أولى

من يدعو الى الإضراب؟ وضدّ من…؟!

 د. عدنان منصور _

أن تقوم جماهير الشعب بالدعوة الى إعلان إضراب ضدّ منظومة حاكمة في بلد ما، نتيجة سياساتها الفاشلة، وممارستها المستبدة، وتأزم الأوضاع فيها، وما ينجم عن ذلك من تداعيات سياسية، واقتصادية، ومعيشية، وخدمية، واجتماعية صعبة، فهذا أمر طبيعي شهدته معظم بلدان العالم.

الغاية من الإضراب تهدف إلى تصحيح مسار السلطة لجهة تحقيق أهداف الشعب، وتلبية مطالبه المحقة العادلة، والنزول عند إرادته وقراره.

لكن أن تدعو السلطة بأركانها الى إضراب يعبّر عن “الغضب»، و”الاستنكار” و”الرفض” الى ما وصلت اليه الأوضاع المأساويّة، في بلد تتحلل فيه مؤسساته على يد حكامها ومسؤوليها، فهذا أمر غريب عجيب لم يشهده العالم إلا في لبنان!

كلّ الذين تسبّبوا بخراب البلد، وأذلوا شعبه، وسرقوا ونهبوا ودائعه، وأفقروه، ومارسوا أبشع صور الفساد على الأرض، يدعون الى الإضراب!

إضراب ضدّ مَن؟! ولأجل مَن؟! بربكم قولوا لنا: جمعية المصارف وحيتانها، وما فعلته، ورتبته، ونسّقته مع حاكم المصرف “العظيم” بحق المودعين، وبحق العملة الوطنية، وتهريب الأموال خلافاً للقانون والقرارات ذات الصلة، تشارك بالإضراب! تشارك ضدّ مَن؟! ولمَن؟! ولمصلحة مَن؟!

السلطة الحاكمة بأركانها التي سبّبت بممارساتها الويلات للشعب، والانهيار الكامل في مؤسسات الدولة، لم نر فيها، ولم نسمع منها إلا راجمات الاتهامات، والرسائل، والبيانات المتبادلة بين أقطابها. والأنكى من ذلك، أنّ أفرقاء السلطة الحاكمة، والأوركسترا التابعة لها من مختلف الفئات والأطياف تدعو الى الإضراب! أهو إضراب ضدّ الشعب أم إضراب ضد نفسها؟ أم إضراب ضدّ وضع مميت هي العلة الرئيسة في كل ما وصل اليه الشعب!

الذين أعاقوا تشكيل الحكومة بشروطهم ونكاياتهم وعنادهم المتبادل، يعلنون الإضراب! الذين أفلسوا البلد بأقذر عملية سطو، يقفون مع الإضراب! مصرف لبنان ومنظومة “المصارف النزيهة” التي حدّث عنها ولا حرج، تقف مع الإضراب! اتحاد العمال العام، بعد خراب البصرة، يدعو الى الإضراب!

إنه إضراب ضدّ الشعب، وليس لمصلحة الشعب، عندما يتساوى فيه القاتل والمقتول، السارق والمسروق، الناهب والمنهوب، الغابن والمغبون!

 من أعاجيب هذا البلد أنّ الزمرة الحاكمة التي أغفلت على الدوام، عينيها وبصيرتها عن الفساد وقهر المواطن، وإذلال الشعب وإفقاره، والسطو على المال العام، وتهجير الأدمغة لدول العالم، وبطالة قاتلة طالت الكبير والصغير، هي نفسها هذه الطغمة التي تشارك في الإضراب!

 يبقى أمام ديكتاتورية الطغمة الحاكمة، الدعوة الى تظاهرة عامة على رأسها حاكم المصرف المركزي، ورئيس جمعية المصارف، وزمر السلطة، لترفع فيها الشعارات، تهتف وتردّد بصوت عال: الطغمة تريد إسقاط الشعب!

 ألسنا في بلد العجائب عندما تلتقي على ساحة الإضراب المتناقضات بكلّ ما فيها من مهازل مسؤولين، واستخفاف حكام بعقول المواطنين، وتزاحم لصوص المال لمناصرة الجائعين، ونفاق من عبث بالوطن وأوصل البلد الى الحضيض، وجعل الشعب خارج الحكم، وعلى قارعة الطريق!

إنّها مأساة وطن وشعب على السواء، أراد جهابذة الطغمة الحاكمة أن يجدوا حلاً لها بإضراب! وأيّ إضراب…!

*وزير الخارجية الأسبق

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى