وصرف كلّ ما في الجيب حتى أتى ما في غيب الاستدانة بالعملات الأجنبية التي أوْصلتنا إلى هذه الكارثة.
أما اليوم فتأتي الحجج بأنّ «الحاكم» لا يستطيع المسّ بالاحتياطي الإلزامي بالعملات الأجنبية، علماً أنه أوّل العارفين بأنّ هذا الاحتياطي ليس إلزامياً بموجب قانون صادر عن مجلس النواب، كما هو الحال مع احتياطي الذهب، بل هو احتياطي بموجب قرار صادر عن مجلس حاكمية مصرف لبنان.
والغريب أنّ عدداً من السياسيين المعروفي الاتجاهات والميول، وفي دعم مباشر لـ «الحاكم»، رغم أنّ بعضهم يعارضه في الظاهر، بدأوا يطلقون التحذيرات من مخاطر المسّ بهذا الاحتياطي، ويهدّدون بالملاحقة القانونية لكلّ من يتصرّف به، متناسين أنّه يمثل فقط 15 في المئة من مجموع الودائع التي تبخرت بلا حسيب أو رقيب ومن دون أن يجد أصحابها أيّ دعم أو تهديد من هؤلاء الحريصين اليوم على الاحتياطي الإلزامي، بغضّ النظر عن الشكوك بأنّ هذا الاحتياطي ما زال موجوداً في خزائن البنك المركزي!
ليس المطلوب معاقبة الناس بالغلاء الفاحش، ولا زيادة الأعباء على الفقراء القدامى والجدد، بل المطلوب فعلاً أنّ تُتخذ أشدّ الإجراءات القانونية إزاء المخالفات الفاضحة التي ارتكبها ويرتكبها «الحاكم» من خارج القوانين والأصول، لأنه من الغريب العجيب أن يستمرّ هذا الرجل في موقعه بينما يواجه دعاوى قضائية في أكثر من دولة أوروبية بشأن إساءة الأمانة وارتكاب الموبقات المالية مع مجموعة ضيقة من أقاربه ومعاونيه، والتي يدفع ثمنها اللبنانيون بمجموعهم اليوم…
*خبير مالي واقتصادي