الوطن

المؤتمر العام… التأسيس والدور انبثاق السلطة الحزبية: بين مجلس أمناء ومجلس قومي مسار انتخابي من انتظام إلى تقطُّع… ثم انتظام

اعتدال صادق

ينعقد «المؤتمر العام» للحزب السوري القومي الاجتماعي لهذه الدورة بسمة استثنائية، لجهة توقيته وموجباته وماهيته والمآلات المترتبة عليه، خاصة بعد أن جرى تأجيله العام المنصرم لأسباب لم تنتفِ مفاعيلها بعد… فالجائحة على جنوحها ولا يزال القلق مقيماً بمرارة إنسانية، نوازل فوق نوازل و»الحبل على الجرّار»، غير أنّ العالم تكيّف وانتظم على وقع الحال الجديد مع الجائحة التي حصدت الأرواح وشَلَّت حركة الاقتصاد وأعاقت المجتمعات وعرقلت التنقل وألزمت العالم كلاً داخل حدوده.

بهذه المخاطر والصروف والاعتبارات وعلى وقعها يعقد الحزب مؤتمره العام ومجلسه القومي، لأول مرة في «دار سعاده الثقافية الاجتماعية» في ضهور الشوير، التي تمّ افتتاحها بالأمس القريب باحتفال كبير، ليطلّ انعقاده هذه الأيام على عدة حقب متوالية من عمر هذا «التسعيني» الجليل بحنايا تاريخه العتي أجيالاً تخاطب أجيالاً.

مداره الأول 85 عاماً مترامية من إبرام سعاده لدستور الحزب ومضي 84 عاماً على إجراء أول انتخابات جاءت بمجلس أعلى بدعوة المشرع وبإشرافه، و66 عاماً على إنتاج أول مجلس أعلى للحزب بُعيد استشهاد سعاده، و61 عاماً على انعقاد أول مؤتمر عام، إذا اعتبرنا أنّ «مؤتمر ملكارت» هو «أول التـآم» كما يُسمّى في الأدبيات الحزبية والذي أُعلنت فيه هيكلية تنظيمية صارت منهاجاً عاماً لكافة المؤتمرات الحزبية التي تلته في ما بعد، قبل أن يشرع مؤسسة دستورية له نظام داخلي وهيئته المنتخبة كما أقرّه المجلس الأعلى بتاريخ 25 حزيران 1980.

إنّ المؤتمر العام الذي يعقده الحزب السوري القومي الاجتماعي دورياً كلّ أربع سنوات (وإنْ جاء انعقاده هذا العام استثنائياً في ظرف حزبي استثنائي) هو استحقاق داخلي يحرص الحزب على إنجازه كلّ أربع سنوات هي المدة الدستورية الفاصلة لانبثاق قيادة جديدة للحزب لإعادة تقييم مسيرته على صعيد الإنجازات والإخفاقات، وما حققه تجاه قضية الحزب والأمة وما لم يحققه، عبر تقرير تتلوه السلطة التشريعية متمثلة برئيسها وتقرير آخر للسلطة التنفيذية متمثلة برئيس الحزب يُطلعان فيهما المؤتمرين على كلّ تفاصيل مسيرة العمل الحزبي خلال السنوات الأربع التي تلت المؤتمر المنصرم. وبدورهم، يدلي المؤتمرون بآرائهم ومناقشاتهم للوضع الحزبي العام ويضعون تصوّرهم لتمكين الحزب وفاعليته ودوره وتأثيره في المشهدين العام والداخلي على الأصعدة كافة.

بعد ذلك، يلتئم المجلس القومي لانتخاب قيادة جديدة في اجتماع منفصل عن المؤتمر العام وهو مؤسسة منفصلة تماماً عن مؤسّسة المؤتمر العام، بنظامه الداخلي والدستوري والدور المناط به، بانتخاب السلطة التشريعية أيّ المجلس الأعلى للحزب، الذي بدوره ينتخب رئيس الحزب بعد مدة دستورية أقصاها 15 يوماً إفساحاً في المجال لمن يرغب بالترشح لرئاسة الحزب من الذين تتوفر فيهم الشروط الدستورية.

نحاول في هذا العدد من جريدة “البناء” ضبط انبثاق الأشكال التي تحقّق الفكر والنهج في هذه التجربة الديمقراطية العريقة المتمثلة في انعقاد المؤتمر القومي العام، من جهة، والمجلس القومي، من جهة أخرى، واللذين تفاوت انضباط انعقادهما تبعاً لظروف الحزب المحاذية دوماً حدّ المخاطر والأزمات، أو وفقاً لاجتهادات دستورية فرضها واقع وأحوال خاضها القوميون بمداولات طويلة لم تخلُ من “اشتباك” دستوري لم يكن سهلاً ودونه مطبات، بين من يتشدّدون بعدم المسّ بالدستور وبين آخرين أرادوا إحداث انعطافة دستورية “ديمقراطية أوسع”، إذا صحّ التعبير.

وفي عرضنا الاستعادي هذا، نستكمل ما سبق ونشرته “البناء” في عددها الصادر بتاريخ 13 أيلول 2020 من سرد توثيقي تدرّجي وتتبّعي لـ “انبثاق السلطة” إثر إبرام الدستور (أيّ الانتخابات)، وكما أشرف عليها المشرع سعادة، وتتبعاً لها بُعيد الاستشهاد حتى انعقاد هذا المؤتمر.

في هذا الجزء، نستذكر ملامح تطوّر حقب انبثاق السلطة الحزبية التي دارت رحاها من “مجلس أمناء” مناط به فقط انتخاب قيادة الحزب وصولاً إلى انبثاق مجلس المندوبين المنتخب من القاعدة الحزبية فيشكل كلاهما المجلس القومي المعمول به حالياً بموجب المرسوم الدستوري عدد 8 كما صدر في العام 1951، والذي عدّلت المادة الرابعة منه والتي كانت تحصر السلطات جميعها بيد الزعيم المؤسّس والمشرع، وأصبح القوميون الاجتماعيون هم مصدر السلطات حيث أقرّ القانون رقم 8 لعام 2001 وتعديلاته إنشاء المجلس القومي من الأمناء والرفقاء مندوبي المنفذيات المنتخبين ليكونوا ناخبين للمجلس الأعلى إلى جانب الأمناء.

كما يشمل الملف مراحل إبرام “مؤسسة المؤتمر العام” منذ إطلاق مؤتمر ملكارت إلى انتظامه دستورياً حيث ينعقد غداً هذا المؤتمر بموجبه.

بداية التكوين مع سعاده

في المستهلّ لا بدّ من لمحة سريعة عن دور الأمناء إثر إبرام الدستور سنة 1937 وانعقاد اول اجتماع انتخابي بدعوة من سعاده في أيلول 1938. في هذه المرحلة التأسيسية، أيّ عند طرح الفكرة مبكراً على عدد من الشباب، حيث لبّى دعوة سعاده إلى تأسيس حزب بتاريخ 30/11/1932 كلّ من: جورج عبد المسيح، جميل عبدو صوايا، زهاء الدين حمود، وديع تلحوق، وفؤاد حداد، قبل أن يتبيّن لـ «سعاده» زيف اثنين منهم.

ولأنه لم يكن قد وضع دستوراً للحزب، وبالتالي لا يملك مسوّغاً قانونياً يجعله يتحذ إجراءات قانونية بحقهم، كالفصل أو الطرد مثلاً، رأى سعاده أن يكون التظاهر بـ “حلّ” الحزب في تكوينه الأول أمراً لا بدّ منه، فدعا الأعضاء الخمسة إلى اجتماع وأبدى لهم رغبته في تأجيل تأسيس الحزب معللاً الأمر بالقول: «بعد تكوين هذه النواة بأيام أو أسابيع قليلة اضطررتُ للتظاهر بحلها لإقصاء عضوية فاسدين دخلا في صلبها ولإعادة تكوينها».

«مجلس المؤسّسين» عام 1934

سعاده ينشئ «المجلس العام» عام 1936

تصنيف الدستور 20 كانون الثاني 1937

سرعان ما أصبح التكوين الذي نشأ “بالاعتناق التتابعي للعقيدة من قبل الأفراد وليس باجتماع معيّن في يوم معيّن وصار عدد الثلاثة 15 ثم ثلاثين عضواً في حزيران 1934 وما لبث أن ارتفع عددهم إلى الستين في نهاية العام، وكان كلّ رفيق يحمل لقب مؤسّس، وتشكل من هؤلاء الرفقاء مجلس سُمّي “مجلس المؤسّسين”، أمّا القسم الذي كان يؤدّيه الرفقاء الأوائل فلم يكن في نصه أية إشارة إلى القوانين أو الأنظمة ولا إلى صفة القيادة وصلاحياتها.

وبدأ “القائد العام” التشريع الأساسي للحزب بمواد دستورية “متلاحقة” بلغ عددها أربعين أو خمسين مادة انتهى من إعدادها في العام 21/11/1934.

في هذه المرحلة كان سعاده قد انتهى من تصنيف الدستور، وفقاً للمادة الثانية التالي نصُّها: “تسير إدارة الحزب وفقاً للتصنيف الفني للمصالح الرئيسية ويجري تعيين العمُد على أساس هذا التصنيف”.

ويعدُّ يوم الخميس 21 تشرين الثاني 1937 يوماً مشهوداً يُحتفل به سنوياً وقد أسماه سعاده يوم “إبرام الدستور”.

الجدير ذكره في هذا الشان، أنّ سعاده حين وضع المواد الدستورية، أخذ في الحسبان أوضاع البلاد تحت نير الانتداب وملاحقة الحزب وأركانه تباعاً لأكثر من مرة، لذلك وضع مرسوم الطوارئ عام 1936، ألحقه بمرسوم اشتراعي بتاريخ 15 تشرين الأول/ أكتوبر 1936 أطلق عليه اسم “المجلس العام” (الذي عاد وعدّله بعد خروجه من سجنه الثاني) ومهمة هذا المجلس مؤازرة مجلس العمُد في بعض المهام. ويذكر سعاده، في حيثيات وضع المرسوم: “ولما كان نمو الحزب وضبط أعماله يقتضيان اشتراكاً أوسع في الأعمال والمسؤوليات». ويُنتخب «المجلس العام» عبر مؤسسة لجان المديريات ومجالس المنفذيات، لمدة سنة واحدة. ويتألف من «ممثلي المنفذيات المنتخبين من مجالسها»، وصلاحيته «النظر في موازنة الحزب وإقرارها أو تخفيضها وإقرار الضرائب العامة أو إنقاصها والاطلاع على إدارة الخزينة وحسابات المالية وصلاحية بحث المسائل التي يعرضها عليه مجلس العمُد لإبداء الرأي وإعطاء تقرير استشاري فيها».

الأمناء ينتخبون أول مجلس أعلى بإشراف سعاده انطلاق «مؤتمر الاستعداد» 1938

بناء على دستور الحزب السوري القومي الاجتماعي وقوانينه التى شرعها الدستور «المنجز» من قبل مؤسّس الحزب وزعيمه ومصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية، ليبدأ العمل به فور إنجازه تطبيقياً، توجه سعاده إلى الأمناء الذين كان قد منحهم رتبة الأمانة للاجتماع في منزل نعمة ثابت لانتخاب أعضاء المجلس الأعلى، بحضوره وإشرافه إذ كان استشارياً في عهد سعاده، بحسب الدستور (قبل التعديلات) وتحديداً المادة العاشرة التي تنص ما يلي:

للحزب السوري القومي الاجتماعي مجلس أعلى يجتمع بناء على دعوة من الزعيم وصلاحياته :

أ – إبداء الرأي وإعطاء المشورة في شؤون الحزب الخطيرة.

ب – تقرير سياسة أو خطة فاصلة.

ج – حلّ مشكل ذي نتائج خطيرة في حياة الحزب الداخلية.

د – تعديل الدستور الحالي.

وفي ذلك الاجتماع، تمّ انتخاب أول مجلس أعلى للحزب، وفاز فخري المعلوف برئاسته، وهكذا يُسجّل أنه أول رئيس للمجلس الأعلى في الحزب، وعلى إثر الانتخابات تمّت الدعوة إلى عقد مؤتمر إداري عام في أيلول 1938 يضمّ جميع المسؤولين العاملين في المركز وهيئات المنفذيات في الوطن، دُعي “مؤتمر الاستعداد”. وفي أعقاب استقالة فخري معلوف في النصف الثاني من آب 1939 انتخب نعمة ثابت رئيساً للمجلس الأعلى، وبقي حتى عودة سعاده من مغتربه القسري في 2 آذار 1947.

عودة سعاده 2 آذار 1947 حلّ المجلس الأعلى «اللادستوري» طرد رئيس المجلس الأعلى والقيادة المنحرفة

في تشرين الأول 1947 وبعد عودته إلى الوطن، خاض سعاده معركة إعادة الحزب إلى مساره القومي الاجتماعي في مواجهة بعض أعضاء إدارته العليا، فواجه بعد عودته مذكرة التوقيف التي أصدرتها الدولة بحقه، إلا أنّ الدولة سحبت المذكرة بعد 7 أشهر و7 أيام، عندها تفرّغ لأمور الحزب.

وعندما لم تفلح المعالجات الهادئة لعملية الانحراف العقائدي، أصدر الزعيم مرسوماً بطـرد رموز الانحراف العقائدي عن أهداف العقيدة وفلسفتها وهم: رئيس المجلس الأعلى نعمة ثابت، وعضو المجلس مأمون أياس، وفايز صايغ، وغسان تويني، ويوسف الخال.

ثم اتخذ سعاده قراراً حلّ المجلس الأعلى بمجمله نتيجة الانحراف الذي وقع فيه بعض أعضائه كما ذكرنا، وعدم حمل بعضهم الآخر رتبة الأمانة ومنهم عبدالله سعاده، مبقياً على جسم الأمناء الذين صار عددهم حتى تاريخ استشهاده 21 أميناً.

الأمناء تحت واقع «الشغور» بهيئة «مجلس أعلى» استثنائياً عام 1950 ومجلس أصيل في العام 1954

قصة المرسوم رقم 8 وانتخاب جورج عبد المسيح رئيساً

حصر تسمية الأمناء برئيس الحزب فقط

بعد استشهاد سعاده ليلة الثامن من تموز 1949، كان هول الجريمة على القوميين الاجتماعيين كبيراً ومفاعيلها جائرة، وقد تعرّضوا لأعتى أنواع التنكيل، وقد اعتمدت الدولة اللبنانية أسلوب الاعتقال الاعتباطي بحقّهم، وبخلاف اللذين كانت قد اعتقلتهم في 9 حزيران إثر «حادثة الجميزة» وقد تجاوز عددهم المئات، ووصل عدد القوميين الذين تمّ اعتقالهم إلى 900 موقوف جلهم لم يشاركوا في الثورة، أو أنهم كانوا على علم وخبر بها، وهذا ما كانت تدركه الدولة، لكنها استغلتها فرصة لتدمير الحزب والقضاء عليه، كما ظنت، أو خيّل إليها!

وكان أبرز الموقوفين “المتّهمين بإعداد المؤامرة الإرهابية” من كبار المسؤولين في الحزب وعددهم 19 موقوفاً، بينهم تسعة أمناء من أصل 21 من دفعة أمناء عام 1948، إلى جانب عدد من أعضاء السلطة التنفيذية من غير الأمناء، أيّ مجمل أركان مساعدي سعاده قبيل الاستشهاد صاروا رهن الاعتقال إثر فشل الثورة الانقلابية الأولى واعتقال سعاده ثم استشهاده.

أما الأمناء الذين نجوا من حملة الاعتقالات لوجودهم في دمشق أو لأسباب أخرى هم: الأمينة الأولى جولييت المير سعاده لوجودها مع بناتها في دمشق في الإقامة الجبرية في دير صيدنايا إثر استشهاد سعاده، والأمناء: جورج عبد المسيح، أسد الأشقر، عبدالله قبرصي، عصام المحايري، مصطفى المقدم، نجلا معتوق، بشير فاخوري، مصطفى سليمان، سامي الخوري، منير الحسيني، عساف أبو مراد، محمد أبو الحسن، أديب قدورة، الياس جرجي قنيزح، أي 15 أميناً من أصل 21.

في هذه الأثناء، بادر الأمين جورج عبد المسيح مع الأمينة الأولى إلى إرسال الرفيق فؤاد شاوي لتبليغ الأمناء في بيروت بضرورة الاجتماع في دمشق . وهم: عبدالله قبرصي، فؤاد أبو عجرم، كامل أبو كامل، أديب قدوره، حسن الطويل، نجلا معتوق، أنيس فاخوري، مصطفى المقدم، وقد اجتمعوا إلى الأمينة الأولى والأمناء جورح عبد المسيح والياس قنيزح وعجاج المهتار وكان من بين الحاضرين أيضاً الرفيق معروف صعب.

وبغياب سعاده وعدم وجود مجلس أعلى للحزب الذي كان قد حله الزعيم إثر عودته، استنسب الأمناء، بعد التداول في ما بينهم، اعتبار أنفسهم أيّ “مجلس الأمناء” بمثابة “المجلس الأعلى” استثنائياً لمرة واحدة وخوّلوا لأنفسهم ملء الفراغ وحالة الشغور القسري للمجلس الأعلى وانتخاب رئيس الحزب بصفتهم مجلساً أعلى، (مع أنه كان بإمكانهم انتخاب المجلس الأعلى بحسب الدستور) وفعلاً أقسموا أمام صورة الزعيم بالصمود حتى الموت وقرّروا، تعيين لا انتخاب، الأمين جورج عبد المسيح رئيساً للحزب لمدة سنتين. وبعدها بفترة وتحديداً يوم 16 تشرين الثاني 1951 اجتمع الأمناء مجدّداً لانتخاب أعضاء المجلس الأعلى (أيّ أول مجلس منتخب شرعاً من مجلس الأمناء على اعتبار أنّ الأول كان استنسابياً من الأمناء من غير انتخاب) وأصدروا القانون الدستوري رقم 8 الذي اقترحه عبد المسيح والذي أعطى سلطات موسعة لرئيس الحزب، بما فيها حصر منح وتسمية رتبة الأمانة في شخص رئيس الحزب (التي سرعان ما أدّت إلى أزمة داخلية داخل الحزب)، وثبّت هذا المجلس انبثاق السلطة من الأمناء، علماً أنّ دستور سعاده ينتهي بالقانون الدستور رقم 7 المتعلق بإنشاء رتبة الأمانة ودورها.

وبعد سنتين، أيّ عام 1954 انتخب مجلس الأمناء هيئة المجلس الأعلى الثالث الذي أعاد، بدوره، انتخاب جورج عبد المسيح رئيساً للحزب لمدة سنتتين، وسرعان ما خرحت أجواء الخلافات بين الرئيس والمجلس الأعلى إلى العلن (وفي التاريخ نفسه أيّ 31 تشرين الأول 1954، انتخب المجلس الأعلى الأمين جورج عبد المسيح رئيساً للحزب، وسرعان ما تمّت إقالته وانتخاب الأمين عصام المحايري رئيساً على أثر أزمة حزبية مشهورة لسنا بصدد تناولها الآن ليعود المجلس الأعلى وينتخب الأمين جورج عبد المسيح مجدّداً في 31 تشرين الأول من العام نفسه.

إيقاف العمل برتبة الأمانة قرار غير ساري المفعول بين الأعوام 1957-1960

توالت الأحداث الحزبية الداخلية على توتر بين المجلس الأعلى ورئيس الحزب الأمين عبد المسيح وأدّت في النهاية إلى إقالته ثم العودة عن الإقالة. في هذه الفترة، تمّ اغتيال العقيد عدنان المالكي في الملعب البلدي في دمشق يوم 22 نيسان 1955 واتُّهم الحزب برئاسة جورج عبد المسيح بتنفيذ عملية الاغتيال، وإثر هذه الحادثة نشبت أزمة داخلية بين المجلس الأعلى ورئيس الحزب جورج عبد المسيح انتهت بإعفائه من الرئاسة في تموز1955.

وأنشأ المجلس الأعلى لجنة تحقيق في مسألة مقتل المالكي التي أدّت إلى حركة سمّيت بـ “الانتفاضة” التي قادها وأعلنها عبد المسيح مع عدد من الأمناء في تشرين الأول 1957 على أثر طرده من الحزب، إلا أنه مع عدد من الأمناء انتخبوا مجلس أعلى جديداً، وعلق هذا المجلس العمل برتبة الأمانة مؤقتاً بتاريخ 24 تشرين الأول 1957، علماً أنّ المجلس الأعلى برئاسة عبدالله قبرصي شرّع عام 1954 مرسوم قانون مجلس الأمناء وترأس المجلس إبراهيم يموت حتى قرار إلغاء رتبة الأمانة.

أما قيادة الحزب برئاسة أسد الأشقر وعبدالله محسن ولاحقاً عبدالله سعادة، فقد أبقت على الرتبة وبقي الأمناء هم مصدر السلطة التشريعية خلال السنوات الممتدة بين الأعوام 1957- 1960.

رؤساء الحزب بين عامي 1956– 1960 الذين انتخبوا بمجلس أعلى منتخب من مجلس الأمناء

في هذه الفترة بقي مجلس الأمناء يمارس دوره في انتخاب المجلس الأعلى، وتوالى خلال هذه الفترة على رئاسة الحزب انبثاقاً من مجلس الأمناء كلّ من الرؤساء:

ـ مصطفى أرشيد 1955- 1956.

ـ أسد الأشقر 1956- 1958.

ـ عبدالله محسن 1958 – 1960

ـ عبدالله سعاده 19 تموز 1960…

«الذهاب» إلى ملكارت بتوصيات ملزمة

-الدعوة إلى إنشاء «المجلس القومي»

-إلغاء رتبة الأمانة

-”مؤتمر دوفيل “يقرّ حق الطعن بالأمناء… وبيان وحدة الحزب يعيد العمل بالرتبة

كان الكيد الذي مورس بحقّ الحزب بعد ما سميت «ثورة 1958» السبب الأبرز لقيام الحزب بالثورة الانقلابية على حكم الرئيس فؤاد شهاب و»شعبته» في 30-31 كانون الأول 1961 والتي كتب لها الفشل وأدّت إلى اعتقال قيادة الحزب إلى جانب آلاف القوميين الاجتماعيين.

صدر العفو العام في 19 شباط 1969 وعن العسكريين الذين شاركوا في الثورة في 21 كانون الأول 1970،

وكانت العودة إلى ساحة النضال من جديد، تحديداً إلى عقد مؤتمر ملكارت الذي اختمرت فكرته داخل السجن، فقام رئيس الحزب آنذاك عبد الله سعاده بتوجيه الدعوة إلى انعقاد المؤتمر في فندق ملكارت في بيروت، والذي أقرّه المجلس الأعلى “من دون قانون دستوري”.

أما المؤتمر الذي ترأسه الأمين صالح سوداح، فقد أضحى نموذجاً احتذت به المؤتمرات الحزبية اللاحقة، إذ خضع لنظام تفصيلي دقيق درءاً للفوضى وحرصاً على حسن النتائج.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ مؤمر ملكارت انعقد وليس في الحزب قانون دستوري للمؤتمرات، وليست له صلاحيات، سوى مجرد مؤتمر تشاوري، وقد أجمع أعضاء المؤتمر الثلاثمئة الذين شاركوا فيه على وجوب انبثاق السلطة الحزبية، في حال قيامها من القاعدة، انبثاقاً ديمقراطياً بالانتخاب الشامل وعلى إلغاء العمل برتبة الأمانة.

واعتبر المجلس الأعلى الذي كان يترأسه في حينه الأمين منير خوري أنّ توصيات مؤتمر ملكارت مقرّرات ملزمة وجعل توصياته بمثابة نهج في الدستور: وقد جاء في توصيات اللجنة الدستورية:

«نشأت الحركة القومية الاجتماعية على أساس ديمقراطي تعبيري فقامت على تعاقد حرّ بين الأعضاء والمؤسِّس. وبعد استشهاد مؤسّس النهضة القومية الاجتماعية شرعت المؤسسات استناداً إلى سابقات حزبية مرسوماً يقضي بانبثاق السلطة الحزبية من الأمناء الذي يعتبرون النخبة المختارة في الحزب المعبِّرة عن إرادة القوميين الاجتماعيين. فكان لهذا التدبير الدستوري مبرراته، ولكنه كان يتسم دائماً بطابع التدبير المؤقت، لأنّ دستور الحركة القومية الاجتماعية الأساسي الصادر عام 1937، في المرسوم الدستوري الرابع، نص على قيام لجان المديريات المنتخبة ومن بعدها قيام مجالس المنفذيات المنتخبة أيضاً، لتدريب القوميين الاجتماعيين على ممارسة حقهم الانتخابي وتحمّل مسؤولياتهم المباشرة».

كما رفعت اللجنة الدستورية اقتراحاتها في كيفية تأمين هذا الشأن، وتركت للاختصاصيين صياغة دستورية سليمة.

والجدير بالذكر في هذا السياق، أنّ هذه الخطوة، أيّ “انبثاق السلطة” من القاعدة الحزبية تمّ تدارسها من قبل المجلس الأعلى عام 1961 الذي عدّل الدستور لجهة تأمين هذه القاعدة، إلا أنّ حدوث الانقلاب وما تبعه من حلّ للحزب السوري القومي الاجتماعي، وتعذر قيام السلطة الدستورية حال دون إعلان هذا التعديل والعمل بموجبه إلى أن عُقد “مؤتمر دوفيل” (5-8 نيسان 1975) ودُعي إليه جميع المسؤولين والأمناء منذ العام 1958 وقد طرح المجلس الأعلى خلاله سؤالين حول موضوع انبثاق السلطة: هل يتمّ من المجلس الأعلى أو من الأمناء؟

وعندما لم يجمع المؤتمرون على خيار، بقي الخياران أمام المجلس فاتخذ المجلس الأعلى نتيجة المداولات قراراً بإيجاد مجلس قومي يضمّ الأمناء وممثلي مجالس المنفذيات، إلى جانب إعطاء للقوميين حق الطعن بالمرشح لنيل رتبة الأمانة بعد تعميم أسماء المرشحين بحيث لا تبقى عملية المنح في دائرة مغلقة داخل الكواليس الحزبية، وصدرت على أثره توصيات قضت بإعادة العمل برتبة الأمانة وبأن يتألف المجلس الأعلى من الأمناء وقد أقرّ المجلس الأعلى هذه التوصيات بموجب القانون الدستوري عدد 11 تاريخ 28 نيسان 1975.

غير أنه لم يتمّ التوافق الفعلي على إعادة العمل بنظام الأمناء إلا خلال المشاورات التي حصلت بين تنظيمي الحزب في مرحلة الانشقاق (1974-1978) وتشكيل لجنة طوارئ من أجل وحدة القوميين الاجتماعيين أعلنها رئيس الحزب عبدالله سعادة في 9 تشرين الثاني 1978.

المجلس الأعلى يقرّ إنشاء مؤسسة«المؤتمر العام» وليس (المؤتمر القومي الاجتماعي)  ولا توصيات ملزمة

استكمالاً للسعي ضمن المؤسسات، شكل المجلس الأعلى عام 1980 لجنة دستورية ضمّت كلاً من الأمناء: عصام المحايري، غسان الأشقر، كامل حسان، نبيل العلم، إنعام رعد، نبيل فغالي، وجمال فاخوري، وتوافقت هذه اللجنة على اقتراح إنشاء «مؤسسة المؤتمر القومي الاجتماعي العام»، وفعلاً أقرّ المجلس الأعلى إنشاء «مؤسسة المؤتمر القومي الاجتماعي العام» وذلك بموجب القانون الدستوري عدد 13 قبل أن يُعدل لاحقاً ويسمّى «المؤتمر العام» بموجب القانون رقم 6 الذي صدر في 16-7-2010.

ورد في المادة الأولى منه: يعقد الحزب خلال السنة التي تسبق موعد انتخاب أعضاء المجلس الأعلى مؤتمراً عاماً يسمّى “المؤتمر العام.” وليس تسمية (المؤتمر القومي الاجتماعي العام بحسب التسمية السابقة).

كان الأمناء بين مرحلة 1973- 1980 والأزمات الحزبية في الأفق هم أصحاب السلطة الانتخابية للمجلس الأعلى وينتخبون، بدورهم، رئيس الحزب، ولم يتمّ العمل بقانون المجلس القومي حتى العام 1984 .

المجلس الأعلى يصدر قانون انبثاق المجلس القومي

صدر عن المجلس الأعلى بموجب القانون رقم 8 في 16/11/1951 قانون كيفية انبثاق السلطة من الأمناء بعد استشهاد الزعيم عدّل بموجب القانون رقم 10 تاريخ 23/4/1970 وعدّل في 6/7/1970، وألغي بالقانون رقم 11 عام 1976، وأعيد العمل بالمجلس القومي بالقانون رقم 13 الصادر في 25/6/1980 وجرت عليه تعديلات في 3/7/1984 و10/11/1991 و11/4/2000 و26/4/2001 و18/3/2008.

وأقرّه المجلس الأعلى بصيغته الحالية بموجب القانون رقم 6 الصادر في 16/7/2010 ونشره رئيس الحزب في 8/9/2010.

المادة الأولى: تنشأ في الحزب السوري القومي الاجتماعي مؤسسة “المجلس القومي” تضمّ الأمناء والمندوبين المنتخبين لعضوية هذا المجلس.

المادة الثانية: للمجلس القومي مكتب مؤلف من رئيس ونائب رئيس وناموسين أصيلين، يتمّ انتخابهم لمدة سنتين بالاقتراع السري في جلسة يعقدها المجلس القومي برئاسة أكبر أعضائه سناً، ويقوم الناموس أصغرهم سناً، وتسجل أسماء المرشحين على اللوحة عملية الانتخاب.

المادة الثالثة: يعلن رئيس الاجتماع أسماء المرشحين لكلّ من هذه الأسماء.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى