أولى

مخيم جنين أمثولة في المقاومة والوحدة والفداء وشوكة في حلق كيان العدو

 حسن حردان

شكّل مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة، والذي يقطنه لاجئون شرّدوا من أرضهم وقراهم في المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1948، شكل ولا يزال أمثولة في المقاومة والبطولة والفداء في مواجهة قوات الاحتلال الصهيونيّ.. فهو أنجب أجيالاً من الشباب المقاوم أشدّ بأساً وأكثر صلابة وتصميماً على مواجهة الاحتلال ورفض الخضوع والاستسلام له.. كما قال أحد الآباء في المخيم إثر المواجهة الأخيرة مع قوات الاحتلال…

لقد أدّى خروج المئات من أبناء المخيم للتصدّي لقوات العدو التي حاولت مباغتتهم باقتحام المخيم لاعتقال والد الشهيد البطل رعد حازم، منفذ عملية تل أبيب، وأفراد العائلة وتدمير منزلهم، أدّى ذلك إلى مواجهات عنيفة أجبرت القوة الصهيونيّة على الانسحاب وجعلها تُمنى بالفشل في تحقيق هدفها، وتكرّرت محاولات الاقتحام في الأيام التالية لكنها مُنيَت بالفشل أيضاً…

 هذا التطور فاجأ ضباط وجنود الاحتلال وجعلهم في حالة من الذهول والصدمة وهم يواجهون شبان المخيم الذين كانوا يهجمون على الآليات الصهيونية من دون خوف رغم إطلاق النار عليهم من قبل الجنود الصهاينة.. وهو ما اعترف به المراسل العسكري أور هلير المرافق للقوة الصهيونية، حيث قال حرفياً: “كنت داخل إحدى مركبات الجيش التي دخلت مدينة جنين الساعة العاشرة صباحاً ولم أصدق أنّ أكثر من ألف شاب يلقون الحجارة والحارقات ويهتفون ضدّنا، وأن أحد الفتية ضرب باب الجيب العسكري وقال “افتح افتح” وبيده حجر… غريب جداً هذا الجيل لا يخاف أبداً رغم إصابة سبعة منهم بالرصاص وكثرة الجنود، 50 دورية وجرافة دخلنا ولم نرعب هؤلاء…”.

وحسب الصحف “الإسرائيلية” فقد بات مخيم جنين “قنبلة موقوتة وشوكة عالقة في حلق المستويات الإسرائيلية كافة، وأهمّها المستويان العسكري والأمني”، على الرغم من هدم المخيم بشكل كامل تقريباً قبل نحو عشرين عاماً، في ما عُرف في حينه بـ “معركة مخيم جنين”.

وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إنّ “مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية منذ إقامتها تشكل مصدر قلق، وبخاصة مخيم جنين الذي يقف دائماً على رأس هذه المخيمات، وقد أصبح بالنسبة إلى الفلسطينيين بمثابة رمز للمقاومة”.

وبالقدر الذي بات فيه مخيم جنين مصدر قلق للمسؤولين الصهاينة وأجهزتهم العسكريّة والأمنية، فإنه تحوّل إلى مفخرة وقدوة لكلّ أبناء الشعب الفلسطيني في مقاومة قوات الاحتلال وتسجيل ملاحم البطولة، وإعطاء الدروس في الوطنية.. مما جعله إحدى قلاع المقاومة التي عجز الاحتلال عن كسرها وتحطيمها..

والسؤال الذي يُطرح، ما هو سر نجاح مخيم جنين في احتلال هذه المكانة المتقدّمة في المقاومة وتحقيق الإنجازات في مواجهة الاحتلال، والتحوّل الى أمثولة لجماهير الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية؟

في هذا السياق يمكن تسجيل جملة من العوامل:

العامل الأول، التزام جميع الفصائل في المخيم إلى جانب الشبان غير الملتزمين تنظيمياً، خيار المقاومة الشعبية والمسلحة سبيلاً لمواجهة الاحتلال ورفض أيّة مساومة للتخلي عن هذا الخيار…

العامل الثاني، تحصّن جميع التنظيمات وأبناء المخيم من كلّ الاتجاهات بالوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال، ووضع كلّ الخلافات الثانوية جانباً، مما قطع الطريق على أيّة محاولات للعبث بهذه الوحدة وإثارة التناقضات، التي لا يستفيد منها الا العدو والمتعاونون معه…

العامل الثالث، انتماء جميع أبناء المخيم إلى بيئة واحدة وهي معاناتهم المستمرة نتيجة تهجيرهم من أرضهم وقراهم المحتلة عام 1948، وانتشار الفقر والبطالة إلى جانب الاعتقال والقمع وما يتعرّضون له من إرهاب وإذلال على الحواجز الصهيونيّة.. الأمر الذي ولد قناعة لدى شبان المخيم لا سيما الأجيال الجديدة بأن لا سبيل للخروج من هذه المعاناة والعودة إلى أرضهم وديار آبائهم وأجدادهم، التي هجروا منها، إلا بسلوك طريق المقاومة الشعبية والمسلحة..

العامل الرابع، تشكيل أطر العمل المشترك بين جميع الفصائل والشبان للدفاع عن المخيم في مواجهة ايّ اعتداء صهيوني، وهذا ما ترجم بتشكيل دوريات من مجموعات المقاومين الشباب لحراسة مداخل المخيم، الأمر الذي مكّنهم أخيراً من إحباط محاولات قوات العدو اقتحام المخيم.

هذه العوامل التي تشكل سرّ صمود مخيم جنين وتحوّله إلى قلعة من قلاع المقاومة، يجب أن تشكل أمثولة يقتدي بها كلّ أبناء المخيمات والمدن والقرى الفلسطينية.. لأنها السبيل لمواجهة الاحتلال وردع عدوانيته، وتحرير فلسطين واستعادة الحقوق، وفي المقدمة حقّ عودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى