أولى

تحية للجزائر

حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بداية ولايته الرئاسية الإيحاء بأنه سيمثل مشروعاً لمصالحة تاريخية مع الضمير الفرنسي لجهة الاعتراف بالدور الاستعماري البشع لبلاده بحق الجزائر، فيسترد لفرنسا بعضاً من الصورة التي رسمتها ثورتها التاريخية في الوجدان الإنساني وكان احتلال الجزائر وبشاعاته وصمة عار عليها.

مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي كشف ماكرون وجهه الشنيع، مستعيداً صورة المستعمر الأبيض الخبيث، فتقدم بالاعتذار للعملاء الجزائريين الذين خدموا في صفوف جيش الاحتلال، وباع ضميره للشيطان، مظهراً عنصرية عميقة ومتأصلة في الكلمات التي اختارها، وما فيها من استخفاف بشعب الجزائر وثورته وهويته الوطنية والقومية، وما ضمنه من روح استعلاء وتعجرف تؤكد أن فرنسا لم تتعاف من جرثومة العنصرية الفتاكة ووباء الاستعمار ولا تزال تعيش الحنين لتلك المرحلة، على رغم كل أكاذيب الحديث عن المفهوم الحضاري للعلاقات الدولية، ومزاعم الترويج لمفهوم الأخوة الذي يربط شعوب العالم.

رد الفعل الجزائري كان سريعاً، وعبر عن شخصية وطنية لا تساوم على قيمها وهويتها ولا تقبل الإهانة، بخلاف ما جرى عندما تلقت بلدان أخرى الإساءات التي استهدفتها عبر لغة التخاطب أو الإساءة لرموزها التاريخية أو الثقافية أو السياسية، ومسحت بها جلدها تحت شعار التعالي على الجراح، مقدمة نموذجاً للخنوع والضعف الذي لا يليق بالشخصية الوطنية والكرامة والعنفوان لأي شعب يضع كرامته في المرتبة الأولى لعلاقاته بالخارج، بعيداً من لعبة البيع والشراء وحسابات الربح والخسارة.

يقدم الموقف الجزائري وما فيه من نخوة وطنية وقومية مثالاً يستحق التحية لكيفية التعامل مع الشخصية الاستعمارية العنصرية، والإصرار على اعتبار الكرامة الوطنية فوق أي اعتبار سياسي واقتصادي، وتقديم التعامل الندي بين الدول شرط لأي علاقات سياسية أو دبلوماسية، فتؤكد الجزائر بذلك أنها لا تزال دولة تليق بصفتها حاملة إرث المليون شهيد، وأن المسؤولية عن حفظ التضحيات والدماء والذاكرة ليست مفردات سياسية قابلة للتغيير مع تغير أشكال الحكومات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى