أولى

هل نشهد حرب تغيير الخرائط…؟

‭}‬ أحمد بهجة
اعتدنا أن يكون وزير خارجية إيران الدكتور حسين أمير عبداللهيان دقيقاً جداً في كلامه، وهو الدبلوماسي المحترف المشهود له في كلّ المحافل، ولذلك لا بدّ أن يؤخذ بجدية تامة قوله في بيروت إنّ خريطة فلسطين سوف تتغيّر وسوف يهتزّ الكيان الإسرائيلي المؤقت، إذا توسّعت الحرب الدائرة في غزة ودخل فيها حزب الله وأطراف محور المقاومة.
من الممكن أن يعتبر بعض المراقبين أنّ هذا الكلام يأتي في سياق الحرب النفسية ضدّ العدو، وهذا ليس خطأ على الإطلاق بل على العكس تماماً، هي جزء أساسي من المواجهة، وهذا ما برعت فيه المقاومة وعلى رأسها سماحة السيد حسن نصرالله الذي يخشى العدو صمته، كما ننتظره جميعاً بكلّ ثقة بما يقول ويفعل… ومعه رجال الله الذين يبذلون التضحيات ويقدّمون الغالي والنفيس في سبيل حماية بلدنا وحفظ كرامة شعبنا وعزّته.
أما عن تغيير الخرائط… فقد ذكرنا أنّ الوزير عبداللهيان قال كلاماً دقيقاً جداً، وها نحن رأينا كيف أنّ المقاومة في فلسطين غيّرت الخرائط بالفعل وليس بالقول… وقد دخل أبطالها إلى مستوطنات العدو في ما يسمّى «غلاف غزة» وسيطروا عليها لعدة أيام في عملية نوعية مشهودة قلبت الموازين رأساً على عقب وألحقت الشلل بجيش العدو وجعلته عاجزاً عن خوض أيّ مواجهة، بل قُتل من ضباطه وعناصره مَن قتل وأُسِرَ مَن أُسِر وفرّ الآلاف منهم أمام بضع عشرات من المقاومين الأشدّاء الذين سجلوا أروع ملاحم البطولة والشهامة والإنسانية.
ومن هنا صحة القول إنّ ما قبل 7 تشرين الأول 2023 ليس كما بعده، لأنّ ما حدث ليس أمراً عادياً ولن يكون أمراً عابراً، بل هو إنجاز استثنائي لم يحصل مثله منذ نشوء الكيان المعادي عام 1948، حيث كانت المواجهات تتركزّ في الأراضي المحتلة عام 1967 أو في دول الطوق المجاورة لفلسطين المحتلة (لبنان وسورية والأردن ومصر).
للمرة الأولى تحصل مواجهة من هذا النوع في الأراضي المحتلة عام 1948، ويتمّ تحرير جزء من هذه الأرض، وإذا كان اليوم تحريراً مؤقتاً فإنه سيكون في المرة المقبلة تحريراً دائماً، وهذا هو بالفعل تغيير الخرائط الذي لن يُمحى على الإطلاق من أذهان المستوطنين ليس فقط في غلاف غزة بل على امتداد أرض فلسطين كلّ فلسطين.
وهناك مؤشرات كثيرة تؤكد الحديث عن تغيير الخرائط، حيث نرى الضعف والوهن لدى العدو، قيادة وجيشاً ومستوطنين، إذ لم يكن قد مضى بضع ساعات على بدء عملية «طوفان الأقصى» حتى علا الصراخ الإسرائيلي في طلب النجدة من حلفاء الكيان ورعاته وداعميه، وهو فعلياً أكثر من طلب نجدة، إنه استغاثة العاجزين عن القيام بمفردهم بأيّ أمر، ولذلك نرى هذه الهستيريا المعادية ضدّ الأهداف المدنية، ونرى استهداف المواطنين الآمنين العُزّل، أطفالاً ونساء وشيوخاً… وهو ما تتعامى عن رؤيته دول العالم بأكثريتها الساحقة ومعها الإعلام بأغلبه الذي تجاهل أنّ العدو استهدف الإعلاميين والمصوّرين في فلسطين ولبنان حيث ارتقى منهم شهداء نترحّم عليهم جميعاً، وبينهم ابن الخيام المصوّر الشهيد عصام العبدالله، كما أصيب عدد آخر منهم بجروح ونتمنى لهم الشفاء العاجل.
هذا الإجرام المتمادي سببه أولاً الطبيعة الإجرامية المترسّخة في هذا الكيان منذ قيامه، وثانياً العجز عن تحقيق أيّ هدف عسكري يُذكر، وهذا يذكّرنا بما حصل في لبنان في حرب 2006 حين لم يستطع العدو طيلة 33 يوماً تحقيق أيّ هدف عسكري ولا استطاع التقدّم براً ولو لمتر واحد على امتداد الجبهة من الناقورة إلى شبعا… ولم يبقَ أمامه إلا التدمير والقتل واستهداف المدنيين في كلّ المناطق بهدف تأليب الرأي العام ضدّ المقاومة، لكن ما حصل هو العكس تماماً حيث التفّ الناس حول المقاومة وما زالوا معها قلباً وقالباً لأنها بكلّ تشكيلاتها القتالية والإعلامية واللوجستية عنوان الصدق والشهامة والبطولة، ولأنها تحمي البلد وأهله وتجعل لبنان قوياً قادراً على مواجهة كلّ الصعوبات بالاتكال على ثلاثية القوة «الجيش والشعب والمقاومة».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى