«ديمقراطية» الاستبداد في الحرمين

} شوقي عواضة

إذا فرضت على الإنسان ظروفٌ غير إنسانيّةٍ ولم يتمرّد سيفقدُ إنسانيّته شيئاً فشيئاً. بتلك الكلماتِ أوقد المناضلُ الأمميّ تشي غيفارا شعلة الثّورة ضدّ الغزاة. وعلى مدى تاريخ الإنسانيّة ما من إنسانّ سويٍّ وحرٍّ وشريفٍ إلّا وصاغ حرفاً في أبجدية الأحرار تقول إنّ الحرّيّة تُنتزع ولا تُعطى، وإنّ السّيادة تُفرض ولا تُستعطى.

تلك هي فطرةُ الأُباة والأحرار التي لم ولن تجدها في الطّغاة والجبابرة والمستبدّين الذين يرون أنّ حرّيّة الرّأي هي أخطر أعدائهم والموقف هو السّلاح الأشدّ فتكاً بهم، فكيف إذا كان الموقف من وطنٍ أذلّ الجيش الذي قيل بأنّه لا يُقهر، وكيف إذا كان التمرّد على الظّالم من أمّةٍ ما نامت على ضيمٍ ولا هادنت محتلّاً، وكيف إذا كان الرّأي على لسان رجلٍ ما استكان لباطلٍ ولا داهن الأمراء والسّلاطين، وما كان من كُتّاب البلاط الملكي وشعرائه، إذاً لازداد الأمر خطورةً وفتكاً بالمستبدّين وأرعبهم، لا سيّما أنّ المتمرّد السّيادي هو جورج قرداحي الإنسان قبل الإعلامي والوزير، حيث استفزّت إنسانيّته مشاهد العدوان على اليمن وقتل أطفاله ونسائه وشيوخه، وتدمير أقدم الحضارات في العالم على يد من مزّقوا الوطن العربي ودمّروه تحت عنوان الدّيمقراطيّة والتّغيير وفرض الشّرعيّة. وهم الطّغاة الفاقدون للشّرعيّة في بلادٍ لا يوجد فيها دستورٌ للحكم مستمدّين شرعيّة حكمهم من بريطانيا وأميركا، يريدون فرض الدّيمقراطية والحريّة وهم الأكثر استبداداً.

وللتّذكير نورد لمحةً تاريخيّةً عن الكيان السّعودي بدوله الثّلاث مروراً بمرحلة توحيده في 23 أيلول/ سبتمبر عام 1932، وصولاً إلى يومنا هذا.

ثمّة تشابهٌ كبيرٌ بين نشوء الكيان السّعودي وإعلان قيام الكيان الصّهيوني عام 1948. وفقاً لما أثبتته الوثائق في ما يلي:

1 ـ تبنّي بريطانيا رسميّاً لقيامهما ودعمهما ماليّاً ولوجستيّاً من (مراسلات السّير بيرسي كوكس، معاهدة دارين، اتفاقيّة سايكس بيكو ووعد بلفور).

2 ـ التّخطيط للانقضاض والسّيطرة على أرض الحجاز من خلال الغزوات التي شنّها ابن سعود ومحمد بن عبد الوهاب وارتكاب المجازر بحقّ آل الرشيد والقبائل والعشائر، وفي فلسطين على يد العصابات الصّهيونية من شتيرن والهاغانا وغيرها…

3 ـ الدّور الوظيفي للكيانين في المنطقة العربيّة (تفتيت الأمّة وتدمير قدراتها وسرقة خيراتها بإدارةٍ بريطانيّةٍ سابقاً وأميرييّةٍ لاحقاً).

4 ـ تميُّز الكيانين بالعنصريّة والتّشدّد (نظريّة شعب الله المختار وأهل الجنّة).

ثمّة تنسيق سريّ بين الكيانين منذ نشوئهما حيث ذكر ميخائيل كاهانوف الضّابط السّابق في وحدة الاستخبارات العسكريّة في الخمسينيات، ومسؤول وحدتي «كيشيت» و«تزوميت» التّابعتين للموساد في كتابه «المملكة العربيّة السّعوديّة والصّراع في فلسطين»  الصّادر عام 2012 يتحدّث فيه عن تســامح ابن سعود مع فكرة قيام دولةٍ فــي فلسطين يكــون لليهود فيها دورٌ كبيرٌ بمعــيّة بريطانيا.. ويكشف كاهانوف عن لقــاءاتٍ عدّةٍ جرت بين مستشاري الملك عبــد العزيز وبن غوريون ومسؤولين صهايــنةٍ بالأسماء والتّواريخ، ويذكر خطّــة جــون فيليــبي مستشار عبد العزيز حــول الحــلّ في فلسطين، لرفض خيار الفيــدراليّة العربيّة بين لبنان وســورية وفلــسطين والأردن، واليوم خرجــت هــذه العلاقات إلى العلن، وأصبح الكيانان كيــاناً واحداً بل أنّ الكيــان السّــعودي  في عهد ابن سلمان أصبح أكثر حماسةً لخوض حروب الكيان الصّهيوني، وتحوّل الأنظمة الخليجيّة إلى دشمٍ ومتاريسَ تحمي الكيان الصّهيوني من أيّ تهديدٍ من محور المقاومة…

كلّ ذلك غيضٌ من فيضٍ في الدّور التآمري للكيانين على الأمّة، وما شاهدناه في ربيعهم العبريّ حديثاً دليلٌ حيٌّ على ذلك، فالكيان الذي لم يدافع عن فلسطين لا بيدٍ ولا بلسانٍ ولا بأضعف الإيمان اشتدّ بأسه على الأمّة حين قام بالسّيف بدعم ما يُسمّى «إخوان» من أطاع الله التي أسّسها آل سعود عام 1911 ولاحقاً حين ولد من رحمه ما يسمّى بالقاعدة وداعش وغيرهما، وجادَ بـ «مكرماته» في تصدير إرهابيّيه إلى سورية واليمن وليبيا والبحرين وانتحاريّيه إلى لبنان والعراق، لم يُعف من إرسال المقاتلين إلّا فلسطين التي أسقطها من قاموسه. صدّر الحرّيات إلّا لشعبه الذي أعطاه خيارين للتّعبير عن رأيه إمّا في السّجن أو في القبر، والشّواهد على ذلك كثيرةٌ منها قضية القاضي الأسبق في القطيف الشّيخ عبد الله الخنيزي الذي ألّف كتاباً بعنوان (أبو طالب مؤمن قريش) فصدرت بحقّه فتوى بالكفر والإعدام من قبل مفتي عام المملكة الأسبق الشّيخ محمد بن إبراهيم عام 1969، ثمّ خطف الكاتب والإعلامي السّعودي ناصر السعيدي عام 1979 صاحب كتاب تاريخ آل سعود الذي تمّ خطفه من بيروت وتمّ رميه من الطّائرة وفقاً لما كشف لاحقاً لتتوالى عمليّات الاعتقالات والقمع والإعدام ومنهم الشّيخ نمر باقر النمر الذي اعتقل عدّة مرّاتٍ وتمّت تصفيته بحكمٍ من المحكمة الجزائيّة بالإعدام عام 2016، واجتياح مدينة العوامية التي لا تزال شاهداً حيّاً على إجرام النّظام بعد تدميرها. أمّا الكاتب الصّحافي جمال خاشقجي فتمّت تصفيته وتقطيعه عام 2018، في القنصليّة السعوديّة في إسطنبول.

واستمراراً في قمع أحرار العالم نشط نظام آل سعود بأبواقه وعبيده باستهداف وزير الإعلام الحرّ على خلفيّة إبداء رأيه في العدوان على اليمن منطلقاً من باب الحرص على وحدة العرب دون الإساءة لأحدٍ. فكان الرّدّ باستدعاء سفراء لبنان في الكيانات الخليجيّة وإصدار بيان من دول مجلس التآمر الخليجي والمطالبة بإقالة الوزير قرداحي لم ينقص الهجوم على الوزير إلّا استدعاء مجلس الأمن تحت الفصل السّابع للتّدخّل عسكريّاً وحلّ النزاع لأنّ طغاة آل سعود لم تعتد آذانهم على استماع كلمة الحقّ، فقد ختم الله على قلوبهم وأبصارهم فهم صمٌّ بكمٌ عميٌ لا يفقهون…