أولى

الشهيد قاسم سليماني: سورية لن تنساك

 د. فيصل المقداد*

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام المرحوم روح الله الخميني، أدركت سورية بقيادة القائد الخالد حافظ الأسد أنّ القضية العربية، بصفتها قضية تحرّر من الاستعمار والإمبريالية ومواجهة مع العدوان والصهيونية، تكسب صديقاً كبيراً وحليفاً ثابتاً، ونشأت على أساس هذا الإدراك والوعي التاريخيّين صداقة عميقة بين الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية في إيران، وعلى مدى سنوات ظلت هذه الصداقة تنمو وتتعمّق وتتجذر، وقد عرف مع ظهور المقاومة في لبنان وفلسطين وصعود قوّتها بدعم من سورية وإيران، الترجمة الحقيقية لمفهوم البلدين لأولوية الصراع مع كيان الإحتلال الجاثم على أرض فلسطين والذي يحتلّ الجولان السوري الحبيب وأراض لبنانية غالية، وجاء إنجاز تحرير جنوب لبنان عام 2000 ومن بعده تحرير غزة عام 2005 كثمرة لنضالات هاتين المقاومتين الباسلتين في لبنان وفلسطين، تأكيداً لقيمة الصداقة بين سورية وإيران ودورها في إعادة الاعتبار للقضية المركزية للعرب، قضية فلسطين، وللصراع مع كيان الاحتلال كعنوان لمفهوم الأمن القومي لدول وشعوب المنطقة، وللمقاومة كنهج لتحرير الأرض وحماية الكرامة الإنسانية…

وقد نمت هذه العلاقة وترسخت كواحدة من ركائز صناعة الاستقرار في المنطقة برعاية واهتمام مباشرين من الإمام علي الخامنئي والرئيس بشار الأسد، بصفتها نواة نظام إقليمي ضامن للاستقرار في مواجهة عهد الحروب الأميركية التي هدفت لتعميم الفوضى ونشر الإرهاب وإطاحة الاستقرار منذ مطلع القرن الواحد والعشرين.

جاء استهداف سورية بالحرب الكونية التي رعتها وقادتها واشنطن، وشاركت فيها حكومات وجيوش وأجهزة استخبارات ومؤسسات إعلامية عملاقة، ورصدت لها مقدرات مالية هائلة، والهدف واضح وهو إسقاط كلّ المعاني والأبعاد التي ترمز اليها سورية الواحدة والسيدة والمستقرة والقوية والمزدهرة، وقد أدركت القيادة الإيرانية وعلى رأسها الإمام الخامنئي هذه الحقيقة مبكراً، ووقفت بكلّ ثبات ووضوح وحزم الى جانب سورية وشعبها وجيشها وقائدها، وعلى مدى سنوات الحرب الظالمة على سورية وجد السوريون في إيران خير نصير، لم يبخل بالدم لمواجهة العدو الواحد الذي مثله ثنائي الاحتلال والإرهاب، خصوصاً بعدما انكشف عمق التحالف بين هذين العدوين، وعندما شهد العقد الأخير نهوضاً لشعوب المنطقة وحركات المقاومة فيها لمواجهة هذا العدوان الثنائي مدعوماً من كلّ قوى الشر في العالم، كانت سورية في طليعة صناع النصر على الإرهاب والاحتلال، وكانت العلاقة الإيرانية السورية ركيزة أساسية لهذه المواجهة ولصناعة الانتصار، وسيكتب التاريخ ملاحم البطولة التي سطرها السوريون ومعهم أخوة في الدم من شرفاء العالم وأحراره، وفي طليعتهم الحليفان الإيراني والروسي وقوى المقاومة.

عندما يكتب التاريخ هذه الملحمة الأسطورية للنصر على الإرهاب سيظهر إسم الشهيد القائد قاسم سليماني بأحرف من نور، وقد كان أحد أبرز القادة في هذه الحرب، ووقفوا على خطوط النار فيها، وتركوا بصمات واضحة في صفحاتها، ولن ينسى السوريون عندما يكتبون تاريخ معارك حلب ودير الزور وسواهما أن يتذكروا شراكة الدم مع هذا القائد وتضحياته.

عندما قرّرت قوات الاحتلال الأميركي اغتيال القائد سليماني، كانت تقدّم شهادتها بحجم الغيظ والإرباك الذي تسبّب به بوجوده ودوره لمخططات التقسيم والفوضى وتعميم الإرهاب التي رعتها وعملت على نشرها، وعندما ارتقى سليماني شهيداً شعر السوريون كما كلّ المقاومين والشرفاء والأحرار أنهم خسروا أحد رجالات الحرب على الإرهاب.

ستبقى الصداقة الإيرانية السورية ترسم خارطة طريق الحرية والتحرر والمقاومة والاستقرار والازدهار والاستقلال لشعوبنا، وسيبقى قاسم سليماني أحد رموز هذه الأخوة، وسيذكره السوريون كلما تذكروا شهداءهم وذكروا بطولاتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*وزير خارجية الجمهورية العربية السورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى