الوطن

اجتماع المجلس العالمي لـ «اللبنانية الثقافية» جسر عبور إلى المستقبل عباس فوّاز: لضخّ دم جديد ورؤى تتلاءم ومراحل التطوّر والنهوض

علي بدر الدين

شكّل اجتماع المجلس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم الذي التأم في مبنى عدنان القصار للاقتصاد العربي في بيروت، نقلة نوعية في مسيرة الجامعة، وجسر عبور إلى المستقبل، وهو العنوان الذي ظلّل الاجتماع وحدّد أهدافه ورسم مسار عمل الجامعة الجدي والنوعي لتحقيق ما عجز عنه الآخرون.

تمحورت اجتماعات المجلس ونقاشاته حول قضايا مهمة في تاريخ الاغتراب والجامعة، منها على سبيل المثال تعديل مواد واتخاذ قرارات وترجمة اقتراحات لتأمين مقوّمات التواصل الدائم بين المغتربين اللبنانيين في أيّ قارة كانوا وبين الجامعة، والهدف إزالة العراقيل وتقريب المسافات وتفعيل التواصل، من خلال المنصة الإلكترونية التي وُضعت لهذه الغاية، كما استحوذت آلية إجراء انتخابات المجالس القارية والوطنية والفروع على اهتمام المشاركين الذين أبدوا فيها آراءهم بفيض من النقاش المفيد، إضافة إلى أمور تهمُّ الجامعة والاغتراب.

ما يميّز الاجتماع هو التنظيم والانضباط والالتزام بإجراءات الوقاية من كورونا، حيث كانت الكمامة القاسم المشترك بين الجميع، الذين أتوا من كلّ حدب وصوب ومن معظم دول قارات العالم، رغم الخطر المتربّص بسبب كورونا، وبهم اكتمل النصاب القانوني لانعقاد الجلسة، التي بدأها الأمين العام المركزي للجامعة عاطف عيد، ثم ألقى الرئيس العالمي للجامعة عباس فواز كلمة دعا في مستهلها إلى الوقوف دقيقة صمت على أرواح مسؤولين سابقين فقدتهم الجامعة وهم: مسعد حجل، مالك شلهوب، علي الصبّاح، غازي قديح، إيلي عيد، طارق منقارة ونيقولا داغر وغيرهم من المغتربين اللبنانيين «الذين كانوا في الصفوف الأمامية في التصدّي لجائحة كورونا، وكانت لهم جميعاً مبادرات طيّبة، وجهود مميّزة ساهمت في إغناء مسيرة الجامعة».

أمامنا مسؤوليات جسام

وقال فواز: «كان بودّنا أن يعقد الاجتماع السنوي للمجلس العالمي في لبنان في ظروف أفضل سياسياً واقتصادياً وصحياً، وفي ظلّ حكومة تشكّل مدخلاً للاستقرار العام والمعالجات والإصلاح والإنقاذ، وإعادة تفعيل المؤسّسات، وقد طال انتظارها وليس في الأفق ما يؤشّر إلى اقتراب موعد التأليف، ولا يمكننا في الهيئة الإدارية للجامعة، أن نبقى مكتوفي الأيدي ونتمترس خلف الانتظار الصعب الذي لا جدوى منه ولا أمل قريب، خاصة أنّ أمامنا مسؤوليات جسام، وبرنامج عمل يجب الالتزام به وتنفيذه، لا سيما أنّ الوقت ينفُذ والطموحات كبيرة وكثيرة، وبالتالي، لا يمكن تأجيل انعقاد المجلس للمرّة الثالثة، وكان لا بدّ من اتّخاذ القرار واعتماد الخِيار الصحيح والنهوض بالمؤسّسة الاغترابية الأم، والالتزام بالوعود التي نتحمّل مسؤولية الوفاء لها، والأمانة التي تعهّدنا بحملها».

ورأى أنّ «علينا أن نتجاوز معكم بعض المعوقات الخارجة عن إرادتنا، ونفتح الطريق أمام هذا الاجتماع الذي لم يعد يحتمل التأجيل والذي يلتئم اليوم بفضل استجابتكم للدعوة، وحرصكم على الجامعة خصوصاً، والاغتراب اللبناني عموماً.

وأضاف: «شاءت الصدف أنه منذ انتخابنا في المؤتمر العالمي الثامن عشر الذي عُقد بتاريخ 10/10/2019، وبعد أسبوع تحديداً أيّ بتاريخ 17/10/2019، أن تسوء الأوضاع العامة وتشهد البلاد انهيارات متتالية للأوضاع الاقتصادية والمالية، وحجز لأموال المودِعين، وتدنٍّ في الأجور وتدهور في القيمة الشرائية وتفاقمت الكلفة والأعباء المعيشية وفاقت قدرة المواطنين على التحمّل والمواجهة، وزاد الطين بلة غزو جائحة كورونا لبنان وخطرها الداهم والدائم وانفجار مرفأ بيروت المأساوي والكارثي في الرابع من آب ٢٠٢٠، كلّ هذه المصائب والويلات ضربت لبنان. وبما أننا والجامعة، جزء من الوطن والمجتمع، بل والعالم فإنّ الذي حصل ولا يزال من دون إمكانية توقّع زوال العتمة وانبلاج فجر الخلاص، طبع بَصَماته على مسار عملنا ومسيرة الجامعة، كان له تأثير في مكان ما وزمان معيّن على خطة عمل نوعية بامتياز، كنّا قد أعددناها لتكون بمثابة خريطة طريق للتواصل المباشر مع الجاليات اللبنانية، وزيارتها في أماكن وجودها وانتشارها، ولكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر لمجمل المستجدات الصعبة التي ذكرنا وغيرها، ممّا يفوق كلّ التوقّعات، ما دفعنا تحت وطأتها وضغطها إلى تأجيل الزيارات، إلى أهلنا وإخواننا في دول الاغتراب إلى حين تسنح فيها الظروف والوقت».

 وتابع فواز: «لكنّ الذي حصل ولا يزال لم يجعلنا ننسى أهلنا في هذا الوطن المعذّب، ولم نتوانَ عن تحمّل مسؤولياتنا تجاههم، لا حاضراً ولا ماضياً ولا في المستقبل بإذن الله وبتعاون الجميع ولن نتركهم أسرى الفقر والجوع والبطالة والمرض، ولا أسرى تداعيات التدهور الحاصل على كلّ الأصعدة والمستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية، على قاعدة «بحصة تسند خابية»، لهذا كانت لنا أكثر من مبادرة ودعوة للاستثمار في القطاعات المنتجة ونداءات متكرّرة للمغتربين للمساندة والدعم لأهلهم في الوطن، رغم ما تعرّضوا له من خسائر في المصارف اللبنانية، كما كانت لنا مبادرات إنسانية تمحورت حول توزيع حصصٍ غذائية وتقديم معونات مباشِرة والمساعدة على جمع شمل عائلات لبنانية بتسهيل عودة أبنائهم أو أفراد من عائلاتهم من الخارج، أثناء إقفال أو فرض قيود على حركة السفر والمطارات».

توحيد الجامعة ونظام أساسي جديد

وأكد أنّ أهمية الاجتماع «أنه سيناقش ويقرّ صيغة تعديل النظام الأساسي الموافَق عليها باجتماع الهيئة الإدارية المنعقد بتاريخ 11/6/2020، لرفعه إلى المؤتمر العالمي التاسع عشر المقبل، للاطلاع عليه ودرسه وإقراره، ودائماً وفق مواد النظام الأساسي المعتمد، ولأننا نرغب أن تنطلق الجامعة مع نظام أساسي جديد، يساعد على إدخال جيل الشباب إلى الجامعة لضخّ دم جديد، ورؤًى جديدة تتلاءم ومراحل التطور والنهوض لهيئات الجامعة التنظيمية، ولرسم أفكار وتوجّهات تحاكي المستقبل».

ولفت إلى أنه «انطلاقاً من إيماننا بأنّ وحـدة المغتربين من أجل وحـدة لبنان، هذا العنوان الوطني بامتياز الذي يؤشر لمسار، عملنا فإنني وزملائي في الهيئة الإدارية كان همّنا الأول العمل على توحيد الجامعة والحفاظ عليها وعلى قانونيتها، وفي سبيل ذلك، تحوّلت مكاتبنا إلى خليّة نحل نشطة، منذ انتهاء أعمال المؤتمر العالمي الثامن عشر، ولاقانا بذلك مشكوراً السيد عاطف عيد، حيث كانت تتمّ المناقشات والترتيبات اللازمة والهادفة إلى إلغاء الدعاوى القضائية وبحمد الله، تمّ تذليل كلّ الصعاب، وأنجزنا تفاهمات جدّية، ساهمت في توحيد الجامعة، وبسحب هذه الدعاوى التي كانت قائمة منذ العام 2010، تمّ تعيين السيد عاطف عيد أميناً عاماً مركزياً، وتجلّى نجاحنا بانضمام العديد من المجالس والفروع في قارتي أميركا وأوروبا إلى الجامعة ليصبح بُنيانها التنظيمي موحّداً، وجرى الإعلان عن هذه التفاهمات في مؤتمر صحافي عُقد في مقرّ نقابة الصحافة بتاريخ 8/11/2019. كما أننا تواصلنا وبذلنا الجهد والوقت مع المجموعة التي يرأسها السيد ستيف ستانتن، من دون أن يثمر، وقد قوبل طرحنا للمّ الشمل بمزيد من التصعيد والتشبّث بالفئوية وإصرار هذه المجموعة على زجّ الجامعة وعالم الاغتراب بمشاريع سياسية هي خارج نصّ الجامعة وأنظمتها وقوانينها. وعليه، اتّخذنا في حينه الإجراءات القانونية اللازمة تبياناً للحقيقة ولوقف الافتراء».

مصدر اعتزاز وقوّة

واعتبر فوّاز «أنّ الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم هي مصدر اعتزاز وقوّة للمغتربين، وهي هيئتهم التمثيلية والمعبّرة عن هواجسهم وتطلّعاتهم ولأنّ الاغتراب اللبناني يليق به جامعة محترمة وعالمية، ولأننا نرغب دائماً بعلوّ مكانتها، تواصلنا منذ اليوم الأول لتسلّم مهامنا مع المسؤولين من رؤساء ووزراء، وحصلنا على إقرار واعتراف من وزارتي الداخلية والبلديات والخارجية والمغتربين بشرعية مؤتمراتنا وأحقّية تمثيلنا للاغتراب اللبناني، وتمثّلنا في الكثير من اللجان الوزارية باسم الاغتراب اللبناني، وقدّمنا ما يلزم في هذا المجال».

الخلافات ونزعة الاسترئاس

وأشار إلى «أنّ الخلافات والتشرذمات التي عانت منها الجامعة سابقاً وتجاوزت معظمها بحكمة العقلاء مردّها أساساً إلى نزعة الاسترئاس عند البعض أولاً، وبفعل نقل أمراض الداخل إلى عالم الاغتراب ثانياً».

وقال: «إذا كان مقدّراً علينا التصدّي لنزعة الاسترئاس، فإنّ نقل أمراض الداخل إلى عالم الاغتراب هو الأخطر، لأنّ ذلك يعني إدخال الخلافات السياسية والطائفية بين أفراد الجاليات ، بينما المطلوب أن نكون جميعاً موحّدين ومتعاونين لمواجهة قساوة الغربة والبُعد عن الوطن وتحدّيات المنافسات الاقتصادية الشرسة، خصوصاً أن نُظُم الجامعة القديم منها والحالي والمقترح كلّها تؤكّد على تنقية مؤسّسات الاغتراب من الأمراض الطائفية وعدم ملامسة التدخّلات السياسية، وهذه مسؤوليتنا جميعاً في عملنا مع الجاليات المنتشرة في كلّ بقاع العالم».

ولفت إلى «أنّ الاغتراب اللبناني الذي يملك قُدُراتٍ خارقةٍ وكفاءات علمية ومهنية عالية وشخصيات مرموقة، بحاجة لعملٍ ومبادرات تواكبه بتطلّعاته، لتبقى صورة جالياتنا على تميّزها وريادتها، كما أن هذا الاغتراب هو مصدر أساس في عملية إدخال النقد الأجنبي الذي حافظ على وتيرته رغم سوء الأحوال العامة وفق إحصاءات البنك الدولي الدورية».

وقال: «إنّ لبنان في ظروفه الحالية القاسية جداً، وغير المسبوقة، والتي تنبئ أنّ المقبل من الزمن سيكون أقسى وأخطر وقد تؤدّي إلى الانهيار الكلّي والشامل، ومع أننا لسنا مسؤولين، عما حصل وسيحصل، إلا أنّ الواجب الوطني يدعو الجميع إلى شحذ الهمم، والوقوف إلى جانب وطننا وأهلنا كما هو العهد والوعد، وكما وقفتم في أصعب الظروف وكنتم بمثابة الرافعة الفعلية لعدم انهياره وسقوطه، ولن نقبل تحت أي ظرف أو ضغط أن يسقط لبناننا أو يموت أهلنا فقراً وجوعاً ومرضاً، ولا يمكن أن نتركه وحيداً ينازع ويحتضر».

البنيان التنظيمي للجامعة

وتطرق إلى واقع البنيان التنظيمي للجامعة، معتبراً أنه «بحاجة لجهود ومبادرات منّا جميعاً لتجديد شباب فروعنا ومجالسنا وإفساح المجال لإدخال دمٍ جديدٍ إلى صفوف الجامعة وتشجيع الأجيال الشابة على تولّي المسؤوليات التنظيمية والاغترابية وهم كلّهم أبناء الاغتراب وأصحاب كفاءات ونجاحات فلنستفِدْ من إمكانياتهم وهو لصالح الوطن والاغتراب. ونحن ومن هذه الوجهة ندعو عبر تعاميم دورية لإجراء انتخابات في الفروع والمجالس بهدف التناوب على المسؤوليات وإغناء الجامعة بخُبُراتٍ جديدة أيضاً، وضمن هذا السياق والتوجّه، عمدنا إلى إنشاء فروع جديدة في أوروبا وقبرص واليابان وأصدرنا تكليفات لإنشاء فروع جديدة في كندا وأستراليا والبرازيل. كما أصدرنا قرارات تعيين لأمناء عامين مساعدين في القارات، لا سيما في أميركا الشمالية والجنوبية تسهيلاً لذلك، وأيضاً في قارة أفريقيا نحن في صدد إنشاء فروع جديدة بالتنسيق المباشر مع الصديق رئيس المجلس القاري الأفريقي».

بعد ذلك تمّ عرض فيديو تضمّن مشاهد عن البدايات الأولى للاغتراب، والمراحل التي مرّ بها، ثم عن بعض أنشطة الجامعة وإنجازاتها وزيارتها وعرض صور للقلاع والآثار التاريخية في لبنان ولكبار الفنانين.

ثم عرض النائب الأول للرئيس العالمي جهاد الهاشم المواد والبنود المقترحة للتعديل في النظام الأساسي، وبعد نقاش مستفيض بين المشاركين تمّت الموافقة على التعديلات وغيرها برفع الأيدي التي بلغت حدّ الإجماع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى