أولى

مسيرة الأَعلام والمناورات العسكريّة: «إسرائيل» تهوّل ام تهدّد لبنان وغزة؟

 د. عصام نعمان*

يُحيي العنصريون والمستوطنون الصهاينة منذ العام 1974 ذكرى ما يسمّونه «توحيد القدس»، وهو اليوم الذي تمكّن فيه العدو من إلحاق شطر المدينة الشرقي بشطرها الغربي، ومن ثم تنظيم ما يُعرف بـ «مسيرة الأَعلام» بمسارٍ يبدأ من وسط القدس ويتجه الى باب العمود مروراً بالحيّ الإسلامي وصولاً الى حائط البُراق (المبكى) ومنه يحاول المستوطنون اقتحام المسجد الأقصى من باب المغاربة.

توقّفت هذه المسيرة العنصرية ما بين سنتيّ 2010 و2016 بسبب المواجهات الدموية بين أهالي القدس الشرقية والمستوطنين. هذا العام دعت «جماعات الهيكل» وقادة اليمين المتطرف في حكومة نفتالي بينيت الى اقتحام الأقصى خلال المسيرة، كما دعت جماعة تُسمّي نفسها «لاهافا» الى هدم مسجد قبة الصخرة وبناء الهيكل فوق أنقاضها.

فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي طليعتها «حماس» و»الجهاد الإسلامي» و»فتح» كما فاعليات القدس، دعت الجماهير الى المرابطة والاعتكاف في الأقصى لصدّ المستوطنين ومنعهم من استباحته، كما هدّدت «حماس» بالردّ بعنف في حال اقتحام الأقصى والمسّ بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قد حذّر بدوره من لبنان بأنّ المسّ بالأقصى والقدس يفجّر حرباً تشمل المنطقة برمّتها.

إدارة الرئيس الأميركي بايدن قالت إنها نصحت «إسرائيل» بوقف المسيرة او تعديل مسارها، لكن حكومة بينيت رفضت نصيحتها، فما كان من السفارة الأميركية إلاّ أن منعت موظفيها كما المواطنين الأميركيين وعائلاتهم من دخول القدس الشرقية لا سيما منطقة باب العمود.

صحيح أنّ رئيس الحكومة بينيت حرص على مشاطرة قوى اليمين والمستوطنين إصرارهم على المسار الاستفزازي للمسيرة، لكنه تهيّب التداعيات بدليل انّ مكتبه أعلن أنّ المسيرة «لن تذهب الى جبل الهيكل (الأقصى) وانّ الوضع سيخضع للمراجعة خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة».

ربما تكون المسيرة قد جرت أمس في محيط المسجد الأقصى بعد ساعات معدودة من كتابة هذه السطور، أو ربما جرت واقتحم المستوطنون المتطرفون حرم الأقصى وتسبّبوا بردود فعل عنيفة للغاية من أهالي القدس كما من فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية. مع ذلك، تبقى أسئلة بالغة الأهمية بمضمونها ودلالاتها تبحث عن أجوبة:

ـ لماذا إصرار القيادات والجماعات الصهيونية العنصرية والمتطرفة على المسيرة الآن بمسارها الاستفزازي؟

ـ هل يعقل أن تجرؤ «إسرائيل» على رفض «نصيحة» أميركا بوقف المسيرة او تعديل مسارها لو لم يكن تقديم النصيحة ورفضها قد تمّا بتواطؤ بين الطرفين؟

ـ ما سرّ توقيت تنفيذ المرحلة الأخيرة من مناورات «مركبات النار» التي يجريها الجيش «الإسرائيلي» في منطقة وادي عارة الشبيهة تضاريسها بمناطق جنوب لبنان القريبة منها حيث للمقاومة «فرقة الرضوان» الفائقة التدريب والخبرة القتالية؟

ـ ما سرّ قيام الجيش «الإسرائيلي» بإجراء مناورات مماثلة ومتزامنة في منطقة ٍفي جنوب جزيرة قبرص تشبه تضاريسها مناطق جنوب لبنان؟

ـ هل تشكّل الواقعات السالفة الذكر جزءاً من سيناريو سيُصار الى تنفيذه لاحقاً ضدّ لبنان او ضدّ قطاع غزة او ضدّ الاثنين معاً؟

هذه الأسئلة تزداد أهميةً ومشروعيةً في ضوء مقالةٍ نشرها طال ليف رام، المراسل العسكري لصحيفة «معاريف» (2022/5/26) بعنوان «الجيش الإسرائيلي يستعدّ لسيناريو حرب في لبنان». ذلك انّ المعلومات والتحليلات ذات الطابع العسكري الاستراتيجي لا تنشر إلاّ بعد موافقة قيادة الجيش الإسرائيلي الأمر الذي يضفي أهمية على هذه المقالة. فماذا جاء فيها؟

لعلّ أهمّ ما تضمّنته المقالة انّ الجيش الإسرائيلي يتدرّب في مناوراته الجارية حاليّاً على سيناريوات الحرب وفحص الخطط العملانية، وعلى أساسها يضع تقديراته لحجم الإصابات في صفوف حزب الله وعدد المصابين في لبنان، وتقدير الأضرار التي ستلحق بالجبهة الداخلية «الإسرائيلية» بعد عشرة أيام من القتال. وفق هذه التقديرات والخطط من المتوقع المزج في هذه المرحلة بين ضربات جوية ومناورة برية «إسرائيلية»، وانه بالاستناد الى دراسة أعدّتها شعبة العمليات في الجيش، سيكون عدد القتلى في لبنان كبيراً وسيصل الى الآلاف في صفوف حزب الله والمواطنين اللبنانيين. الى ذلك، سيحاول الجيش «الإسرائيلي»، من خلال عملية برية سريعة في الأراضي اللبنانية، التوصل الى تقليص مدى الصواريخ القصيرة المدى التي يمتلك حزب الله عشرات الآلاف منها ويصل مداها الى 40 كيلومتراً. كما يجري في إطار خطة «محور المحاور» تمهيد طرقات ترابية تلتفّ على الطرقات المركزية وتتيح الوصول، عبر طرقات بديلة، الى جبهات الحرب في لبنان وقطاع غزة.

ما الغاية المتوخاة من وراء كشف العدو هذه المعلومات؟

لا يُعقل أن يكون العدو في صدد التبرّع لحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية والعربية بمعلومات عن خططه واستعداداته في حربه عليها. لذا فإنّ الأرجح انّ ما يتوخاه العدو تحقيق بعض او كلّ الأغراض الآتية:

ـ تضليل فصائل المقاومة الفاعلة في لبنان وقطاع غزة وسورية.

ـ رفع معنويات الجمهور «الإسرائيلي»، كما أطراف الحكومة والمعارضة «الإسرائيلية»، الغارقين في خلافات ومماحكات فضلاً عن تخوّفات متزايدة مما يمكن ان تقوم به فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعربية من عمليات عسكرية عالية المردود والتأثير في قلب «إسرائيل».

ـ التهويل على كلٍّ من حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بما يمكن ان يصدر عن الجيش الإسرائيلي من ردود قاسية في حال فكّرت تلك الفصائل منفردةً او مجتمعةً القيام بعمليات هجومية.

تستوقف المراقبين هذه الحملةُ السياسية والإعلامية التي تشنها «إسرائيل» في هذه الآونة في ضوء احتمالين مرجّحين:

ـ ردّ صاعق وشامل من فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية إذا ما جرى المسّ بالمسجد الأقصى وبالمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

ـ ردّ مدّمر من حزب الله، بالتنسيق مع الجيش اللبناني، إذا ما حاولت «إسرائيل» استخراج النفط والغاز من حقل «كاريش» أو غيره من المواقع البحرية المتنازع عليها مع لبنان، او محاولة منع لبنان من التنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية بدعوى المساس بـِ «حقوق» كيان العدو.

هذه الأغراض والاحتمالات لا تغيب عن تقدير قيادات فصائل المقاومة في لبنان وقطاع غزة وعن حلفائها أيضاً، وقد أبدى قادتها أخيراً التزاماً صارماً واستعداداً كاملاً للردّ بقوة إذا تجرأ العدو على التحرّش او العدوان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى