أولى

بعد العراق وأفغانستان… لماذا اعتمد الجيش الأميركي ميزانية 768 مليار دولار؟

نشر موقع «ڤوكس» الأميركي مقالاً لجوناثان جوير، أحد كبار الكتاب في مجال السياسة الخارجية، حول أسباب زيادة ميزانية الجيش الأميركي حتى بعد انتهاء الحرب في العراق وأفغانستان.

في مستهلّ مقاله، يشير الكاتب إلى أنّ الرئيس جو بايدن انسحب من أفغانستان هذا الصيف وسط هرج ومرج، وسار على نهج سلفه في تقليص وجود الجيش الأميركي في العراق. غير أنّ الكونغرس أقرّ في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2021 ما يعدّ وفقاً لبعض المقاييس أكبر مشروع قانون للإنفاق الدفاعي في التاريخ، بنحو 768 مليار دولار، وهي أكبر من الميزانيات التي أُقرِّت خلال سنوات الحرب الفيتنامية والكورية، وأكبر من التعزيزات العسكرية لرونالد ريجان. والمرة الوحيدة التي كانت فيها الميزانية أكبر من ذلك كانت في عام 2011، في الوقت الذي بلغ الجيش الأميركي ذروة نشاطه في أفغانستان والعراق.

 ويتساءل الكاتب: كيف يمكن أن يفوّض الكونغرس بـ30 مليار دولار زيادة على آخر ميزانية استفاد منها الجيش الأميركي في فترة حكم ترامب حتى مع انتهاء تلك الحروب؟ ويجيب موضحاً أنه عندما انتهت الحرب الباردة مع روسيا في تسعينات القرن الماضي، أقرّ القادة العسكريون بأنّ الإنفاق يمكن أن ينخفض ​​إلى النصف مع استمرار الحفاظ على الأمن. ونجح الرئيس جورج بوش الأب في خفض التمويل الدفاعي بنسبة 9٪، ثم خفض الرئيس بيل كلينتون في البداية حوالي 8٪ أو أكثر.

لقد سعيا إلى إعادة استثمار تلك الأموال في الوطن، فيما سُمِّي «عائد السلام»، لكن المشرِّعين الجمهوريين قاوموا، وفشل كلينتون في تغيير الميزانية العسكرية حقاً. وبدأ الإنفاق الدفاعي في الارتفاع أواخر التسعينات، وارتفع إلى مستويات أعلى بعد 11 سبتمبر (أيلول).

الجيش الأميركي و«مكاسب السلام”

يلفت الكاتب إلى أنه في عام 2021، وعلى الرغم من مغادرة أميركا للعراق وأفغانستان، لم تتحقق حتى مكاسب السلام. تقول ماندي سميثبيرغر من مشروع الرقابة الحكومية: «مع انسحابنا من أفغانستان كان ينبغي أن نجري نقاشاً حقيقياً حول فرص تحويل التمويل العسكري إلى مجالات أخرى، وتخفيض الإنفاق على الأعمال العسكرية”.

وظهر مصطلح «إعادة البناء على نحو أفضل» نحو 12 مرة في الإستراتيجية الأمنية المؤقتة للبيت الأبيض، وألمح بايدن نفسه إلى إمكانية تحقيق مكاسب السلام خلال أكثر أيام الانسحاب من أفغانستان فوضى في أغسطس (آب) 2021، وصوَّر الحرب على أنها تبذير: «يجب على الشعب الأميركي أن يسمع هذا: 300 مليون دولار يومياً لمدة عقدين… ما مقدار الفرص التي فقدناها نتيجةً لذلك»؟ لكنه لم يذهب أبعد من حد الكلام.

وبعد الجائحة التي أظهرت حدود الأمن القومي القائم على أنظمة الأسلحة والقوات وحدها، تحمّس عدد من أعضاء الكونغرس التقدميين لإعادة توجيه الأموال إلى إعادة البناء. وحثَّت النائبة باربرا لي، التي عارضت حرب العراق عام 2003، و22 من زملائها، بايدن في مايو (آيار) على إعادة تحديد الأولويات بعد «تحرير ما يصل إلى 50 مليار دولار من خلال سحب القوات من أفغانستان». فلماذا لم يحدث هذا؟

الجواب: ترى مؤسسة الأمن القومي أن الصين تمثل تهديداً ملحّاً، بينما تستمر المصالح الراسخة لصناعة الأسلحة.

وعلى الرغم من أن أميركا لم تعد موجودة في أفغانستان، يستمر دافعو الضرائب – الأميركيون – في تحمّل تكاليف الانتشار العالمي الهائل للجيش الأميركي، وفي غياب إعادة التفكير في كيفية رؤية واشنطن للأمن القومي ودور الجيش الأميركي في السياسة الخارجية، فمن غير المرجح إجراء تخفيضات كبيرة.

الإجابة: الصين!

يتحدث الجميع في واشنطن عن «منافسة القوى العظمى» أو «المنافسة الإستراتيجية» مع الصين – وبالنظر إلى هذا التهديد، لا أحد في السلطة يهتم بخفض الميزانية العسكرية. يقول خبير الميزانية الدفاعية تود هاريسون في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: «داخل مجتمع الأمن القومي في العاصمة، إنها حقاً الصين، الصين، ثم الصين”.

لم يعتقد الكونغرس أن بايدن وفَّر ما يكفي لمحاربة الصين في طلب ميزانية الدفاع، لذلك أضاف المشرّعون حوالي 25 مليار دولار. وأضاف الكونغرس 2 مليار دولار فوق طلب بايدن لما عُرف باسم «مبادرة الردع في المحيط الهادئ» لمواجهة الصين؛ مما رفع خط هذا البند في الميزانية إلى 7.1 مليار دولار. والمخاوف المحيطة بالقوة البحرية الصينية تعني 4.7 مليار دولار إضافية لبناء السفن، وإضافة أكثر من 3.5 مليار دولار لبناء قاعدة عسكرية فوق ما طلبه بايدن.

وبحسب الكاتب فإن واشنطن قلقة بشأن القدرات التكنولوجية الجديدة للصين. واقترح بايدن تعزيز البحث والتطوير بنسبة 5٪، ثم بعثر الكونغرس 5.7 مليار دولار إضافية؛ مما رفع مبلغ البحث والتطوير العسكري إلى 117.7 مليار دولار.

وقال ويليام هارتونغ من مركز السياسة الدولية: «كان هناك تأييد كبير من الحزبين لفكرة أن الصين تشكل تهديداً عسكرياً كبيراً. وأعتقد أن هذا منظور مبالغ فيه، وهناك قلة من المناصرين للسيطرة على ميزانية البنتاجون”.

ويعتقد الساسة الأميركيون أنّ قوة الولايات المتحدة تتقلص مع توسيع الصين لنفوذها العالمي. وأدَّى الخطاب العدائي المتبادل من واشنطن وبكين إلى زيادة التوترات وتداعياتها. يقول هاريسون: إنّ الجيش الأميركي «يسلِّح نفسه من أجل حرب فعلية مع الصين، لاسيما من أجل حرب بشأن تايوان”.

غير أنّ المتشككين في التشدّد الجديد إزاء الصين يحذرون من أنه من غير المرجّح أن يتخذ الصراع مع الصين الشكل التقليدي للحروب السابقة. يقول خبراء الدفاع، إن الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا وأمن الموارد والإمدادات سيجنب الأميركيين صراعات القرن الحادي والعشرين أكثر بكثير من سباق التسلُّح. ولكن بعض الديمقراطيين أكثر تشككاً، ويعتقدون أن إدارة بايدن تضخِّم التهديد الصيني، وفقاً لما ذكره أحد كبار النواب الديمقراطيين في مجلس الشيوخ.

المقاولون أكبر الرابحين

لا يريد أحد أن يخاطر بأن يُنظر إليه على أنه يريد تخفيض ميزانية الدفاع، فقد صوّت 88 عضواً بمجلس الشيوخ لصالح الدفاع للسنة المالية 2022، وصوّت 11 فقط ضده؛ والمجمع الصناعي العسكري يشكل واشنطن منذ ما يقرب من القرن. يقول هارتونغ من مركز السياسة الدولية إنّ حوالي نصف ميزانية الجيش الأميركي تذهب إلى المقاولين، الذين يجرى تعهيدهم للقيام بكلّ شيء من اللوجستيات إلى الدعم المكتبي والعمل الاستخباراتي والأمن الخاص، وكان قد أشار أيضاً إنّ «المقاولين هم أكبر الرابحين». وفقاً لخدمة أبحاث الكونغرس، هناك 464 ألفاً و500 مقاول بدوام كامل يعملون في وزارة الدفاع.

يلمح الكاتب إلى أنّ صناعة الدفاع أنفقت 98.9 مليون دولار حتى الآن في عام 2021 في ممارسة الضغوط، وفقاً لمنظمة «Open Secrets» غير الربحية. وشركة لوكهيد مارتن، إحدى أكبر خمس شركات عسكرية في البلاد، موجودة في كل ولاية.

هناك أيضاً ملايين الدولارات من تبرعات المقاولين العسكريين للمراكز البحثية في واشنطن. ووفقاً لموقع ذي إنترسبت، يتلقى العديد من الخبراء الذين يظهرون بانتظام في وسائل الإعلام «إعانة من صناعة الدفاع». ويصوّت المشرعون الذين يتلقون تبرعات من شركات الدفاع لزيادة الإنفاق.

والبعض يقول بقدرة الإنفاق الدفاعي على خلق الوظائف. نعم، كل دولار يخلق وظائف في مكان ما، ولكن نظراً لأن الاستثمارات العسكرية التي تتميز بكثافة رأس المال ويُنفَق كثير منه في الخارج، يولد الإنفاق الدفاعي وظائف أقل من أموال الصناعات الأخرى.

تقول عالمة الأنثروبولوجيا كاثرين لوتز من مشروع تكاليف الحرب في براون: «عندما تبدأ شيئاً ما، غالباً ما يكون من الصعب جداً التخلص منه، ويكون لدينا ما أسميته الجيش الأميركي الطبيعي”.

ويشير الكاتب إلى أنّ الولايات المتحدة منخرطة في «صراعات ظل» في جميع أنحاء العالم بأكثر من 750 قاعدة أو منشأة في 80 دولة. وفي العام الماضي، نشرت قوات كوماندوز العمليات الخاصة في 154 دولة.

خذ أفغانستان مثالاً؛ لن يدرِّب البنتاغون بعد الآن القوات الأفغانية ويسلِّحها بمبلغ 3.8 مليار سنويّاً كما فعل سابقاً، لكن القيادة المركزية الأميركية لم تزل تراقب تهديدات من تصنفهم إرهابيين محتملين، مثل جماعات «داعش» في البلاد.

وسأل السيناتور بيرني ساندرز مكتب الميزانية في الكونغرس عن كيفية تحقيق ميزانية عسكرية أصغر، فخرج بخيار لتقليص الميزانية تدريجياً على مدى العقد المقبل ـ وانتهى به الأمر إلى توفير تريليون دولار.

وخلال الحملة الانتخابية، لم يدعُ بايدن إلى إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق العسكري. وقلَّص اقتراح ميزانية 2022 الذي أرسله إلى الكونغرس الإنفاق الدفاعي بنسبة 2٪، مع تخفيضات طفيفة في بناء القواعد ومشتريات الأسلحة. وقالت كاثلين هيكس، الشخصية رقم 2 في الوزارة في جلسة تأكيدها: «هناك طرق تجعل وزارة الدفاع أكثر كفاءة، لتكون أكثر فاعلية”

معدات قديمة.. هَدر وسوء استخدام

وينوّه الكاتب إلى أنّ الجيش الأميركي اقترح أفكاراً لتوفير المال. فبحسب تقارير أفرع الجيش والبحرية والقوات الجوية إنّ هناك أنظمة أسلحة قديمة، وقواعد غير ضرورية يمكن إغلاقها، وسفن وطائرات قديمة يمكن إخراجها من الخدمة.

وأرادت القوات الجوية سحب عشرات الطائرات الهجومية القديمة من طراز ايه-10، لكن الكونغرس لم يسمح بحدوث ذلك. وقال وزير القوات الجوية فرانك كيندال مؤخراً: «علينا التخلص من بعض تلك الطائرات حتى نتمكن من تحرير الموارد، ومواصلة التحديث».

ويرى بعض المحافظين أيضاً أن هذا الإنفاق على الأسلحة القديمة والمشروعات القديمة خسارة. يقول ماكنزي إيجلن من معهد أميركان إنتربرايز إن الكونغرس، إذا كان يبني برنامجاً دفاعياً من الصفر، يمكن أن يجعل الميزانية أصغر ويحافظ على سلامة الأميركيين. وطريقة شراء البنتاجون للأسلحة وعقود العمل، تؤدّي حالياً إلى الاحتيال، والهدر، وسوء الاستخدام.

لقد أضاع بايدن، مثل كلينتون، فرصة جني عائد السلام. وبعد بعض المواقف الأولية، لم يتطرق كلينتون إلى الحروب التي انخرطت فيها أميركا قبل حكمه، ويبدو أن بايدن يسقط في النمط نفسه. وأوضح أحد المحللين في عام 1995: «إن أكثر نقاط الضعف الساطعة لإدارة كلينتون هي أنها تعيش على ميزانية الدفاع الخاصة بحقبة الحرب الباردة التي لم تعد موجودة الآن». والآن يعيش بايدن على ميزانية الجيش الأميركي الخاصة بالحرب على «الإرهاب»، بحسب ما يختم الكاتب.

“ساسة بوست”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى