أولى

استشراف الصراع بعد عملية «تل أبيب»: مقاومة أوسع في الضفة وأخرى عبر الحدود؟

 د. عصام نعمان*

الذعر والذهول ما زالا هاجس الناس في «إسرائيل». لم تكن بسيطة أبداً العملية الفدائية في «تل أبيب» يوم الجمعة الماضي. ربما من حق بطلها ابن مخيم جنين رعد فتحي حازم أن تُدعى العملية باسمه. إنّها الثانية خلال تسعة أيام والرابعة خلال أقلّ من ثلاثة أسابيع. جميعها وقعت في مناطق فلسطين المحتلة سنة 1948. نفّذها فدائيون يسمّيهم المسؤولون الصهاينة «ذئاب منفردة». خلّفت 12 قتيلاً وعشرات الجرحى، وجرى حشد أكثر من 1000 عنصر من القوات الخاصة والنخبويّة لاعتقال الفدائي الشجاع في ذروتها الأخيرة.

ليس أدلّ على حال الصدمة والخطورة المخيّمة على الكيان الصهيوني بعد العملية الأخيرة من ردّ فعل رئيس حكومته نفتالي بينيت ووزير حربه بني غانتس. ففي مؤتمرٍ صحافي أكّد بينيت أنه «أعطى قوات الأمن تفويضاً مطلقاً للقضاء على موجة جديدة من الإرهاب، ولا حدود لهذه الحرب».

غانتس أراد رفع معنويات ناسه بقوله: «إسرائيل أقوى دولة في المنطقة، وعناصر الأمن قبضوا على نحو 200 شخص، وإذا لزم الأمر سيكون هناك الآلاف». أليست كلماته هذه مؤشراً الى فشل خطة «كاسر الأمواج» التي وضعتها حكومته للردّ على موجة العمليات الفدائية الأخيرة؟

من الطبيعي أن تبتهج فصائل المقاومة الفلسطينية وأن يبارك أنصارها، خصوصاً في الأراضي المحتلة، العمليات الفدائية الست في عمق فلسطين المحتلة. لكن من المنطقي أيضاً أن يتساءل الجميع، قادةً ومواطنين، عمّا ستكون عليه التطورات السياسية والميدانية في قابل الأيام.

مِن رصْدِ ردود الفعل الفلسطينية والعربية والدولية على ما جرى ويجري في فلسطين المحتلة ومحيطها العربي، يمكن استشراف التطورات المحتملة الآتية:

ـ «إسرائيليّاً، زلزلت العملية الفدائية الأخيرة في «تل أبيب» الأرضَ تحت أقدام حكومة بينيت وهدّدتها في مصيرها من دون أن يؤدّي ذلك الى إنهاء سيطرة اليمين المتطرف على السلطة لمصلحة رئيس الحكومة الأسبق بنيامين نتنياهو. غير أنه من الثابت انّ حكومة الائتلاف اليميني القائمة ستلجأ إلى مزيد من التشدد سياسياً والعنف ميدانياً ضدّ الفلسطينيين عامةً وفصائل المقاومة خاصةً لا سيما في مناطق الاحتلال العام 1948. الى ذلك، ستعاود حكومة بينيت ضغوطها على واشنطن للتشدّد في مسألة إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، لا سيما لجهة وضع قيود على تصنيع طهران للصواريخ الباليستية بعيدة المدى، ولجهة عدم رفع صفة الإرهاب عن الحرس الثوري الإيراني.

ـ أميركيّاً، يصعب على إدارة الرئيس بايدن الرضوخ لطلب «إسرائيل» عدم رفع صفة الإرهاب عن الحرس الثوري الإيراني لكونها تدرك انّ طهران لا يمكنها قبول هذا التدبير الذي يتسبّب غالباً بتعثر عملية إحياء الاتفاق النووي معها. لكن واشنطن يمكنها «تعويض» الكيان الصهيوني بإبلاغه التزامها تمديد حضور اميركا العسكري في كلٍّ من العراق وسورية ومواصلة محاصرة حزب الله واحتواء حلفائه في لبنان.

ـ روسيّاً، اذا ما تمادت الولايات المتحدة ودول الغرب الأطلسي في مقاطعتها المتصاعدة لموسكو سياسياً واقتصادياً ورفد حكومة أوكرانيا عسكرياً، فقد يجد الرئيس بوتين نفسه مضطراً الى الردّ عليها سياسياً وأمنياً بمزيد من التقارب والتنسيق مع ايران وتعزيز دعم سورية وحلفائها لوجيستياً بتوريد مزيدٍ من الأسلحة النوعية لها ولهم على نحوٍ يكون مؤثراً لمصلحتهم على صعيد موازين القوى حيال «إسرائيل».

ـ فلسطينيّاً، ستتحسب فصائل المقاومة، لا سيما «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، لاحتمال تصعيد «اسرائيل» هجماتها المضادة عليها الأمر الذي يدفعها جميعاً الى الاستعداد ميدانياً لاعتماد خطة أكثر تكاملاً محورها تصعيد العمليات في الاراضي المحتلة كلها، على ان ترافقها، عند الضرورة، عمليات مساندة عسكرية من قطاع غزة وربما أيضاً من فصائل المقاومة في منطقتي جنوب سورية وجنوب لبنان تحت شعار «كل الفلسطينيين والعرب المقاومين في مواجهة «اسرائيل».

ـ تركيّاً، ستحرص أنقرة على ممارسة سياسة التوازن المحسوبة بدقة بين واشنطن وموسكو. ذلك لأن لها همّين رئيسين: الأول، الاستحواذ على دعم الولايات المتحدة بتعزيز التحالف معها لضمان مشاركة أنقرة في عضوية ومغانم الحلف الوليد بين مصر و«اسرائيل» وقبرص واليونان لاستثمار وتسويق نفط الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ونقله بأنبوب عبر تركيا الى دول غرب اوروبا. الثاني، توحيد مختلف فصائل المعارضة السورية في غرب البلاد وشمالها لضمان استمرار حضور تركيا العسكري في مناطق محافظة إدلب وعلى طول حدود سورية مع تركيا بغية ضمان انسلاخها عن الحكومة المركزيّة في دمشق من جهة وعدم تعاونها مع أكراد سورية في شمالها من جهةٍ أخرى.

ـ مقاوميّاً، سيجد أطراف محور المقاومة والممانعة أنفسهم مضطرين الى التحسّب لردود أفعال الولايات المتحدة و«اسرائيل» كما روسيا في ضوء تطورات الحرب في أوكرانيا من جهة، والتزام الولايات المتحدة من جهة أخرى الدفاع عن «اسرائيل» وحلفائها ضد فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية. ذلك قد يدفع أطراف محور المقاومة والممانعة الى تطوير مواجهة متكاملة للأطراف المعادية لها على مجمل ساحات دول غرب آسيا، خصوصاً على خطوط التماس بين  سورية ولبنان وقطاع غزة من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى.

   هذا تقدير أوّلي للمشهدين الدولي والإقليمي، مع العلم أنهما ما زالا في معمعة صراعات وتفاعلات محتدمة وانّ مياهاً كثيرة ستجري تحت الجسور.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى