أولى

العرب الأميركيون يحققون مكاسب تاريخية في الانتخابات البلدية بولاية ميشيغن!

خليل اسماعيل رمّال*

في الوقت الذي يتخبّط فيه العالم العربي بين حرب عبثية وانقسامات عميقة واصطفافات مقيتة وتطبيعات مذلة، حقق العرب الأميركيون إنجازات تاريخية فريدة من نوعها في الانتخابات البلدية الداخلية في ولاية ميشيغن تحديداً التي تقطنها أكبر نسبة من العرب خارج الشرق الأوسط.

النصر التاريخي الأول تمّ بفوز أول عربي أميركي مسلم هو عبدالله حسين حموُّد، الذي تحقق في مدينة ديربورن. هذه المدينة تُعتبر عاصمة العرب الأميركيين رغم أنّ الجاليات العربية في أكبر ولاية أميركية هي كاليفورنيا قد تكون أكبر عدداً من جالية ديربورن، لكنها متفرّقة وموزعة بين عدة مدن، أما في ميشيغن وفي ديربورن بالذات، التي يبلغ عدد سكانها 110 آلاف نسمة نصفهم من العرب و26 بالمئة منهم مهاجرون جدد يزيدون كلّ يوم بسبب النزوح المستمرّ إلى المدينة، وتفضيل العرب العيش بقرب أقاربهم والأصدقاء، فيشكلون مجمعاً جالياتياً وكثافة بشرية نوعية وعددية كبيرة.

وقد تأسّست مدينة ديربورن، يوم إعلان دولة لبنان الكبير منذ ١٠٠ عام، لكن الفرق أنّ مؤسّسها لم يكن مجرم الحرب الفرنسي، بل هنري فورد مؤسّس شركة فورد للسيارات الذي بدأ عصر هجرة اليد العاملة العربية من لبنان واليمن وفلسطين لصناعة السيارات ولذلك تحمل ديربورن «وطن هنري فورد»!

التواجد الفعلي للجالية العربية في المدينة بدأ منذ نصف قرن تقريباً ويعود الفضل العرب بإنقاذها من الاضمحلال والغرق في عتمة المدينية الحديثة التي من مظاهرها الجريمة وانخفاض أسعار البيوت وخلوّها من السكان، لكنهم بقوا مهمّشين وغير ممثلين في الوظائف البلدية أو المراكز (تماماً مثل وطنهم الأصلي). ولكن بعد هذه المدة الطويلة وبعد طول عناء وتربية أجيال جديدة، تمكنوا من إيصال أحد أبناء الجالية إلى أعلى موقع بلدي فيها ومن هنا سبب الفرحة العامرة. ولمعرفة أهمية فوز حمُّود علينا أن نعرف أنه الرقم ٧ فقط كرئيس للبلدية مما يعني أنه لأول مرة منذ ٣٦ سنة لم يترشح رئيس بلدية حالي لولاية ثانية، ومعظم الرؤساء السابقين بقوا في السلطة عدة عقود ومن بينهم أورڤيل هابارد الذي دام حكمه 13 عاماً ويعود له «الفضل» في إرساء العنصرية ضدّ الأقليات، وكاد يدخل السجن بسبب كرهه ومنعه الأميركيين الأفارقة من دخول المدينة، ولم يكن العرب مخطئين عنده أيضاً.

ورغم هذا التاريخ العنصري لا يزال هناك حتى اليوم مؤيدون له من الجيل القديم بحيث أنّ أيّ إسم أخير يحمل عائلة هابارد، يصوّتون له فوراً من دون تردّد ولو كان غير مؤهّل. هذه صورة عن الإقطاع الهاباردي بكلّ تجلياته حتى في أميركا.

واستناداً على هذا التاريخ العنصري، قام مايكل غايدو بحملة انتخابية عام 1985 حملها شعاراً عنصرياً بغيضاً ضدّ العرب هو «لنتحدّث عن مشكلة العرب»، ففاز بأصوات العنصريين من مؤيدي «صدام» هابارد طبعاً وبقي في السلطة طيلة عقدين من الزمن وتمكّن من تشتيت العرب باتباع سياسة فرّق تسد، إلى أن خطفه المرض من القصر إلى القبر، وحل مكانه جاك أورايلي الذي ورث عن أبيه الحكم، إلى أن حلّ به المرض منذ عامين فلم يترشح لولاية  جديدة، مما جعل الفرصة سانحة لحمود عضو مجلس نواب ولاية ميشيغن والذي أبلى بلاء حسناً في وظيفته، فجنَّد طاقات عنصر الشباب والكبار وقدَّم حدوداً واقعية لمشاكل المدينة ليصبح الحلم حقيقة.

ولعلّ العامل الأكبر الذي ساهم فعلاً في حسم الفوز هو الاتفاق التاريخي الذي تمّ بين منظمات العمل السياسي والجمعيات العربية الأميركية من لبنانية ويمنية وعراقية وغيرها، للاتفاق على لائحة انتخابية واحدة ودعم حمُّود مع ٧ مرشحين عرب للمجلس البلدي اختيروا من بين ١٤ مرشحاً. هذا التوافق حصل لأول مرة ونجح رغم محاولات بعض المتعدّين على الإعلام العربي الأميركي، وتواطؤ وطعن أحد المرشحين العرب الذي لم يتمّ اختياره بسبب عدم أهليته وهو ثامن مرشح (والمقاعد المطلوبة سبعة فقط)، ومحاولته التملق للعنصر الأبيض وانتقاد اللائحة العربية ووصفها بالعنصرية، بسبب المؤهّلات العلمية والأكاديمية الهائلة للمرشحين العرب التي جعلتهم متفوّقين على أترابهم من الأعضاء الحاليين أو المرشحين البيض الذين لم يتمكّنوا من اجتراح حلول لأيّ من مشكلات المدينة المزمنة كالضرائب والبنية التحتية المهترئة التي سبّبت ٤ فيضانات حتى الآن.

وقد حاول الإعلام الأميركي استخدام العنصرية والادّعاء بترويع الناخبين الذين لا يريدون التصويت لحمود، عن طريق استغلال رسالة على الواتساب لكاتب هذه السطور يدعو فيها العرب لعدم التشطيب ودعم اللائحة الموحدة كما هي من دون تضمين أيّ صوت آخر من غير العرب لأن هذا سيخرق اللائحة لغير مصلحة العرب ذلك لأنّ باقي المقترعين البيض ستصبّ أصواتهم لغير المرشحين العرب، مما يعني أنّ أيّ صوت لهم سيأخذ من طريق لائحتنا الموحدة وهذا حقّ من حقوقنا الدستورية أن ندعم لائحة موحدة متكاملة كما فعل فوج الإطفاء في المدينة مثلاً الذي ألف لائحة عنصرية ضدّ العرب. وقد حصل ما حذرنا منه لأنّ بعض المقترعين العرب انتخب أسماء محدّدة لا كلّ اللائحة فتم خرقها بأربعة أعضاء غير عرب في المجلس البلدي.

الا انّ النتيجة العامة كانت ممتازة بفوز حمُّود ورئيس المجلس البلدي مايك سرعيني تبعه أول عراقي أميركي هو كمال الصوافي، وقد تمّ استخلاص الدروس والعِبَر لجولة جديدة مقبلة أولها الاهتمام بالتصويت الغيابي المبكر ووضع لائحة متكاملة والترويج لها قبل الانتخابات بمدة طويلة والاستمرار في التوافق على أسماء موحدة.

وكما في ديربورن نجح العرب في مدينة ديربورن هايتس، المحاذية لديربورن، بتثبيت بيل بزي رئيساً للبلدية كمُنتَخَب مباشرةً بعد تعيينه مؤقتاً بسبب وفاة الرئيس السابق للبلدية، كما فاز عربيان بمقعدين بالمجلس هما حسن أحمد ومو بيضون.

وفي هامتراميك، جارة ديترويت، فاز أول يمني أميركي هو أمير غالب ليصبح أول يمني يترأس بلدية مدينة مهمة.

*صحافي لبناني في الولايات المتحدة الأميركية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى