أولى

فجر النصر قد لاح والصبح قريب…*

 زاهر الخطيب**

*زيارتكم سعادة السفير موجب وطني قومي وأممي للتهنئة بانتصار المنهج التصحيحي العلمي الثوري، واكبناه في كتاب صدر عن رابطة الشغيلة بعنوان: «استراتيجية الأسد» ألا وهو منهج الاستراتيجية العليا غير المباشرة، الذي كان قد اعتمده السيد الرئيس حافظ الأسد (طيّب الله ذكراه).

ومن أبرز سمات هذا المنهج عدم الغرق في اللحظة الراهنة في تقييم موازين القوى القابلة للتغيّر والعمل على تعديلها، والتنمية الدائمة وإعطاء الأولوية في التنمية للقطاعات الإنتاجية، وتعزيز القوى العسكرية عدةً وعتاداً وتقانةً، والنهوض بالقطاع العام،

والتعايش بتوازن مع القطاع الخاص لتحقيق الاكتفاء الذاتي،

وبكلمة موجزة: بناء دولة القانون والمؤسسات، دولة المواطنة الراعية لضمانات المواطن الصحية، والاجتماعية، والتربوية، والخدمات، وإنّ ذلك المنهج التصحيحي العلمي الثوري، السابق ذكره الذي انتهجه الرئيس السوري إنما اعتمده في «قلب العروبة النابض سورية» التي بها تتجلى كرامتنا القوميّة وتسمو، ومنها تتنفس رئتنا الاقتصادية، ولبنان، بالاتجاه شرقاً، يزدهر وينمو.

وعلى النهج عينه وبإبداع استمرّ أميناً على خط والده وخطاه السيد الرئيس بشار الأسد (أعزّه الله).

وكان الرئيس جمال عبد الناصر قد فعل من قبل، ومن قبل فعل الثوريون وأحرار العالم الذين وجدوا في التاريخ القديم (سان تسي في الصين 500 ق.م) والتاريخ الوسيط، والتاريخ الحديث والمعاصر، وإنّ أمثال أولئك القادة الأحرار، هم شهداء بالحق عظماء،

كانوا وما زالوا قدوتنا في تاريخ النضال الإنساني أمماً وشعوباً في الأرض، أما في الوطن العربي، فوحدهم إذ ذاك دون سواهم (عبد الناصر والأسدان)، نهضوا بالقومية العربية إلى غاياتها الإنسانية بقيَمها السامية، حين ناصروا الثورة التي عاصروها، الثورة الخمينية الأممية، ثورة المستضعفين في الأرض، فيما سائر الحكام العربان، يومذاك، الحكام الأعراب كانوا وما زالوا الأشدّ كفراً ونفاقاً من الصهاينة «العنصريين» خونة العروبة والإسلام، وسائر الديانات السماوية.

نقول ذلك «حزبياً كرابطة شغيلة» من موقع الاشتراكية العلمية «فكروياً» ومنهجياً، علمياً وثورياً لإقامة «مجتمع المواطنة والكفاية والحرية»، «مجتمع الحق والعدل»، بالقيَم العليا والأخلاق التي تستحق من «الإنسان» أن يستشهد من أجل أن يحياها.

*سعادة السفير، أيها «الرفيق» ففي كلمة «الرفيق» من السيادة ما يجعل صلة القربى بين الرفقاء، إنما هي دماء الشهداء والأخلاق والقيَم العليا، والوفاء لتلكم القيم التي تربطنا بأبناء الشهامة أمثالكم من الفرسان الشرفاء الأقوياء، في نفوسهم، الذين أدركوا أنّ للحرية الحمراء مهراً غالياً بلا ثمن، تهبه أرواح الشعوب القديسة الحرة الأبية، في سبيل الوطن، والتي تردّ على العنف الرجعي، العدواني، العنصري، الإرهابي، الدولي، والتكفيري، تردّ على هذا العنف العدواني التوحشي، بالعنف الثوري التحريري المسلح،

 ليفوز هذا النوع من العنف المشروع المنظم بـ «الحق والعدل»، بإحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة،

ولتكون سائر تجليات المقاومات الدبلوماسية والسياسية والجماهيرية والثقافية كلها في خدمة الخيار الرئيسي والأساسي: ألا وهو «الكفاح المسلح»، المعروف بالمقاومة المسلحة والتي لا تفسح في المجال البتة للمساومة والمهادنة على الهدف النهائي في التحرر والتحرير الشامل، تحت عنوان «التكتكة التافهة» التي تجهض الهدف الرئيسي الاستراتيجي، أو بالحري الهدف السياسي، فالحروب العسكرية لا تخاض لذاتها، وإنما تشنّ لغاياتها النهائية، سواء الجيوسياسية أو الاقتصادية، لنهب ثروات الأمم وخيراتها والسيطرة على أراضيها وبحارها والهيمنة حتى على سماواتها، لا بل، كانت تلك التكتكات المشبوهة تنهش من عمرنا الرخيص بمصطلحات يجترها المستسلمون من «القادة» الخانعين الضالين أو المضللين: اسمعوا «سلطة عباس» تقول:

أيها الناس اختاروا بين (الممكن والمستحيل) وبين (الواقعي والمثالي بمعنى أنّ المثالي غير واقعي)! أو سواها من الهرطقات، كأن تقول السلطة مثلاً اختاروا بين السيّئ والأسوأ.

كمثل ذلك اليوم المشؤوم الذي كان يُراد فيه للبنان، أن يكون محميةً صهيونيةً، فطرح على المجلس النيابي يومذاك جهاراً نهاراً أن يختار بين السيّئ والأسوأ! فكان اتفاق 17 أيار، يوم اختار معظم النواب الجبناء الذين قالوا نعم، اختاروا العار باختيار السيّئ على الأسوأ، باعتبار السيّئ عندهم أفضل من الأسوأ!

لِيعقد البرلمان زوراً جلسة صلح باسم الشعب العربي اللبناني، مع كيان العدو الصهيوني، نزولاً، يومها، عند رغبة «شولتز» الأميركي، ولكن المقاومة المسلحة والجماهيرية المتصاعدة أسقطت بعد حين، اتفاق الذلّ والعار، ورفعنا ببندقية التحرير في جلسة مجلس النواب راية التحرير على أرض بنت جبيل المحررة بالقوة ما أخذ منها بالقوة في العام 2000، وإذ بأجيالنا والأشبال الذين تجري في الشرايين دماء شهدائنا والمقاومين تبقر الباطل لتستخرج الحق من خاصرته، ألم يكن الباطل زهوقاً، قابلاً للقهر؟

أو لم نقهر القوة التي قيل إنها لا تُقهر؟ وجعلنا المستحيل ممكناً؟ وكم من الحقائق والوقائع متوافرة في تاريخ أمتنا، كم من المعارك كـ «معركة الكرامة»، وكم من الانتصارات المتساندة حققتها الأمة في حروبها العادلة يضيق المجال لعدّها،

أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: (ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 مع عبد الناصر، وتأميم القنال 1956 وهزيمة العدوان الثلاثي، حرب تشرين المجيدة والعبور 1973، الصمود والتصدي في لبنان 1993 و 1996 وعام 2000 عيد المقاومة والتحرير، و2006 هزيمة العدو الصهيوني بـ 33 يوماً واستجداء الصهاينة أذلاء وقف النار، غزة العزة 2005 و 2008 ـ 2009 و 2021 حلف القدس وسيف القدس والمقدسات ومحور المقاومة والحلفاء).

*نعم أيها الرفيق فلقد استمرّت دماء المجاهدين تمدّ الثورة العربية بسخاء وعناء، فيما استمرّت التكتكات المدانة والمكشوفة، لتكون صفقة القرن المشؤومة النتيجة الحتمية لتداعيات تلكم التكتيكات من قادة حمقى أو جهلة أو خونة، سواء بالمعنى الأخلاقي للكلمة، أو بالمعنى الدستوري أو القانوني أو الشرعي أو المشروع!

وكانت قبل سلسلة الاتفاقات المنفردة (توقيع وتطبيع ـ كمب دايفيد، أوسلو، وادي عربة)، (وما قبل وعد بلفور، وسايكس بيكو)، وما قبل ما قبل العام 1907 بدء التآمر الاستعماري. (ونتذكر بقفزة في الزمن لاحقاً قولاً لصادق الوعد والوعيد: «ما بعد ما بعد حيفا»).

كما نتذكر في الزمن الأسبق يوم دسّ الاستعمار الغربي السمّ الزعاف، في قلب الوطن العربي، وغرز في قلبنا، كيان العدو الصهيوني العنصري الاستيطاني، مقسماً الأمة وممزقها بلداناً وأقطاراً.

«ونحن أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة» وقد جرى تمزيق الأمة،

إلى (مشرق عربي، دول خمس) (وإلى مغرب عربي، عشر دول)،

(وإلى بلدان شبه الجزيرة العربية سبع)، والمجموع 22 دولة،

 والهدف جعل الأمة متناحرةً غير مستقرة، كي لا تتوحّد الأمة وتنهض قويةً، فيصبح الكيان الصهيوني الاستيطاني العنصري الغريب «المدسوس»، في خبر كان، لذا جعل الاستعمار الغربي لهذا الكيان وظيفةً محددةً ألا وهي:

 إبقاء الأمة ممزقةً غير مستقرة بضرب أيّ حركة تحرّر لتوحيدها والنهوض بها، كي لا تأخذ هذه الأمة الأصيلة مكانها بين الأمم العريقة، وقد تجسّد نتاج «التآمر الاستعماري» الغربي الصهيوني الرجعي العربي، يوم أجهضت الوحدة القومية العربية بين مصر وسورية…

وما زال التآمر الاستعماري، لتضييق الخناق على الأمة، شغالاً عبر عملائه، وجواسيسه، وحيثما يجد هذا الاستعمار نفسه متكبّراً مهيمناً، يجد حاله الآن، مخنوقاً مأزوماً عاجزاً مربكاً في حالة ضياع،

وكي لا أطيل ضناً بوقتكم الثمين، ونحن في خندق الحق الواحد نجاهد، وأنتم على ما يحصل في لبنان خير شاهد.

*أيها «الرفيق الصادق الصديق»، أناديك شاهداً بالحق في لبنان على صراعنا مع القوى الرجعية وقوى العدوان هنا في الداخل، كما في سورية فعلوا، وكما في سائر بلدان الحلفاء الشرفاء يفعلون وقلة من طابور عملاء من كلّ الألوان، أخبثهم: المأجور في الإعلام، والدجالون الفاسدون من ساسة ورجال دين، ومن زمر قطاع طرق على المواطنين المقهورين المألومين فيما المندسّون، يتوزّعون المهام ليخرّبوا ويدمّروا ويحرقوا في لبنان، عبر المرتزقة ورعاع المدن والنفوس المريضة، ويستبيحوا تجويع الشعب وإذلاله بكلّ الوسائل الدنيئة ويعرقلوا الحلول بنظرية «الصدمة» لفريدمان، ليهوج الشعب بالفوضى ويعمّ الشغب ليُستجدى «الخارج» بالحلول السامة لخدمة صهاينة الأميركان، من قبل عشاق سياسة النأي بالنفس الانتهازيين الغيورين على حيادية لبنان ولو بضمان شيطان أكبر، أو أصغر من ثعبان.

فماذا نقول لهؤلاء المرتزقة الفجرة الخونة قتلة أبناء أوطانهم؟ هل ننبئهم بأنّ حسابهم مع شعوبهم، على الأرض سيكون قريباً وعسيراً؟

*سعادة السفير… عنوان مرحلتنا اليوم وحدة الأمة، والنهضة تطلّ بـ «بشار» في سورية، بالأمس القريب، والانتصارات تتوالى في أنحاء الوطن على وهج ذكرى، «الشهادة» في تموز، ودماء «سعاده» منثورةً في الوجدان، والروح تحلق في سماء الوعي المدرحي والفكر القومي،

وأما في ما يتعلق بعمق التحوّلات التاريخية والاستراتيجية الظافرة التي «نحيا»، مجدها الآن، وعزها والافتخار، فيعود مصدرها لمؤسسها في سورية بكلّ، مقدرة واقتدار من القادة العظماء الذين بهم وبشعوبهم القديسة الملهمة نفخر ونعتز،

آملين بكلّ تقدير ومحبة كرابطة شغيلة، وتيار العروبة للمقاومة والعدالة الاجتماعية، أن تتقبّلوا منا مع نهاية كلمتنا «إهداء» من الكتب والأدبيات ومجلدات مقرونةً بوثائق وبيّنات على جانب هامّ من فكر ومراس حزبنا وكوادرنا، مؤمنين بصوابية «استراتيجية الأسد» «العليا غير المباشرة»، التي أثبتت صحتها الوقائع والتحوّلات التاريخية الاستراتيجية والتي جعلت الصراع الدائر بين سورية وكيان العدو الصهيوني صراع «وجود» للأمة مع الاستعمار على الأصالة والهوية، لا نزاع حدود على أمتار،

نعم، إنّ الصراع مع الصهاينة صراع شائك وجهاد ضدّ غدة سرطانية تضمر رويداً، وتذوب، لتزول، في حينها، من الوجود.

فالصراع صراع بين «مشروع الشرق العربي» بريادة سورية الرئيس العربي حافظ الأسد، في مجابهة «مشروع الشرق الأوسط الجديد» بصدارة كيان العدو الصهيوني، المصطنع للاستيلاء على ثروات الأمة العربية وخيراتها،

وقد بات هذا الأمر، في البعد التاريخي، في خبر كان.

أخيراً

سورية الأسد في خندق الحق والحروب العادلة تنهض،

 سورية الأسد ضدّ التسويات كانت ولا تزال، رافعةً راية الوحدة والحرية، والاشتراكية، لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض، لا لتوقيع، ولا لتطبيع، لا للمهادنة، ولا للمساومة،

 سورية الأسد قلعة مقاومة في داخلها، حصن حصين للبنان وفلسطين، والوطن العربي، إنها سورية المقاومة بأبعادها الوطنية والقومية والأممية.

ولقد أصبحنا، اليوم، بعد أعوام وأعوام على مقربة، في الزمان، من تحرير فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر فلسطين التي كانت وتبقى قضيتنا المركزية،

أما الصلاة ففي القدس الشريف قلب فلسطين، وفي المسجد الأقصى قلب القدس، التي كانت وتبقى «عاصمة» فلسطين العربية الأبية، بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، والقلب منها كنيسة القيامة،

وها نحن مع أحرار العالم قد وصلنا إلى نهايات بلورة تكتل مشرقي، «جوهره المقاومة والاتجاه شرقاً»، مقولة الرئيس بشار الأسد، الأمين على نهج والده الراحل (طيب الله ثراه)،

ختاماً

*الرفيق «الكريم»، يشرّفني أن أضع هذا الكتاب المميّز «استراتيجية الأسد»، «إهداء» عندكم على أرض عربية، في مكتبة سفارتكم وهذا شرف كبير لنا، وكما هو في عرفنا نحن العرب، نردّد الشعر والحكم،» وخير جليس في الأنام كتاب»، فهلا تسمحون لي بكلّ تواضع وتقدير، أن أشير إلى بعض آخر من الكتب بالعناوين والوثائق، وأهمّها الراهن، ربما يكون مجلد «مواقف في الطائف» كاشفاً فيه كمستند للإثبات، أسرار «مؤتمر الطائف» جهراً وبـ الوثائق والبيّنات، حيث كنتُ شخصياً شاهداً بالحق،

وإني اليوم أشهد على ضوء المستجدات، أنّ فجر النصر قد لاح وبان بوحدة الأمة، وتجلى بحلف القدس، ومحور المقاومة، والحلفاء الشرفاء،

وإني لأشهد، على ضوء ما سبق، بأنّ الفتح آتٍ آت، بإذن الله،

أليس الصبح بقريب؟ اللهم اشهد إني بلغت،

وإلى لقاء قريب، وفقاً لموعد يلائم الظروف نبقى على اتصال،

أضحى مبارك وكل عام وأنتم والمقاومة والوطن بألف خير،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كلمة ألقيت خلال زيارة إلى السفير السوري في لبنان د. علي عبد الكريم علي بمناسبة عيد الأضحى.
**نائب ووزير سابق، أمين عام رابطة الشغيلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى