مقالات وآراء

لماذا قدّم الرئيس المكلف تشكيلة حكومية يعرف مسبقاً أنّ رئيس الجمهورية لن يُوقّعها؟

} أحمد بهجة*

لم يكن موفّقاً أبداً الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي في التشكيلة الوزارية التي سارع إلى تقديمها لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون صباح الأربعاء الماضي، غداة انتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة في المجلس النيابي.

والتشكيلة كما بات معروفاً اقتصرت على تعديلات محدودة جداً، إذ أبقى الرئيس ميقاتي على عشرين وزير من حكومة تصريف الأعمال الحالية، مع تبديل في حقيبة وزير واحد فقط من داخلها وهي حقيبة الاقتصاد والتجارة التي حلّ فيها وزير الصناعة الحالي النائب جورج بوشكيان محلّ الوزير أمين سلام الذي قيل إنّ رئيس الحكومة أراد استبداله فقط لأنّ سلام طرح نفسه بديلاً لميقاتي في رئاسة الحكومة! فيما حلّ أربعة وزراء جدد في التشكيلة المقترحة، حيث استبدل وزير المال يوسف خليل بالوزير والنائب السابق ياسين جابر (طبعاً بالاتفاق مع الرئيس نبيه بري)، وحلّ النائب سجيع عطية في وزارة المهجرين محلّ الوزير عصام شرف الدين، كما سُمّي الصناعي المعروف وليد عساف وزيراً للصناعة مكان النائب جورج بوشكيان، علماً أنّ عساف هو شقيق زوجة وزير التربية الحالي عباس الحلبي!

  أما بيت القصيد فهو في وزارة الطاقة التي يريد ميقاتي استبعاد وزيرها الدكتور وليد فياض لأكثر من سبب، ربما يكون أوّلها موقف الوزير المُعترض على الطرح الذي قدّمه رئيس الحكومة بشأن مشاريع الكهرباء، وقد زاد امتعاض ميقاتي أكثر بعدما تمّ الكشف أمام الرأي العام أنّ طرح ميقاتي الكهربائي الذي تشكل شركة «سيمنز» الألمانية واجهة له بينما حقيقته المخفية هي أنّ المشروع ستنفذه إحدى الشركات الصينية التي يريدها رئيس الحكومة.

السبب الثاني هو في اعتبار ميقاتي أنّ الوزير فياض محسوب من حصة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، رغم أنه وزير مستقلّ وتمّت تسميته كونه من أصحاب الاختصاص، وقد أثبت ذلك بالفعل من خلال جهوده الكثيفة لإيجاد بعض الحلول لمشكلات الكهرباء، لا سيما الاتفاق مع العراق لتزويد لبنان بالفيول، والذي لولاه لما كان بمقدور مؤسّسة كهرباء لبنان الاستمرار بتزويد اللبنانيين بالتيار الكهربائي نحو أربع ساعات يومياً. وكذلك الاتفاقات التي وُقّعت بشكل نهائي بعد مفاوضات تقنية طويلة مع مصر والأردن لاستجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سورية، وهي اتفاقات جاهزة للتنفيذ وتنتظر فقط أن تفي الولايات المتحدة بما تقوله منذ فترة بأنها ستساعد لبنان من خلال إعفاء مصر والأردن من موجبات «قانون قيصر» والسماح للبنك الدولي بأن يسهّل حصول لبنان على القروض اللازمة لاستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، ما يجعل مؤسسة كهرباء لبنان قادرة على تزويد اللبنانيين بالكهرباء حوالى عشر ساعات يومياً…

وها هو الوزير فياض يرفع الصوت من القاهرة بالأمس خلال ترؤسه اجتماع المجلس الوزاري العربي للمياه، ويعلن أمام نظرائه العرب أنّ لبنان يعاني اليوم من أسوأ أزمة مالية في تاريخه، وأنّ المجتمع الدولي يمتنع عن مدّ يد العون في ما يُشبه الحصار المقنّع المفروض على بلدنا الذي توقفت معظم بناه التحتية عن العمل ليس بسبب الحروب هذه المرة بل بسبب انهيار العملة الوطنية ومعها المؤسّسات الحيوية…

وبالعودة إلى الرئيس ميقاتي فقد كشف بعد زيارته البطريرك بشارة الراعي في مقرّه الصيفي في الديمان السبت الفائت أنه لا يريد مسايرة التيار الذي لم يؤيده في الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلّف، والذي يعلن أيضاً أنه لا يريد المشاركة في الحكومة ولن يمنحها الثقة، وبالتالي كيف يريد التيار فرض الشروط في تشكيل الحكومة…؟

الأمر ليس كذلك بالطبع، إذ انّ التيار الوطني الحرّ لم يؤيد ميقاتي خلال الاستشارات النيابية الملزمة في تموز 2021، ثمّ كانت له حصة وازنة في الحكومة التي تمّ تشكيلها في أيلول 2021، وهي حكومة تصريف الأعمال الحالية، إذ لا شيء في السياسة يمنع حصول هذا الأمر، وهو ما حصل أيضاً مع كتلة اللقاء الديمقراطي التي لم تؤيد ميقاتي في الاستشارات فيما أبقت التشكيلة المقترحة على وزير التربية الحالي عباس الحلبي إضافة إلى تسمية وليد عساف للصناعة وهو المقرّب جداً من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

على أيّ حال… هذا ما اقترحه ميقاتي، ولكن ليس بالضرورة أن يجد الاقتراح طريقه إلى التنفيذ، إذ يحتاج الأمر إلى توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لن يقبل بالطبع أن يتمّ استضعافه في آخر عهده، وهذا ما يعرفه ميقاتي بالتأكيد، ولذلك يطرح العارفون السؤال المركزي: هل يريد ميقاتي فعلاً تشكيل حكومة جديدة أم أنه قدّم تشكيلته هذه وهو يعرف مسبقاً أنّ رئيس الجمهورية سيرفضها وبالتالي تبقى الحكومة الحالية حتى نهاية العهد، وربما إلى ما بعد نهاية العهد في حال لم يُنتخب رئيس جديد للجمهورية؟

هنا يكمن السرّ، إذ يتابع العارفون قراءة ما يريده ميقاتي بالفعل، وهو أبعد وأكثر بالطبع من تغيير وزير الطاقة… إذ انّ تشكيل حكومة جديدة سيجعلها حكومة كاملة المواصفات إذا انتهى العهد الحالي بدون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وحينها سيكون مضطراً للعودة إلى الحكومة مجتمعة في أيّ أمر يريد تمريره، وهذا ما يعطي أيّ وزير حقّ الفيتو، أما مع استمرار حكومة تصريف الأعمال الحالية إلى ما بعد انتهاء العهد فإنّ ميقاتي يكون متحرّراً أكثر في حركته السياسية لأنّ الحكومة لا تستطيع عقد جلسات لاتخاذ القرارات اللازمة… إلا إذا تمّ الاتفاق على فتوى دستورية يتمّ التداول بها بين أصحاب الحلّ والربط.

هذا في السياسة وبين السياسيين، أما الناس فلا يهمّها في الحقيقة إلا ما يمكن أن يخفف عنها المصاعب والأعباء   الحياتية التي تزداد يومياً في الخبز والغذاء والدواء والكهرباء والاتصالات والمواصلات والرواتب التي لم يعد جائزاً أن تسمّى رواتب… هذا فضلاً عن العلة الأساسية المتمثلة بالخسائر الهائلة التي لحقت بالمواطنين نتيجة ضياع الودائع بين مصرف لبنان والمصارف والدولة، وذلك من دون أن يُلاحَق أو يحاسَب أو يُحاكَم أيّ من المسؤولين عن جريمة العصر هذه، بل بالعكس تتمّ حماية هذا وذاك ووضع الخطوط الحمر من الداخل والخارج خاصة حول رأس جبل الجليد…!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحث وخبير اقتصادي ومالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى