أولى

تداعيات «العلاقات الكثيفة» بين دويلة الإمارات والكيان الصهيوني

 د. جمال زهران*

الحديث عن «العلاقات الكثيفة»، هو حديث عما هو غير معتاد في العلاقات الدولية. فالمعتاد عند تطبيع العلاقات، في حال أن هناك حالة حرب أو قطيعة، أو عدم وجود علاقات من الأصل، أن يتمّ التطبيع على مراحل، وتدريجاً، وتصاعدياً، وليس عن طريق القفزات والصعود السريع والانتقال من القمة في الحكم أو السلطة، إلى القاعدة وهي الشعب.

فما حدث بين دويلة الإمارات والكيان الصهيوني، من تأسيس العلاقات وتطورها وتصاعدها خلال أشهر معدودة، إنما يكشف عن حالة شاذة في العلاقات الدولية. حيث لم تكن بين الدولتين حالة حرب أو حالة أزمة، أو قطيعة في العلاقات كانت قائمة، إنما هي حالة شاملة بين طرفين هما: العرب وعددهم «22» دولة، والكيان الصهيوني على الطرف الآخر، تتعلق بحالة استعمار الدولة الفلسطينية واحتلالها، وارتباط ذلك بموقف عربي موحد. ولذلك فإنّ ما رأيناه ونلاحظه من نمط العلاقات الكثيفة بين الإمارات، والكيان الصهيوني، هو نمط غير مألوف وغير مسبوق، ويقطن في المربع «الشاذ»، في نمط تطبيع العلاقات بين الدول. ولنتذكر أن الدولة العربية الأولى في تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهي مصر في عهد «السادات»، في أعوام 1977 و1978 و1979، اكتفت أو توقفت عند المستوى الرسمي، والفوقي في السلطة، ولم ينزل إلى القاعدة الشعبية المصرية على الإطلاق.

وتكفي الإشارة إلى مجرد لقاء بين المدعو محمد رمضان، مدعي أنه الفنان الشامل والرقم (1)، وبين لاعب صهيوني، انقلبت مصر وشعبها رأساً على عقب، وأصبح هذا الشخص منبوذاً! فضلاً عن شخصيات أخرى كانت تحظى بتقدير شعبي، لمجرد أنه أعلن أنه سيزور «إسرائيل» ويغني فيها، انقلب الشعب عليه، وأعلن معاداته، فاضطر إلى التراجع، فضلاً عن نبذ كل من تعامل مع الكيان الصهيوني وأشهرهم الكاتب علي سالم! ويرجع ذلك إلى الموقف الشعبي الرافض الذي شمل جميع النقابات المهنية والعمالية والرياضية إلخ…

وقد شاهدنا لاعبي النادي الأهلي بعد فوزهم بكأس أفريقيا الذي تمّ تنظيمه في قطر، أن رفعوا علم فلسطين في الملاعب وعلى أعين جميع القنوات الفضائية العالمية والعربية. ولا تزال العلاقات المصرية مع الكيان الصهيوني، محدودة ولم تتجاوز حجم التعاملات الاقتصادية الـ200 مليون دولار سنوياً، بخلاف التعاملات السياسية الفوقية في مسألة الغاز واتفاقيات طويلة المدى!

لذلك فإننا ننبّه إلى أن ما يجري بين الإمارات العربية والكيان الصهيوني، هو أمر خطير، وغير مسبوق، وفي ذات الطريق البحرين، بدعم ورعاية سعودية، وأيضاً المغرب بشبكة علاقات شاملة عسكرية- اقتصادية وغيرهما، وفي الخلفية الأرض الصحراوية ومحاولة المغرب لاقتناصها، ولكن هناك معارضة شعبية واسعة في المغرب ربما تعوق أو تفرمل هذا التطور المغربي- الصهيوني في علاقتهما. ولذلك نرى أهمية رصد تداعيات هذه العلاقات الكثيفة بين دويلة الإمارات والكيان الصهيوني، وهي غير المسبوقة كما سبقت الإشارة. ويمكن ايجازها وتركيزها في ما يلي:

1- إعطاء عمر إضافي للكيان الصهيوني، الذي كان قد أوشك على الزوال، لانتهاء عمره الافتراضي، وذلك من خلال دعم هذا الكيان باستثمارات إماراتية ضخمة تتجاوز الـ10 مليارات دولار، وإقامة صندوق استثمار مشترك. وهو لا شك يمثل ضرراً بالغاً للقضية الفلسطينية وشعبها، واضح المعالم.

2- تأجيل حسم القضية الفلسطينية، عن طريق أي مفاوضات، ومن ثم الضرر بالسلطة الفلسطينية المحاصرة بين «المطرقة والسندان»، فلا هي أقامت دولة فلسطينية حقيقية، ولا هي قد حرّرت القدس، ولا هي قد وصلت إلى اتفاقيات حاسمة في مواجهة الكيان الصهيوني، وتأتي تطورات في العلاقات الصهيونية- العربية عبر عدة دول في مقدمتها دويلة الإمارات بامكانياتها الاقتصادية الضخمة، لتضر بالقضية الفلسطينية، وفي نفس الوقت تدعم الكيان الصهيوني، فتزداد أوراقه التفاوضية بالقوة المضافة، في مواجهة الفلسطينيين والعرب.

3- الاخلال بموازين القوى بين الكيان الصهيوني والدول العربية عموماً، والفاعلة بصفة خاصة في النظام العربي، وذلك بالامتداد الجغرافي لنفوذ هذا الكيان إلى منطقة الخليج العربي، حيث يستفيد هذا الكيان الصهيوني بامكانيات هذه المنطقة لصالحه بما يدعم اقتصاده، ويدعمه عسكرياً ومعنوياً بكسر حالة الحصار العربي ضده. ولذلك يعتبر الصهاينة أن ما حصلوا عليه في هذا السياق، هو انتصار بكلّ المعايير. والصحيح طبعاً، أنه لا يجب اغفال سطوة ونفوذ أميركا في عهد ترامب ضد نظم الحكم الإرثية في الخليج، في عهد الرئيس المتغطرس الأميركي السابق «ترامب». وأي قياسات للقوى، ستؤكد هذا الاستخلاص.

4- صهيونية منطقة الخليج العربي، وهو النظام الفرعي من النظام العربي الأصلي، باستثناء الكويت حتى الآن، حيث امتد النفوذ الصهيوني لهذه المنطقة. وبالتالي ستكون المواجهة خليجية- صهيونية، وفي المقابل جمهورية إيران الإسلامية. بعبارة أخرى فإنّ صهيونية الخليج، ستسهم في إشعال المواجهة المحتملة بين إيران والكيان الصهيوني، عبر منطقة الخليج العربية.

5- تمكين الصهيونية من الانتشار الجغرافي والاقتصادي والعسكري، في منطقة الخليج عبر الرعاة «الإمارات- السعودية» وبقية الدول، باستثناء الكويت، كما سبقت الإشارة، يسهم في مد الذراع الصهيونية إلى هذه المنطقة. حيث أنه عقدت اتفاقية بين الإمارات والكيان الصهيوني، تضمنت منح 15 ألف شخص صهيوني، للجنسية الإماراتية. وهو الأمر الذي يؤدي إلى انتشار «صهيوني- يهودي» في الإمارات ومنها التسلل إلى جميع دول الخليج بلا استثناء، عبر اتفاقيات مجلس التعاون الخليجي، التي تسمح بالانتقال والشراء والبيع، لمواطني هذه الدول. وطالما أصبح الصهاينة يحملون الجنسية الإماراتية، أي أصبحوا مواطنين خليجيين، فإن ذلك يسمح لهم بالشراء والبيع والتجول بلا موافقات سابقة، بل هو حق من حقوقهم كمواطنين إماراتيين! ومن حقهم أيضاً شراء أصول هذه الدول والتحكم فيها لصالح المشروع الصهيوني- الأميركي الاستعماري أصلاً، فضلاً عن امكانية التزاوج، في إطار الدعوة للمشروع الصهيوني وهو «الدين الإبراهيمي».

6- توسع المشروع الصهيوني، ليس بالتواجد فقط ولكن بالنفوذ، والعكس، حيث أن المشروع التقليدي للصهيونية يتمثل في إنشاء دول «إسرائيل»، من النيل إلى الفرات وهو حادث الآن، نفوذاً ووجوداً، وتكفي الإشارة إلى أن هناك أصوات في مصر أشارت إلى أن حسم أزمة سد «الخراب» مع أثيوبيا، يأتي عبر الكيان الصهيوني! وهو ما حدث في محادثات على أعلى مستوى بين مصر والكيان!

أما بعد امتداد العلاقات الكثيفة بين دويلة الإمارات والكيان الصهيوني، فإنّ المشروع الصهيوني الآن هو إنشاء دولة «إسرائيل من الخليج- الذي أصبح صهيونياً- إلى المحيط الأطلنطي على شاطئ المغرب، عبر نهري النيل والفرات! إنها لكارثة حقيقية على النظام العربي.

وختاماً، تلك هي التداعيات الست الكبرى والاستراتيجية التي أمكن رصدها، جراء ما تم من علاقات كثيفة بين دويلة الإمارات، والكيان الصهيوني، خلال أشهر سابقة معدودة، فما بالكم بالمستقبل، ومن يغيّر هذه التداعيات لصالح العربي، ذلك هو تناول آتٍ بإذن الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى