أخيرة

بين الشك واليقين…

} صباح برجس العلي

روى الأديب القصصي الروسي إيفان كريلوف في كتابه المميّز « خرافات روسية»، أنّ رجلاً كان يرغب في إمساك ظلّه، فيخطو نحوه خطوة أو خطوتين، فيبتعد الظلّ بمقدار ما يخطو الرجل نحوه.

وأخيراً قرّر أن يكون أسرع من ظلّه، فبدأ يركض محاولاً أن يمسكه، ولكنه كلما أسرع أسرع معه الظلّ كذلك، حتى أنهكه التعب.

ثمّ قرّر أن يكفّ عن المحاولة، فاستدار وقفل عائداً، ولكنه وجد ظلّه يتبعه، فاعتقد أنه يريد الانتقام منه، وأنّ المطارَد صار مطارِداً الآن، فأخذ يركض حتى وقع مغشياً عليه!

بعضنا يقضي حياته أسير الشك، وآخرون يجدون الحقيقة التي يبحثون عنها، لكن هل الشكّ صحي أم اليقين هو الجواب؟

بتتبّع التاريخ بعين المراقب الحكيم، يمكننا أن نستنتج أنّ الشكّ بداية الطريق، ولا يمكن الوصول إلى يقين دون شكّ لأنهما مترابطان، تماماً مثل الليل والنهار، والنار والدخان، لهذا دعا الكثير من الحكماء إلى الشك الهادف، الذي يريد به الإنسان الوصول إلى الحقيقة بشغف حقيقي ورغبة خالصة، لا الشكّ الهدّام الذي يجعل المرء يحيا كلّ عمره في حالة من الضياع والتشتت ونكران أبسط الأشياء.

نحن البشر ـ بلا استثناء ـ لدينا أقساطنا من البلايا والنعم، فكلنا نثرثر عن صغار المصائب ونتباكم عن الأحزان!

عامرة هي الحياة بالفرص والفسح المعينة للإنسان على تجاوز اختبارات الحياة واليقين بما هو مقدّر، لكن المشكل أنه نادراً ما يلتفت المرء إلى فرصته مضيّعاً معظم وقته بالشك!

كان دأب البشرية منذ فجر التاريخ هو البحث عن الحقائق، لهذا نشأ علم الفلسفة وسبر أغوار الكون الفسيح وصولاً إلى الكواكب والفضاء الرحب.

قد يظنّ البعض أنّ اليقين متعلق فقط بمعنى الوجود، لكنه متشعّب أكثر من ذلك بكثير، فإيمانك التامّ بنفسك وقدراتك يقين إيجابي يمكن أن يغيّر شكل حياتك إلى الأفضل ويهبك السعادة التي تنشدها.

اليقين مثله مثل مغناطيس هائل يجذب قوى اللاوعي ويوقدها، إلى جانب أنه قادر على تغيير حالتك بالكامل والتأثير في كلّ شيء يخصك أم يحيط بك. لذلك دائماً ما نلاحظ انّ الأشخاص الفاشلين والتعساء هم المليؤون بالشك والريبة والخوف. إنّ اليقين بعيد عن قلوبهم بُعد الشمس عن الأرض، والإنسان الذي يغمر قلبه الشكّ كلّ لحظة لن ينجح مهما فعل، هكذا هي سنن الكون الثابتة.

الأمر اللافت للنظر يا قارئي أنّ الإنسان الذي يتمتع باليقين تجد أنّ كلّ شيء في حياته يسير كما يريد.

اليقين لا يعني انعدام الشكّ، وإلا كان نوعاً من الجهل والسذاجة، بل هو اليقين مع وجود قدر بسيط من الشكّ، اليقين يغلب في النهاية كما يغلب النهار الليل، في الوقت الذي لا يمكن أن يقوم من دونه.

الحياة امتحان عامر بالفرص لكن لا يوجد ملحق للإعادة، فاغتنم فرصك في الحياة ولا تترك الشكّ يأخذ الحياة منك..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى