الوطن

كيف تسكت الدولة عن الاعتداء على العمال السوريين؟

} د. وفيق إبراهيم

هؤلاء عمالة اعتادت على مزاولة أعمال بسيطة ووضيعة يحتاجها لبنان منذ تأسيسه.

اللبنانيون يأنفون من أداء هذه المهن متخلين عنها بودّ لسوريين قدموا من أرياف بلادهم قانعين بأدنى الرول وموافقين على العيش في ظروف شديدة السوء.

الحقيقة أنهم لم يتعرّضوا لهذه الاعتداءات طيلة نصف قرن تقريباً إلا بما يندرج في إطار الأمور العادية.

لكن اعتداءات متواصلة نشبت فجأة وبدأت مع بداية حرب 1975، لأنّ سورية الدولة أصبحت طرفاً يؤيد أحزاباً لبنانية ولا يهتمّ بأخرى، كما أنها دخلت في النطاق الأكثر عداء لـ “إسرائيل” والسياسة الغربية الموالية.

فأصبحت العمالة السورية هدفاً منشوداً لحزبي الكتائب و”القوات” يرسلون الأكثر سوءاً من منتسبيهم للاعتداء على عمال سوريين من الراجلين او الراكبين في سيارة للاعتداء عليهم بالعصي والسكاكين.

يصادف أنّ أمس كان يوم انتخابات رئاسية سورية يتجمّع فيها السوريون وينطلقون الى سفارة بلادهم للانتخاب، و”تصادف” أيضاً انّ مئات من الكتائب والقوات كمنوا لهؤلاء العمالة وأشبعوهم ضرباً من دون ايّ أسباب ظاهرة باستثناء إعلانهم بحمل الصور والاتجاه الى التجديد للرئيس بشار الاسد.

انزعج سمير جعجع وسامي الجميّل من هؤلاء العمال، الذين يريدون التجديد للرئيس بشار الأسد وكانوا يتمنّون لو ذهب هؤلاء للاعتداء على الفلسطينيين في مناطق الحدود الذين كانوا يحتجون على العدوان الإسرائيلي على غزة وساندتهم بلدات في البقاع الأوسط في سعدنايل واعتدت بدورها على السوريين العاملين هناك.

فبدا المشهد وكأنه حلف بين حزب المستقبل وحزبي الكتائب والقوات معادٍ للسوريين والفلسطينيين وينتصب في خلفية المشهد حزب الله المستهدَف الرئيسي لهذا التجمّع وحركة أمل والأحزاب الوطنية والقومية.

أهمية هذا المشهد تبدو في اتجاه المجتمع اللبناني الى التفتت الاجتماعي، وهذا أمر خطير جداً يتحمّله جعجع والجميّل وجنبلاط ومشايخ الإفتاء والحريري.

فأين الدولة؟

حاولت الدولة بأجهزتها الأمنية والمخابراتية قمع الاعتداءات فلم تفلح.

لكنها فهمت أنّ التيار الوطني الحر مستهدَف بدوره والمُراد إبعاده عن التنافسات السياسية مع القوات والكتائب بالخصوص لأنه يزاحمهما على التمثيل المسيحي.

وفهمت ايضاً أن إبعاد التيار هو إسقاط للعصر العوني في الرئاسة الذي إذا نجح في هذه المرحلة سيكون قد سهّل المهمة لوصول جبران باسيل الى رئاسة الجمهورية في الولاية المقبلة.

لذلك فإنّ الاعتداء على العمالة السورية يُعتبر جزءاً أساسياً من الموقف السعودي الخليجي المعادي لسورية وإيران والموقف المصري المؤيد للسعودية في حرب اليمن ومتناسخ مع الإمارات العربية حليفة “إسرائيل” وباقي دويلات الخليج التي تلعب الأدوار نفسها بوضاعة وخبث.

فما العمل في لبنان؟

بتراجع الأحزاب الوطنية والقومية عن التصدي مع الجيش اللبناني في وجه هذه الحثالة التي تُصرّ على التحالف مع “اسرائيل” وتبايع الخليج والسياسات الغربية، لأنها تخشى من انفجار التركيبة الاجتماعية اللبنانية، كما أن العهد العوني يخاف من الانزلاق في سياسة قمعيّة قد تصيب المسيحيين الجعجعيين أكثر من المسلمين الحريريين فتجري عمليات تقنين للتصدّي للمعتدين على العمالة السورية.

كما أن الوضع الدقيق لحزب الله يردعه عن سياسات تصدّ وزجر لهؤلاء المعتدين مخافة انفجار الوضع الاجتماعي على أساس مذهبي او طائفي او حتى وطني، لذلك ينأى بنفسه فيبدو كمن يراقب إنما من دون قرارات رادعة وكذلك اوضاع الأحزاب الوطنية وحركة أمل.

ضمن هذه المعطيات يجب على حزب الله والأحزاب الوطنية اعتبار الساحة الداخلية جزءاً من عمليات التصدّي للعدو الصهيوني ومعه المطبلون للخليجيين لقاء دريهمات معدودة.

وإلا فإنّ الصمت يجعل هؤلاء المعتدين أكثر شراسة مما هم الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى