أنشطة قومية

«القومي» أحيا ذكرى استشهاد مؤسّسه أنطون سعاده في قصر الأونيسكو باحتفال شعبيّ وسياسيّ حاشد رئيس الحزب الأمين أسعد حردان: لبنان أحوج ما يكون الى قانون انتخاباتٍ عصريٍّ يوحّد اللبنانيين ويحقق المساواة بينهم ويحرّرهم من كونهم رعايا طوائف ومذاهب

– سماح مهدي: لمن أراد القضاء على الحزب السوري القومي الاجتماعي بتصفية سعاده نقول: لقد خاب ظنّك… فحزب سعاده ملء الساح ووسع المدى

– وزير الخارجية الأسبق د. عدنان منصور: أنطون سعاده المفكر والمناضل والزعيم والشهيد الذي أرادوا اغتياله لا يزال بعد 73 عاماً نجماً متوهّجاً في سماء هلاله الخصيب…

– أبو أحمد فؤاد: توحّد الدم والهدف والمصير حتى تحرير فلسطين من نهرها الى بحرها

– باروير ارسن: أنطون سعادة القائد السبّاق لإنقاذ الأمة السورية وجعل فلسطين بوصلتها والعدوّ الصّهيوني عدوّها الرّئيس

– النائب حسن مراد: سمتان أبديتان أعطاهما أنطون سعاده هما اللغة العربية الفصحى والعداوة السرمديّة للصهيونيّة ووجوب تحرير فلسطين

 

اعتدال صادق

بأجنحة وجوارح نسور زوبعة مشبوبةٍ يقيناً صوتاً وقولاً وانفعالاً مبذولين للقضية والحزب، صنوان حقّ وحقيقة لا يفترقان في عين الزمن، متجذّرون بالمقدسات والحقائق، روافد عشقٍ متخمة بشعلة يقظةٍ وذاكرة ناصعة ملهمة، هنا ترابهم، هنا دمهم، سوريون قوميون يملأون جنبات الوطن نجوعه وكفوره. حيثما طلعوا، يحفظ أسماءهم يعرف وجوههم على الجبهات المحتدمة إن هم شهداء ارتقوا، او صامدون في مواكب الفادين مسارهم، لا الشدائد تقتلهم، ولا يثنيهم عن قصدهم شغب أو فوضى أو كلام، يقينهم من دروس الزمن «انّ التدجيل ينتهي إلى مصيره والطغيان يسير إلى مصيره، والخيانة تسعى إلى مصيرها»… أما الحزب هو فعل نهضوي تصاعدي على مقام الصراط الجميل، إن هم حضروا حضر الحزب بخطه الصراعي المتكامل لثورة عند سعاده شاملة لا هوادة فيها، هاجسهم الدائم انتصار قضية الأمة، مهما بلغت التضحيات.

وهم في يقين المعلم «أنا أموت أما حزبي فباق»، وهو عليهم شهيد حاضر بفدائيته، ومثال لهم في بطولة عزّ نظيرها، مثله كمثل الآلهة في الأساطير السورية إنْ في ولادته الربيعيّة او استشهاده التموزيّ.

وفي مواعيد متجدّدة إحياءً ووفاءً لذكراه مفكراً وشهيداً وزعيماً استثنائياً جمع بين ألق الدعوة باكراً، ووهج الاستشهادباكراً.

يعود إليه القوميون الاجتماعيون دائماً وأبداً في أمثولة حياته وضوء شهادته، في خضمّ الذكرى تحضر قوافلهم مواكب مواكبإنها أمانة الدم التموزيّ في أعناقهم تشهد بأنّ الرهان لم يخب وانّ الحزب باقوسينتصر. ولم يزل القول «أمة نحن يقيناوحياة لا تزول»، كنا وسنبقى لأننا المؤمنون بك اليوم، كما في الأمس، وعلى كلّ الأزمنة دأبنا أن ننادي تحيا سورية ويحيا الزعيم.

ثلاثة وسبعون عاماً انقضت على تقويم جريمة ليلة الثامن من تموز، يوم قيل إنّ «تراب الدنيا لن يطمر تلك الحفرة»… وما طمرت.

يأتونه اليوم في الموعد المضروب على ثباتهم مؤمنين سوريين قوميين متأهبينبخطى متراصّة جلية واضحة حضرواوفي حضورهم جدّ والتزام، لا وجاهة يطلبونها ولا قصدهم مظاهر فولكلورية يسعون إليها، بل تراتب أجيال تواكب أجيالاً، شلال إيمان دفاق يحيون الذكرى المتأجّجة تجتاح فيهم النبض والوجدان في ظلّ زوبعة مستدام خفقها من خفقان قلوبهم يراكمون مسكوبها النهضويّ من قبس الثامن من تموز بوهجه المنتصر شهادة ومعاني وبقاء.

إنّ استحضار سعاده اليوم وقد مضى 73 عاماً على غيابه شهيداً يمثل مشهدية حزبية لها المكانة الجليلة في ذمة السوريين القوميين الاجتماعيين منذ تلك اللحظة «التموزيّة» والدم فيهم حاضر قوافل قوافل، شهداء ميامين أبرار بقيمهم المثلى، بيقينهم البار ومطالبهم العليا، لا تقيّدهم حدود مصطنعة حبوساً للأمة ولا يقرّون بالحزبيات الدينية، هم في حوْمة القتال والصراع وساحاته، إن أصاب الوطن ضيم «لبيك» سوريانا نحن الفدا هم هتفوا، وغضب الثورة التموزية فيهم مدد، مدد، ومعين بطولة لا ينضب ولا يستكين.

 حضرواوفي الوجوه تأهّب لأمر خطير ولطالما كان خطيراً، يقينهم الثابت أنّ حزبهم الذي احتكّ بالمخاطر ونازل الصعاب وكابد في الماضي ولما يزل ويلات عظاماً، وقد خاضوا الثورات والمعارك وتكبّدوا الأثمان الغاليةفما كسرت لهم شكيمة! وما قتلتهم شدائد، فلن يعجزوا اليوم أمام ما لم يعجزوا عنه في الماضي. أما في مسارهم الأتمّ سيرة فتيات وفتيان أبطال لم تكن قد ارتسمت ملامحهم يوم أعادوا الوديعة للأمة مجسّدين نهج المقاومة ورسخوا زمناً للانتصار. معجزتهم أنّهم لا يملكون إلا أغراضاً سامية ودمهم وقد أعادوه سخياً، هو الدم الذي جعل ملحمة الموت طريقاً للحياة، ليصبحوا الأسطورة والقول الفصل وطليعة الانتصارات.

بـ «طقوس» تموزية آخذون بالعز تيهاً وعنفواناً، وبدفق المشاعر المحفوفة بوجع الجرح الذي أنبت شقائق نعمان ومقاصد عليا، انتظم الاحتفال المركزيّ الذي دعا إليه الحزب السوري القومي الاجتماعي في قصر الأونيسكو تحت عنوان «يوم الفداء والوفاء مستمرّون حتى النصر».

رغم أحكام الظروف القاسية وضيق ذات اليد على كلّ الناس إلا أنّ المناسبة عند القوميين تستحقّ ولا مناص من واجب هو من صميم تقاليدهم الحزبيّة فأنجزوه بفعل تكافليّ ريادي في ما بينهم في وطن يرزح تحت أنين العوز وهم الذين أرادوه هلالاً خصيباً كريماً غنياً بموارده وصياً على مقدراته الاقتصادية، لا تفريط بحقوقنا وثروتنا الطبيعيّة خاصة منابع النفط والغاز، والتي للمفارقة تخضع اليوم للمفاوضات والاحتكام بغير وجه حق.

أما من حيث الإعداد والترتيبات للاحتفال، فمن نافل القول إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي معروف بعراقة تقاليده التنظيمية وسمات الدقة والنظام ومظاهر الهيبة والوقار التي تواكب مناسباته من حيث التدابير المشدّدة لعدم إحلال الفوضى سواء للوافدين من الضيوف او لمواكب المنفذيات المشاركة في الاحتفال ولم يحد هذا الاحتفال عن عادة القوميين بالتنظيم، وباختصار فإنّ اللجنة المكلفة بتنظيم هذا الاحتفال أبكرت بالحضور الى قاعة الاحتفال في حركة لا تهدأ في متابعة أدقّ التفاصيل لمنع أيّ طارئ تقني او تنظيمي يثير «شغباً» بقصد أو بغير قصد.

وفعلاً كان للجنة ما أرادت واستحقت الثناء على جهودها.

 وتشكل التنظيم على المشهد العام كالتالي: توزعت ثلة من نسور الزوبعة وفرق رمزية، عند الباحة الخارجيّة لمبنى الأونيسكو الرحب وعلى المقلب المواجه لهم كوكبة من أشبال وزهرات الحزب بلباسهم الأبيض والزوبعة الحمراء وقد أضفوا جواً عابقاً بالبهجة التي يتمتع بها الصغار حيثما وجدوا.

وقد وصلت الوفود الرسميّة إلى القاعة على إيقاع الفرقة الموسيقية لكشافة النهضة تواكبهم صبايا وشباب من لجنة التشريفات الرسميّة للحفل.

أما على منصة الخطباء فقد ازدانت بعلم الحزب وعلم المقاومة الوطنية والعلم اللبناني الى جانب صورة كبيرة لحضرة الزعيم ليكتمل مشهد المنصة بالورود البيضاء.

 

 

أحيا الحزب السوري القومي الاجتماعي، الثامن من تموز، ذكرى استشهاد مؤسسه أنطون سعاده، باحتفال مركزيّ حاشد في قصر الأونيسكو ـ بيروت، حيث احتشد الآلاف في القاعة والخارج، بمشاركة فصائل رمزية من النسور والأشبال وفرقة كشفيّة تولّت العزف خلال استقبال المشاركين.

حضر الاحتفال الى جانب رئيس الحزب أسعد حردان ورئيس المجلس الأعلى سمير رفعت ونائب رئيس الحزب وائل الحسنية وأعضاء القيادة المركزية، ممثل رئيسيْ مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي النائب محمد خواجة، نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، والنواب: أمين شري، حسن مراد، د. فريد البستاني، د. فادي علامة، نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله الوزير السابق محمود قماطي، الأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان علي حجازي وعضو القيادة د. علي غريب، مدير قصر الأونيسكو شربل سعادة ممثلاً وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، أمين عام رابطة الشغيلة النائب السابق زاهر الخطيب وعضو القيادة حسين عطوي، الأمين العام لحركة النضال اللبناني العربي النائب السابق فيصل الداود ونائبه طارق الداود، ممثل حركة أمل د. علي رحال، عضو اللجنة المركزيّة في حزب الطاشناق باروير ارسن، د. هشام الأعور ممثلاً رئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب، الدكتور أحمد قيس ممثلاً رئيس حركة الشعب النائب السابق نجاح واكيم، بول نجم ممثلاً رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، أمين عام مؤتمر الأحزاب العربية قاسم صالح، عضو قيادة التنظيم الشعبيّ الناصريّ إبراهيم ياسين ممثلاً الأمين العام النائب د. أسامة سعد، ممثل جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية أحمد شاتيلا، رئيس تحرير «البناء» النائب السابق ناصر قنديل، عماد جبري ممثلاً رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني كمال شاتيلا، رئيس حزب الوفاء اللبناني د. أحمد علوان، رئيس التجمع اللبناني العربي عصام طنانه، عضو قيادة الحزب العربي الديمقراطي مهدي مصطفى، مسؤول حزب رزكاري الكردي اللبناني إبراهيم فرحو، الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، جمال نجيب ممثلاً السفير السوري علي عبد الكريم علي والملحق الثقافي علي ضاهر، المستشار الأول في السفارة الفلسطينيّة حسان ششنية ممثلاً السفير الفلسطيني د. أشرف دبور، ممثل سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية المستشار السياسي السيد الله كرم مشتاقي.

مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم ممثلاً بالمقدم حيدر قبيسي، مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا ممثلاً بالمقدم الركن دوري غادر، العميد المتقاعد بهاء حلاّل، رئيسة مؤسسة نور للرعاية الصحية والاجتماعية مارلين حردان، نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزيف القصيفي ممثلاً بمدير التحرير المسؤول في «البناء» رمزي عبد الخالق، رئيس لجنة أصدقاء الأسير يحيى سكاف جمال سكاف، رئيسة مؤسسة رعاية أسر الشهداء نهلا رياشي، مسؤول العلاقات القومية والعربية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو أحمد فؤاد، ممثل حركة حماس في لبنان د. أحمد عبد الهادي، ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان إحسان عطايا، نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطينيعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين علي فيصل، أمين سر حركة فتح في لبنان وفصائل منظمة التحرير فتحي أبو العردات، مسؤول العلاقات السياسية في حركة فتح د. سرحان يوسف، مسؤول حركة التحرير الوطني الفلسطيني ـ فتح ـ الانتفاضة أبو هاني رميّض، وفد من الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة ضمّ أبو أشرف العينين وأبو أيمن البشير، مسؤول منظمة الصاعقة مازن عبد اللطيف، ممثل جبهة التحرير الفلسطينية أبو وائل محمد، وفد من جبهة النضال الوطني الفلسطيني ضمّ شهدي عطية وإبراهيم ابو رياض، ممثل أنصار الله حربي خليل، وفد من حركة الانتفاضة الفلسطينية ضمّ أبو جمال وهبه وأبو شادي الشهابي، ممثل جبهة التحرير الفلسطينية هشام مصطفى، وفد من حزب فدا ضمّ ناصر حسون ومصطفى مراد، ممثل جبهة التحرير العربية محمد بكري، والأسير الجولاني المحرّر صادق القضماني.

تعريف

الاحتفال الذي أقيم تحت شعار: «يوم الفداء والوفاء.. مستمرون حتى النصر» استهلّ بالوقوف للنشيدين الوطني اللبناني والسوري القومي الاجتماعي، وقدّمه ناموس المجلس الأعلى سماح مهدي الذي قال:

في العام 1936، وبينما كان شهيد الثامن من تموز معتقلاً في سجن الرمل هو وعدد من الرفقاء، قصده أحد زبانية الاحتلال الفرنسيّ آنذاك ناقلاً إليه عرضاً بالتخلّي عن فكرة تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي لقاء مغريات جمة من سلطة ونعيمها.

استمهل سعاده في إعطاء الجواب ليجعله صادراً عن كل الرفقاء، وطلب من ناقل العرض أن يعود في موعد لاحق.

في الوقت المحدد حضر المعنيّ بالأمر، ليأخذ جواباً لم يخطر له على بال. فها هي ذي أصوات السوريين القوميين الإجتماعيين تصدح:

سورية لك السلام سورية أنت الهدى

سورية لك السلام سورية نحن الفدى

«سورية نحن الفدى» لم يكن مجرد عجز من بيت شعريّ، بل هو نهج التضحية الذي أراده سعاده مرافقاً لمسيره الحزب منذ تأسيسه في العام 1932 وعلى امتداد الأجيال القادمة.

سعاده الذي لم يخش الموت يوماً، فهو الذي قال فيه: «كم مرة رأيته مقبلاً إليّ في أشكال مختلفة فما تجنّبته قط، بل أقبلت إليه كما أقبل إليّ، وثبّتّ نظري فيه كما ثبّت نظره فيّ، وكنت واثقاً في كل حين أني أسحقه. وكان في كل آنٍ يقطع الرجاء من إيصال الخوف إلى قلبي أو الشك إلى يقيني فيرتدّ خائباً ويرجع عوده على بدئه».

حتى عند لحظة استشهاده، طلب سعاده أن تبقى عيناه مفتوحتين ليرى الرصاصات التي ستخترق جسده.

رفض طلبه لأنه مخالف للقانون.

القانون الذي انتهك وأيما انتهاك خلال ما سمّي زوراً «بالمحاكمة» التي مرّرت على عجل لتنفيذ جريمة اغتيال أنطون سعاده.

ولتتأكدوا، راجعوا عدد الجريدة الرسمية اللبنانية الصادر بتاريخ 13 من تموز عام 1949 لتجدوا منشوراً فيها المرسوم عدد 5529 الذي صادق على حكم الإعدام.

لكن لا تتفاجؤوا عندما تقرؤون التاريخ، فالمرسوم وقع في التاسع من تموز، أي في اليوم التالي لتنفيذ جريمة الاغتيال.

لمن أراد القضاء على الحزب السوري القومي الاجتماعي بتصفية سعاده، نقول لقد خاب ظنك، فحزب سعاده ملء الساح ووسع المدى.

منصور

وألقى وزير خارجية لبنان الأسبق د. عدنان منصور كلمة جاء فيها:

 كبير من كبار هذه الأمة، ومفكر نهضويّ متميّز، ومقاوم جسور في العقيدة والفكر والأداء. بذل حياته من أجل استنهاض أمته، وتحريرها من نير الاستعمار والرجعية، وقوى الهيمنة والاستبداد.

 ما كان أنطون سعاده إلا النبض الحيّ لشعوب أمته وتطلعاتها، وآمالها، ونضالها من أجل الحرية والوحدة وكرامة الإنسان.

 لقد أدرك مبكراً بحسه الوطني، ووعيه القومي، ما أحاط ويحيط بهذه الأمة من مؤامرات، وأخطار، وسياسات شرسة، تهدد وجودها، وأمنها ووحدتها، ومستقبلها.

لقد هالته حالة الأمة التي ساد فيها الفقر والجهل والتمزق، والتعصب، والتخلف والانحطاط، وما عانته من مآسٍ وويلات لأربعة قرون على يد الاحتلال العثماني لبلادنا، الذي جثم على صدر شعوبها التي عانت الكثير الكثير من سياسات البطش، والقهر، والظلم، والتعصب، والتفرقة، والطائفية البغيضة. حتى إذا سقطت الدولة العثمانية وأفل نجمها ورحلت عن بلادنا، وجدت المنطقة المشرقية نفسها من جديد، أمام احتلال من نوع آخر، ظرفت تسميته بالانتداب.

 وإذ أكد أن كان الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، الذي فرض نظاماً طائفياً قبيحاً على هذا الأخير، لا نزال نعاني من تداعياته السيئة حتى اليوم، وأيضاً، الانتداب البريطاني على العراق وفلسطين، وما رافقه من زرع الكيان الصهيونيّ على أرضها، قال إن الزعيم أنطون سعاده، جاء في موعده مع أمته، ليحرّك وجدان وضمير شعوبها، التي كانت تتحكم بها دول التسلط في الخارج، بالتحالف مع قوى الرجعيّة في الداخل المتمثلة بالإقطاع السياسي والاقتصادي، والمالي والثقافي والطائفي، وما رافق ذلك من فساد وإفساد طال مختلف المؤسسات وأجهزة الحكم.

ولفت إلى أن أنطون سعاده كان من أوائل الذين نبهوا الى الخطر الصهيوني، الساعي الى إنشاء دولة عنصرية في فلسطين، المهدد لوجود الامة. لذلك كان هدفه مقاومة الاحتلال الصهيوني، وتحرير أمته من قوى الهيمنة والاستبداد. لقد رأى في المقاومة قدر الأمة، حيث لا مكان للضعفاء، والمتخاذلين، والمحبطين في هذا العالم. فحقوق الشعوب لا تؤخذ إلا بقوة المقاومة ولا تستجدى، وتحرير الارض والإنسان ليس صدقة يتم بالوقوف على أعتاب الدول الكبرى، وأن استقلال الأمة وسيادتها وحريتها، والدفاع عن ثرواتها، لا يتحقق بالتسكع على أبواب السفارات!

 مؤكداً أن أنطون سعاده كان قومياً اجتماعياً، عابراً للطوائف والمذاهب، متحرراً من القيود والعادات والتقاليد الرجعية البالية، التي قيدت مجتمعاتنا لقرون طويلة، وأعاقت نهضة الأمة وتقدمها، ومواكبتها لحركة التطور الإنساني، واللحاق بركب الحضارة الحديثة المبنية على العلم والإبداع والمعرفة. لقد تطلع الى الدولة المدنية في ظل نظام ديمقراطي شعبي حقيقي، يسوده العدل والحرية وحقوق الإنسان !

 ورأى أن فكر أنطون سعاده، وفلسفته الاجتماعية، وعقيدته السياسية والقومية منذ انطلاقتها، وجد صدى كبيراً في أوساط الجماهير، لا سيما لدى النخب الفكرية والسياسية، والإعلامية، والاكاديمية، والنقابية، حيث استطاع أن ينشر فكره على مساحة جغرافية واسعة، خلال فترة وجيزة بعد تأسيسه للحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1932.

وأكد أن الزعيم ظاهرة إنسانية، وحركة اجتماعية رائدة، آل على نفسه أن يقاوم ويواجه الظلم والتخلف والاستغلال. لم يلن ولم يستكن، لم يهادن، ولم يتراجع, لم يساوم على عقيدته ومبادئه. طورد، وأكره على المنفى، اعتقل وحكم، وسجن، ولم يتراجع ولم ينحن، فكان يخرج من سجنه في كل مرة مرفوع الرأس، شامخاً، متحدياً مواجهاً، أكثر عزيمة، وإصراراً وصلابة !

ولفت إلى أن سعاده ركز على بناء الإنسان المرتبط بأمته، عقيدة، ونهجاً، وسلوكاً، وممارسة وأخلاقاً. مدافعاً عن سيادتها وحريتها. كان يدرك تماماً أن حرية الشعوب، واستقلال الأمة ونهضتها لا تستعطى، وأن كرامة شعوبها لا تصان من المحتلين، والحكام الطغاة. وأن الدولة المستقلة الحقيقيّة، لن تسمح بها قوى الطغيان والتسلّط، وأن تحريرها من الاحتلال الصهيونيّ لن يتحقق مطلقاً على أيدي الطوابير الخامسة، وخونة الداخل، وعملاء الخارج.

 وأضاف: كانت مسيرة أنطون سعاده، حالة فريدة. فبعد أن انتشرت أفكاره في صفوف الجماهير التي تشربت عقيدته ومبادئه، وتنامت، وتعززت روح الثورة والنضال في نفوسها دفع بالطغاة، أن يحيكوا جريمة بشعة دبرت في ليلة ظلماء، بين السلطة اللبنانية، وحسني الزعيم، العميل الذي جاءت به المخابرات الأميركية CIA بعد انقلاب عسكري دبرته عبر أداتها في دمشق مايلز كوبلاند. فقام الطاغية حسني الزعيم بتسليم أنطون سعاده الى السلطات اللبنانية، التي أصدرت الحكم الظالم، الجائر خلال ساعات بإعدامه، دون أن تلتزم بأبسط الأعراف والأصول، والقواعد القانونية والقضائية، والإنسانية، لتمكينه من حق الدفاع عن نفسه، او تكليف محامين للمرافعة عنه.

 وحيث استنتج أن هكذا نفذ حكم الإعدام اللاإنساني، واللاأخلاقي يوم الثامن من تموز 1949، الذي أرادته السلطة إعداماً سياسياً، شكل وصمة عار لن يمحى عن جبين من كان وراءه. أراد الطغاة والعملاء، اغتيال الزعيم، ظناً منهم، انهم يستطيعون أن ينهوا فكره وحزبه، وعقيدته، وقد خاب ظنهم.

 وقال: لقد رحل عن هذا العالم حراً أبياً شامخاً، ورحل من بعده الطغاة القتلة. لكن أنطون سعاده، ظل حياً في فكره ونهجه وعقيدته، الراسخة المتجذرة في قلوب الأحرار والمحازبين، الذين يحافظون اليوم على الأمانة، وعلى الحزب الذي أراده الزعيم لهم، ان يكون حزباً نهضوياً وحدوياً، بانياً، مقاوماً، عاملاً على تسطير تاريخ جديد لأمة متحررة، قوية، متوثبة لها مكانها تحت الشمس.

وأكد أن استشهاد أنطون سعاده، كان درساً وعبرة، وهي أن تحرير الأمة من الاستعمار والحكام الفاسدين، لا يتحقق إلا بالمقاومة والدم والدموع. وان الاستشهاد في سبيلها، استحقاق يدفعه أبناء الحياة، الجديرون بها. ولقد ترجمت قوافل شهداء الحزب القومي الاجتماعي هذه الحقيقة على الارض، وفي ميادين القتال. فكانوا جزءاً لا يتجزأ من مقاومة وطنية باسلة، شاملة دفاعاً عن الأمة والارض والإنسان، في فلسطين ولبنان وسورية والعراق، وهم يواجهون دولة العدوان الاسرائيلية، وفصائل قوى الإرهاب، ومرتزقة قوى الهيمنة التي فتكت في جسم الأمة، ونسيج شعوبها.

 وشدد على أن الوفاء العظيم للزعيم في ذكرى استشهاده،

والإخلاص لمبادئه، ونهجه، وتضحياته، يحتم على ابناء حزبه الحفاظ على وحدة الصف والهدف، التي هي فوق كل اعتبار، خاصة أن الأمة تمرّ في مرحلة حساسة خطيرة، تواجه فيها شعوبها تهديدات لا تتوقف من جانب العدو الاسرائيلي وحلفائه.

 فهذا هو صاحب الذكرى، أنطون سعادهالمفكر، والمناضل، والزعيم، والشهيد الذي أرادوا اغتياله، وقتل فكره، وعقيدته، لا زال بعد ثلاثة وسبعين عاماً، نجماً متوهّجاً يسطع في سماء هلاله الخصيب، وهو الذي ما كانت حياته ومناقبيته ومواقفه، الا وقفة عز، وإباء وكبرياء، حتى وهو في اللحظات الأخيرة من إعدامه وإنهاء حياته.

 أنطون سعاده! كم كانت ثقتك كبيرة، بأمتك، وأبناء حزبك، وبالمناضلين الأحرار الشرفاء، حين قلت كلماتك القليلة الخالدة في لحظة وداعك الأخير قبل استشهادكأنا أموت، أما حزبي فباق». tالشهداء لا يموتون، وحدهم الطغاة، أعداء الحياة، هم الأموات، وما أبناء حزبك الأوفياء لعقيدتك إلا ليجسّدوا هذه الحقيقة، وكأني بك، تقول اليوم لقاتليك في يوم استشهادك: أنتم المجرمون، عشاق الذل، ومنبت العمالة والخيانة، مقرّكم هو الجحيم، أما أنا، فاشهدوا أني سأبقى الزعيم.

ارسن

وألقى كلمة حزب الطاشناق عضو اللجنة المركزية باروير ارسن، حيث قال:

تحيّةٌ عربيّةٌ أرمنيّة قوميّةٌ لرفاقنا في الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ.

تحيّة سلامٍ ومحبّةٍ من رفاق درب الحريّة والنضال.

ها نحن نجتمع اليوم لإحياء ذكرًى لن تموت أبد الدّهر، ذكرى الثّورة الخالدة، والإنسانيّة العظمى، ذكرى النّضال الموحّد، والفداء من أجل الحياة. ها نحن نقف في هذا الصّرح، ومن هذا الصّرح لنعلن إيماننا الموحّد بنهج الحريّة والنّهضة الّتي انتقلتْ من حيّز الفكر إلى نطاق الفعل.

وتابع: نقف أمام عهدنا مع سعاده، عهد الأحرار أمام ضمائرهم، عهد الصّادقين أمام أمّتهم، لنجدّد الانتماء إلى قوّة الرّوح، إلى المفكّر والثّائر والحر والقائد والزّعيم.

وإذ سأل: هنا يستوقفنا سؤالٌ: لم أنطون سعاده دون غيره؟ أجاب: لأنّه صاحب أفقٍ سياسيّ رحب، ونظرةٍ ثاقبةٍ، إذ اعتبر فلسطين بوصلة الأمّة، والعدوّ الصّهيوني العدوّ الرّئيس، وحذّر من خطره مبكّراً، معتبراً الصّراع معه صراع وجودٍ لا حدود، فرفض التّطبيع والتّرسيم، وجسّد ذلك عمليًّا من خلال المشاركة في اطلاق مشروع الكفاح المسلح الى جانب ثورة الشام عام 1936 لوقف الهجمة الصهيونيّة على فلسطين، وشكل في ذلك الحين مجموعات للمقاومة على أرض فلسطين استشهد بعض أفرادها ولا زال أبناء سعاده على خطهم. ومن ثمّ مشاركة حزبه في إطلاق المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة.

وأكد أن كان سعاده سباقًا في التّحذير من خطر الاستيلاء الصّهيونيّ على فلسطين، وعلى جميع كيانات منطقة المشرق العربي، فيما تستّر حكّام تلك الكيانات بشعارات الواقعيّة والرغبة في تحرير فلسطين كلاميًّا، لكنّهم فشلوا في تحقيق تلك الشّعارات، وهدروا مقدّرات البلاد على بناء جيوش تحمي القادة والأنظمة، وتقمع الشّعب.

وتساءل: هل من خطرٍ آخر على الأمّة غير الصّهيونيّة؟

مجيباً أن: هذا ما عبّر عنه سعاده في إحدى مقالاته قائلًا: «إنّ الخطر اليهوديّ هو أحد خطرين أمرهما مستفحلٌ وشرّهما مستطير، والثّاني هو الخطر التّركيّ».

كما يقول أيضًا: «الحقيقة أن الخطر التّركي قد أصبح مداهمًا، أترى تركيا سوف تقف مبتسمة لما يظهر بالقرب من حدودها من منابع بترول؟

وأكد: لقد كان مدركًا كلّ الإدراك مطامع الأتراك، وطموحاتهم التّوسعيّة إن كان على نطاق الأمّة السّوريّة أو غيرها من الأمم. سياستهم قائمةٌ على سفك الدّماء، واغتصاب الحقوق من أيام السّلطنة العثمانية الطّورانية إلى سياسات التتريك المستمرّة إلى يومنا هذا من أرمينيا وكاراباخ إلى اليونان وقبرص وليبيا وصولا الى سورية. يبنون دولتهم على رفاة الأبرياء، فلا دولتهم باقية ولا هم باقون. ورأى سعاده هذه الحقيقة منذ ثمانين عامًا، فهل من يعي الخطر التركي العثماني المتجدد على المنطقة الآن؟

واستطرد قائلاً: إنّ الحزب السّوري القومي الاجتماعي قد تمترس على خطوط الدّفاع الأولى سياسيًّا وعسكريًّا على معظم الجبهات في سوريّة ولبنان ملتزمًا المشروع النّهضويّ الوحدويّ واقفًا في وجه أعداء الأمّة داخليًّا وخارجيًّا.وحيث استطرد: ومن هنا نرى مدى الارتباط بين الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ وحزب الطّاشناق، إذ تربطهما علاقةٌ تاريخيّةٌ عريقةٌ، قائمةٌ على وحدة القيم، فالعدوّ مشتركٌ، والفكر في بعض الأمور واحدٌ فنحن لا ننكر وجود انتماءاتٍ قوميّةٍ أو وطنيّة، دينيّةٍ أو عرقيّة أقل أو أكثر اتّساعًا منّا لكن لا نسعى إلى إلغائها أو النّيل منها كما يفعل بعضهم، لكن نسعى لأنْ نكون تكاملًا وواسطة عقدٍ بين هذه الانتماءات. وهذا هو فكر الطاشناق الذي يرى في كل بلدٍ انتماء فيسعى إلى بناء الآخر بناءً فكريًّا ثقافيًّا بعيدًا عن الغلو والتّطرف فيكون بذلك تكاملًا مع سعاده في بعض أفكاره. استدرك بقوله: ولكن، كيف لشجرةٍ أن تؤتي ثمارها من دون تكافل؟ من هنا نجد أن المطلوب هو زيادة مساحة الحوار بين الجميع، وإدارة الاتفاقات أو الاختلافات بشكل ديموقراطي وواعٍ لدقّة المرحلة التي تمر بها المنطقة. وتحقيق مشاركة الجميع في إنتاج النظام السياسي، وإنتاج الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني التي تؤدّي إلى ازدهار الوطن وتحقيق مصلحة المواطن، فممارسة المواطن لحقوقه السّياسية والمدنية، ولحقّه في الوصول إلى مدّخراته وقوت يومه من دون ضغطٍ أو ذلٍ أو إسفاف مفسحين المجال أمام القوى السّياسيّة الحيّة، والنقابات، والمنظمات الشّعبيّة والمؤسسات الأهليّة المتنوّعة للعب دورها كاملًا، كما أنّ قمع التّعدديّة السّياسية واحتكار السّلطة وإلقاء القبض على الفكر، وتداوله يشكّل خسارة قوميّة كبرى.

واستنتج أن على الأحزاب اللبنانية بأطيافها ومذاهبها كافّةً أن تتعاون لدرء الخطر المتربّص في المنطقة، ولن يكون ذلك إلّا بالتّركيز على الأحزاب الفاعلة صاحبة الكلمة الحرّة والرأي الحرّ والتي ولدت من رحم الشعب، لا تنفّذ أجنداتٍ خارجيّة ولا تنتظر المال لتقوم بدور مشبوه، لا تبيع ضمائرها وهذا للأسف ما شاهدناه في الانتخابات النّيابيّة الأخيرة من شراء للأصوات وتشويه للحقيقة. ونحن بحاجة إلى الأحزاب والى الشخصيات التي تقف إلى جانب شعبها وقواعدها الشعبية في السّراء والضّرّاء وليس في مرحلة الانتخابات فقط. وعلى السّلطة السّياسيّة والأحزاب الفاعلة الوعي واليقظة والانتباه، فالخطر محدقٌ بنا من كلّ حدبٍ وصوب، فعلى السلطة السياسية ألا تسيء استعمال السّلطة العامة سواء في شقّها التّنفيذيّ أو التّشريعيّ أو القضائيّ أو في المجالات السّياسيّة أو الإداريّة أو الأمنيّة أو العسكريّة.

وقال: إن استمرار عمليّة بناء الثّقة بالدولة، تزداد وتترسخ بتمكين المواطنين وتوسيع خياراتهم، وزيادة مشاركتهم في كلّ ما يصنع حياة المجتمع والدولة، كما أنّ الثّقة بالدّولة تزداد وتترسخ بقيام السّلطات بواجباتها بشكل كامل، وزيادة الوقاية الإدارية أيضًا. وها نحن نشاهد عن كثبٍ الحرب الأوكرانيّة الرّوسيّة وما عليها من تبعاتٍ وانهيارات اقتصاديّة قد تطال بشكلٍ أو بآخر الدّول المجاورة، وتعطي فرصةً للعدوّين الإسرائيلي والتّركيّ للانقضاض عليها، فها هي تركيا تزداد عنصريّةً وحقدًا وها هي الصهيونيّة تستبيح السماء والماء مهددة ومتوعدة، منتهكة الحقوق كفعلتها الأخيرة في حقل الغاز الطبيعي كاريش. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ المقاومة وسيلة وليست غاية، هي ليست اختراعًا جديدًا أو احتكارًا فئويًّا؛ ليست تعبيرًا مذهبيًّا أو طائفيًّا ولا جغرافيًّا، بل هي تعبير عن تراكم وطني وقومي وعقائدي. علينا جميعًا التّضامن ودرء الخلافات لنكون موقفًا واحدًا مع الدولة والمقاومة والشعب والجيش في ما يتعلق بهذا الملف الأساسي والمصيري.

وختم: وأمام كل ما سبق من تطوّرات لا بدّ من إجراء الاستحقاقات الدستوريّة في أوقاتها من تشكيلٍ للحكومة وانتخابٍ لرئيس الجمهوريّة، كي لا يقع لبنان في حيّز الفراغ، ويكون لقمة سائغة لعدوّ لا يرحم. وإلى حينها على حكومة تصريف الأعمال تحمّل المسؤوليّة كاملةً، وإحكام قبضتها على أركان الدّولة، وتؤمّن للمواطن قوت يومه بدءًا من رغيف الخبز الذي بات عملةً نادرة في هذه الأيّام. كفانا ذلًّا وكفاكم إذلالًا للمواطن. آملين أن تتضامن الأحزاب اللبنانيّة الشّريفة المقاومة وتسعى إلى نشر الوعي السّياسي حتى ننقذ البلاد من هذا الوضع المأساويّ ونبني صموداً وطنياً لمواجهة هذه المرحلة.

 كلمة الفصائل الفلسطينيّة

وألقى أبو أحمد فؤاد كلمة الفصائل الفلسطينية، وجاء فيها: «في حضرة الشهداء، خاصة الكبار منهم، تبدو الكلمات عاجزة عن نقل عظمة هؤلاء الزعماء، بما زخرت به حياتهم، أو ما صنعه استشهادهم، الذي يعني بقدر ما، الولادة الجديدة لحياة دائمة، لا تنتهي.

وتابع: ونحن نحتفي بالذكرى الثالثة والسبعين لاغتيال الزعيم أنطون سعاده، فإننا نقف بخشوع وتقدير وفخر، أمام مسيرة رجل، ولا كل الرجال، لأنه المفكر العظيم الذي أزال الغشاوة السوداء عن عيون الآلاف، وفتح العقول قبل العيون، على واقع الأمة، الخاضعة بقوة وعسف المستعمرين للاضطهاد والتخلف والتبعية والذل. وقد ألهمت الأفكار التي بدأ يطرحها هذا الشاب في كتاباته في الصحف والمجلات التي أسسها او كتب فيها في المغتربات ولبنان وسورية «الجريدة والمجلة والأيام والنهضة وسورية الجديدة والزوبعة والجيل الجديد»، الآلاف من أبناء الشعب الباحث عن حرية وطنه، وكرامته الإنسانيّة. كما ساهمت الكتب التي ألفها: نشوء الأمم، ونشوء الأمة السورية، والصراع الفكري في الأدب السوري، ويكتسب «شرح المبادئ» في التأسيس لفكرة «القومية الاجتماعية ودورها في نهضة الأمة». وقد شكلت خطابات الزعيم في المناسبات والمهرجانات الوطنية، مادة ثقافية وتحريضية، لجيل يبحث عن امتلاك ذاته الانسانية في وطن حر وسيد.

وأضاف: «ما بين الأول من آذار/ مارس 1904 يوم ولادة الزعيم، والثامن من تموز/ يوليو 1949 ذلك اليوم الذي استشهد فيه، تتكثّف نضالات شعب وأمة في رجل، عاش بكل تفاصيل حياته من أجل الأفكار التي آمن بها، وناضل من أجل تحقيقها، بين أبناء أمته أو في المعتقلات والزنازين، في سبيل حرية الوطن وكرامة الإنسان. في كلماته الأخيرة والقليلة وهو يواجه الإعدام بروح ثورية متوهّجة «أنا لا يهمّني كيف أموت، بل من أجل ماذا أموت». نعم، سقط الجسد من أجل الأهداف النبيلة والعظيمة التي كانت فخراً له، ولكل من حملها بعده المناضلون والمناضلات في مختلف ميادين النضال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لكن الفكرة/ البذرة، انغرست في تربة الوطن، وعقول أبناء الأمة، وامتدّت وتعمّقت وملأت ميادين الوطن الكبير، بالثوريين والثوريات، رواد التغيير الجذريّ، وبالاستشهاديين والاستشهاديات، الذين نفذوا وصية، المعلم والملهم والزعيم، في مواجهة الهجمة اليهودية/ الصهيونية لفلسطين، الذي استشعر خطورتها، وقال عنها «كل مشروع لا يضمن سيادة الشعب السوري في فلسطين ولا يمنع الهجرة اليهودية ولا ينفي إقامة دولة قومية لليهود ولا يضع مبدأ الحق موضع مبدأ الظلم، فمشكلة فلسطين ستستمر في تعقدها ويستمر الشعب في تمرده وغضبه». لهذا، شدّد الزعيم على ضرورة التصدي لهذه الهجمة بالاستعداد العسكري والعمل على تأسيس وتجهيز القوى المسلحة لمجابهة الغزاة، وهذا ما أكده في خطابه في برج البراجنة في 29 أيار/ مايو 1949. بقوله «إن الدولة اليهودية تخرّج اليوم ضباطاً عسكريين، وإنّ الدولة السورية القومية الاجتماعية التي أعلنتها سنة 1935 تخرّج هي أيضاً بدورها ضباطاً عسكريين، ومتى ابتدأت جيوش الدولة الجديدة الغريبة تتحرك بغية تحقيق مطامعها الأثيمة والاستيلاء على بقية أرض الآباء والأجداد، ابتدأت جيوشنا تتحرّك لتطهير أرض الآباء والأجداد وميراث الأبناء والأحفاد من نجاسة تلك الدولة الغريبة».

ورأى أن «على الرغم من الحياة القصيرة التي عاشها الشهيد ـ الحي وهي «خمسة وأربعون عاماً» فإن ما بدأه في الكتابة والنشر وهو في سن الثامنة عشرة، لفت أنظار المهتمين بالشأن العام، بأن ما يكتبه «أنطون سعاده» بمداد العقل ويسطره بأحرف من نور في صفحات الحاضر والمستقبل، سيرسم طريق الخلاص للأمة من مستعمريها ومستبديها. لهذا فإن ما تركه هذا المفكر والفيلسوف والقائد السياسي، يؤكد على أهمية الإسهامات النظرية التي تركها لحزبه وشعبه وأمته».

وتابع: «في هذا الاستشهاد الذي طرح فيه الزعيم فكرة العروبة دليلاً على العمق النظري الذي أتاح له تقديم رؤية جديدة، تستند على وقائع التاريخ والجغرافيا واللغة والثقافة، اقرأها باختصار «إننا نحن السوريين القوميين الاجتماعيين نوجّه كل قوانا في ما يختص بالمسائل القومية الى مسائل أمتنا نحن، أما في يختص بالمسائل المتعلقة بالعالم العربي كله، فإني أعلن متى أصبحت المسألة، مسألة مكانة العالم العربي كله تجاه غيره من العوالم، فنحن هم العرب قبل غيرنا، نحن جبهة العالم العربي وصدره وسيفه وترسه، ونحن حماة الضاد ومصدر الإشعاع الفكري في العالم العربي كله.

وقبل أيام قليلة، عشنا جميعاً الذكرى الخمسين لاستشهاد الأديب المشتبك، والإعلامي المقاتل، بالكلمة والريشة، والقيادي البارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الرفيق الشهيد غسان كنفاني. وما بين طلقات القتلة العملاء التي اختطفت روح الشهيد / الزعيم يوم 8 تموز عام 1949، والعبوة الناسفة التي زرعها عملاء الموساد الصهيوني في سيارة الرفيق الشهيد غسان كنفاني، وأدّى تفجيرها إلى تطاير جسده، وجسد لميس نجم إبنة شقيقته التي كانت برفقته يوم 8 تموز عام 1972، ليس فقط تطابق اليوم والشهر، بل التماهي والتطابق بين أطراف جبهة الأعداء مهما تنوّعت أسماؤها، أو اختلفت مناطق عملياتها الإجرامية»..

واستطرد: «لقد تعززت علاقتنا بالحزب القومي في مراحل عدة في القتال ضد العدو الصهيوني وضد الانعزاليين والذين عملوا لخدمة العدو ومن يدعمه. فعملنا قواعد مشتركة، ونفّذنا عمليات مشتركة، توحد الدم، والهدف، والمصير وسنبقى نعمل معاً حتى تحقيق أهداف شعبنا في تحرير فلسطين من نهرها الى بحرها».

وعقّب: «اسمحوا لي أن أتحدث قليلاً عن الوضع السياسي العام فزيارة بايدن غير المرحّب بها الى وطننا ومنطقتنا، تستهدف وضع خطة مشتركة مع العملاء العرب، بقيادة الكيان الصهيوني للاعتداء على محور المقاومة، وفي المقدمة إيران وسورية والتفاصيل باتت معروفة لدى الجميع. والمطلوب فلسطينياً: رفض هذه الزيارة والتعبير عن ذلك عبر مظاهرات في داخل الوطن، وفي بلدان الشتات واللجوء. والمطلوب عربياً: دعم وإسناد للحراك الشعبي الفلسطيني، بحراك شعبيّ عربيّ خاصة في دول التطبيع. وتوجيه دعوات من قبل المؤتمر القومي العربي، ومؤتمر الأحزاب العربية للقيام بفعاليات مناهضة لهذه الزيارة، التي تستهدف من خلالها (بايدن) ارتكاب جريمة بحق شعبنا وأمتنا، وليس بحق الشعب الفلسطيني فحسب. ويحاول أن يحقق مكاسب لمعركته الإجراميّة ضد روسيا…».

وختم: «الأعزاء جميعاً في الختام أتوجه بالتحية الى روح الشهيد أنطون سعاده والتحية إلى أرواح جميع شهداء المقاومة والتحية للأسرى في سجون العدو الصهيوني، التحية لمحور المقاومة، عاشت فلسطين، ولتحي سورية».

مراد

والقى النائب حسن مراد كلمة القوى الوطنية اللبنانية وفيها قال:

سبعون عاماً وثلاثة وأنطون سعاده يضجّ بالحياة التي انبثقت كالفجر من ليل الظلمة والظلم.

سبعون عاماً وتزيد ووجهه يتهلل وفكره يرسخ وعيونه الثاقبة تحدّق بعناد في وجوه الجلادين الذين لم يتبدلوا، وإن تبدلت وجوههم..

وأضاف: يرعبهم سعاده وهو في حضرة الغياب الجسدي الأبدي، كما أرعبهم وهو في فضاء الفكر نسراً محلقاً، وزوبعة تقتلع جذور التخلف والتقوقع، وتحرك العقول لتنتج نور الفكر والفكرة. وتمضي السنون وتتغير الأجيال والوجوه، ويبقى فكر سعاده أكثر ثباتاً، وأشد حضوراً، وأصدق الشهود، ومن أنبل الشهداء الذين قارعوا الاستعمار، ورفعوا شعار حرية الفكر المتوثب، نحو نهضة الأمة وديمومتها.

وإذ تابع: واليوم أكثر من أي وقت نستحضر قامة سعاده الفكرية الشامخة برغْم الأغلال التي طوّقت عنقه ولم تستطع سجن فكره، إذ تلجأ الدوائر المعادية إلى محاولة إحكام خطة الحصار الاقتصادي بديلاً من الحرب العسكريّة التي أجهضت أهدافها وحدة وصلابة لبنان بمقاومته وجيشه وشعبه، وبات العدو يحسب ألف حساب قبل القيام بأي عدوان على أرضنا وثرواتنا، رأى أن: لا يمكن لقوة في العالم أن تهزم إرادة شعب قرر ان يقاوم وينتصر، ولا يمكن لأي فريق داخل الوطن، أن يقفز فوق الثوابت الوطنية، وأبرزها عروبة لبنان والصراع مع العدو الصهيوني، الذي لا يفهم إلا لغة القوة، كما قال القائد المعلم جمال عبد الناصر ما أخذ بالقوة لا يستردّ الاّ بالقوة، ولا يمكن لأي من الشركاء في الوطن، أن يرفع شعار الحياد تجاه عدو لا يعرف إلاّ سلب الحقوق، والمجازر والغدر والمكر سبيلاً لتحقيق مشروعه التوسعيّ، على امتداد رقعة الأرض العربيّة من الفرات إلى النيل.

وإذ لفت إلى أن ولئن دخلت الأمة في مرحلة من الوهن بسبب تكاثر الذئاب عليها، إلا أنها أمة ولاّدة أنجبت الأبطال والرجال، والتاريخ لن يتوقف على أبواب الطغاة، الذين قضوا ومضوا وبقيت حتمية انتصار الحق على الباطل هي الحقيقة الدامغة، مؤكداً اننا في ذكرى الزعيم سعاده، نؤكد على أهمية تلاقي الارادات الوطنية جمعاء لصناعة قوة ومناعة الموقف الوطني بمواجهة التحديات الخطيرة التي يتعرّض لها وطننا وأمتنا.

واذ نشدد على حقنا الكامل في ثرواتنا الوطنية في البحر واليابسة، نشدد على حقنا بسماء صافية خالية من طائرات الرعب الصهيوني وعلى حقنا في الدفاع عن أنفسنا وأرضنا وسيادتنا وكرامتنا بكل الوسائل، وأجداها مع العدو هي المقاومة، لأن مشروعه هو العدوان بالقوة، ولا يمكن مواجهته الاّ بالقوة، ونحن فينا قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ، وقد فعلت في أيار 2000 وأنتجت التحرير، وتموز 2006، حيث الانتصار وهزيمة مشروع الشرق الأوسط الجديد وهذه القوة جاهزة في أي وقت يتعرّض الوطن للخطر.

 ورأى أننا نؤكد أيضاً على مناشدتنا للحكومة اللبنانيّة أن تفتح أبواب التواصل مع الشقيقة سورية على مصراعيها وهي الشقيقة الأقرب التي وقفت مع لبنان في عز أزماته، ولأن في هذا التواصل مصلحة مشتركة للبلدين الشقيقين، كما أن المصلحة الوطنية تقتضي الحفاظ على علاقات جيدة مع كل الأشقاء العرب وفقاً لحتمية التاريخ والجغرافيا ونصوص الطائف.

وخاطب اللبنانيين بأن تعالوا نتلاق على ترسيخ العيش المشترك، وليترك المراهنون على تغيير معادلة من هنا وقواعد لعبة من هناك. هذه الرهانات خاسرة؛ فالرهان الرابح الوحيد هو تمسكنا بوحدة وطننا، والعمل لأجل إنقاذه من الأزمات الراهنة، فماذا تنفعنا المكتسبات السياسية والوظيفية الضيقة، إذا كان الوطن في حالة احتضار.

وسأل: ماذا تنفع استعراضات بعضهم اذا كان كل الشعب يئن من الغلاء والجوع والوباء، وشلل العمل في المؤسسات وتعطيل مصالح الناس؟ وماذا يربح بعضهم من المقاطعة والوقوف في المنطقة الرمادية، تجاه حقنا في ثرواتنا النفطية والمائية وسيادتنا على بحرنا وبرنا وجونا في الوقت الذي يحتاج الوطن إلى الترفع عن زواريب السياسة ووحدة أبنائه للحفاظ على مناعته وقوته.

وفي ذكرى استشهاد الزعيم وجّه إلى سعاده تحيّة لفكره وصلابته ونضاله، في سفره وحلّه وترحاله واستشهاده، وتحية للحزب السوري القومي الاجتماعي، الثابت على نهج المقاومة ضد كل طغيان وعدوان في كل مكان ونؤكد في هذه الذكرى العظيمة أننا ثابتون على عروبتنا وعلى مقاومة العدوان.

وختم: سمتان أبديتان في الفكر القومي الاجتماعي أعطاهما أنطون سعاده للبنان وللعروبة وللإنسانية جمعاء، هما اللغة العربية الفصحى، والعداوة السرمديّة للصهيونيّة ووجوب تحرير فلسطين.

المجد لسعاده في عليائه ولكل المناضلين شرف العطاء من أجل نهضة الأمة وعزتها وتحرير مقدساتها.

حردان

وألقى رئيس الحزب الأمين أسعد حردان كلمته في احتفال الثامن من تموز ـ ذكرى استشهاد مؤسس الحزب أنطون سعاده، وجاء فيها:

تموز عزفٌ على الجراح، تموز بالفداء لحن أبجديّة

إنه ذاكرةٌ، تختزن محطات التاريخ، بمآسيها ونعمها، ثنائية دمعة وابتسامة، موتٌ فقيامة، قالها المعلم «أنا أموت أما حزبي فباقٍ»… «نحن جماعةٌ لا تتخلى عن مبادئها لتنقذ جسداً بالياً لا قيمة له»…

وقال: إنها نهضة أمة من رمادها، عنقاء حضارة

قضية خلّدت بوجه من أرادوا فناءها، فكانت عصيةً، وعادت فتيةً، تبعث من جراح تموز، بالأحمر القاني تعزف لحن الأبجدية، وترسم أبعاد الهويةنعم استشهد المعلم، والدوافع جليةٌ، سعاده صاحب قضيةتنّين مثالبٍ صارعه سعاده، فليل تموز للقوميين عطية، لوقفات العزّ أمثولة عتية، تعملق سعاده بالانعتاق، فكان شهيد القضية

وخاطب رئيس الحزب الحضور: أيها الحاضرون على محطات الغياب والأمل، يا من جئتمْ إلى رحاب وقفات العز، نحيي معاً ذكرى استشهاد الكبير الذي قال «أنا لا يهمّني كيف أموت بل من أجل ماذا أموت»، نحيي معاً ونحيا في آن اختمار العزّ حتى فيضه في نفسٍ أبية، انعتقتْ من أناها، نقيةً، قرباناً على مذبح القضية

فالثامن من تموز عام 1949 ليس تاريخاً عابراً في ذاكرة الزمن، إنه محطةٌ فاصلةٌ في مسار الصراع بين مشروعيْن متصارعيْن: مشروع الهيمنة الاستعمارية والارتهان له خضوعاً واستسلاماً، ومشروع النهضة القوميّة الذي وضعه الزعيم الخالد أنطون سعاده، رمز الوقفة التموزية البطولية في وجه الظلم والاستبداد ودفاعاً عن قيم الحقّ والحرية.

ورأى أنّ الصراع لا يزال قائماً، والأسباب والدوافع لتنفيذ مؤامرة الاغتيال، لا تزال هي هي، لأنّ سعاده، عقيدةً وتعاليم، نهجاً وثوابت، يحيا خالداً في حزبه الذي يملأ ساح الجهاد حضوراً وبطولةً ويقدّم التضحيات والشهداء.

لقد اغتالوا سعاده لأنه عمل على وصل شرايين أمةٍ مزّقها الاستعمار، ولأنه سكب فيها نبضاً أعاد انبعاث الحياة المتجدّدة بإنسان المجتمع الجديد. اغتالوه، لأنه أراد لبنان فاعلاً في محيطه الطبيعي، متحمّلاً لمسؤولياته تجاه أيّ خطرٍ يتهدّده أو يتهدّد محيطه، لا سيما فلسطين. وليس خافياً أنّ مؤامرة الاغتيال، نفذت في وقتٍ كان الخارج يقوم بصياغة موقع لبنان الحياديّ الضعيف بما يؤمّن مصالح الاستعمار، والقوى التي تدور في فلكه، وفي طليعتها العدوّ الصهيونيّ.

وأكد أنّ منفذي المؤامرة لقد توهّموا أنهم باغتياله، يقضون على مشروعه النهضويّ، لكنهم وجدوا حزباً قومياً عصياً على الاغتيال، ينتظم في صفوفه آلاف الشباب جيلاً بعد جيل، لينضمّوا إلى حركة الصراع ومعمودية التضحية من أجل أهدافٍ ساميةٍ وقضيةٍ عظيمةٍ حيّةٍ ومحقة.

وأكد أن اليوم، في حضرة شهيد الثامن من تموز، تحضر قيم الفداء فتسمو، ويتجدّد عهد الوفاء، لسعاده وكلّ الشهداء أن نستمر في حمل لواء قضيتنا القومية عاملين لانتصارها، بإيمان القوميين الذي لا ينضب، بثباتهم وصمودهم، بجهادهم وتضحياتهم، وبإرادتهم المصمّمة، المتحديّة كلّ الخطوط الاستعمارية الحمراء.

وفي محضر الشهادة، لا تهاون ولا تساهل حيال الطروحات التي تستبطن أهدافاً تقسيميةً وترمي إلى إقامة غيتواتٍ طائفيةٍ، وليس مقبولاً منطق الحياد في خضمّ الصراع المحتدم، لأنّ الحياد رسالة ضعفٍ تزيد من أطماع العدوّ بأرض لبنان وثروته، وانتهاكاته لسيادته وكرامة اللبنانيين. لذلك نقول، كفى رهاناتٍ تجلب الويل على هذا البلد، فوحده خيار المقاومة دحر الاحتلال ودشّن عصر القوة والانتصار.

وقال: إنّ ما هو مطلوبٌ اليوم، تحشيد ما أمكن من حواصل القوة في مواجهة الخطر الوجوديّ المتمثل بالعدوّ الصهيوني، والاستثمار في هذه الحواصل لقيامة لبنان الواحد اللاطائفي، ولترسيم حقّنا العابر للمناطق، والمعبّر عن تطلعات الأجيال الجديدة، وأيضاً لترسيم قواعد السياسة الوطنية الضامنة للسيادة والكرامة. وإنّ ترسيم حقّنا، خيارٌ لا رجعة عنه، وهو مهما رتّب علينا من أثمانٍ باهظةٍ، يبقى أقلّ كلفةً من الاستسلام أمام عدوٍّ غاصبٍ متغطرس. ولذلك، ندعو لأن تتوحّد كلّ القوى، وفي مقدمتها الدولة، لتعزيز عناصر القوة، في سبيل تثبيت الحقّ والبدء سريعاً باستخراج النفط والغاز من حقولنا البحرية والبرية.

ونؤكد: أنّ تقاذف المسؤوليات إعلامياً وسياسياً ليس في مصلحة البلد، لأنّ من يقف حائلاً أمام حقّ لبنان في استخراج الغاز والنفط، معروفٌ، كما أدواته المرئية وغير المرئية، الداخلية والخارجية.

وخاطب القوميين والحضور: نحن حزبٌ يدافع عن الأمة وحقّها في الحياة والحرية، ويقاتل على جميع الجبهات. لقد بذلْنا التضحيات وقدّمنا الشهداء، ولم نتراجعْ عن مبادئنا وقناعاتنا. ولنا الفخر بأننا كنا طليعيّين في معارك الدفاع عن فلسطين، وكان أول شهدائنا الرفيق حسين البنا في العام 1936.

وإنّ المؤامرة التي نفذت فجر الثامن من تموز، بعد عامٍ ونيّفٍ من قيام كيان الاحتلال الصهيونيّ، زرعاً اصطناعياً في فلسطين، استهدفت باغتيال سعاده ضرب الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ والقضاء عليه. لكن أربابها لم يعلموا أنّ سعاده أسّس حزباً عصياً على كلّ المؤامرات، وأنّ أبناء عقيدته مخلصون لقضيتهم، متمرّسون في الصراع والتضحية والفداء، ثابتون على عهد الوفاء، يجسدونه بطولةً مؤيدةً بصحة العقيدة.

وشدد حردان على أن: نعم، هذا هو حزب سعاده، لا حياد حين تتهدّدنا المخاطر، ولا ننأى بأنفسنا في الاستحقاقات المصيرية الكبرى، وكما في فلسطين، كذلك في معركة استقلال لبنان، ومنا كان الشهيد الرفيق سعيد فخر الدين في مواجهة دبابات المستعمر، وكان الشهيد الرفيق أديب البعيني على رأس الحرس الوطنيّ، وكان الشهيد الرفيق حسن عبد الساتر حامياً لعلم لبنان المرفوع فوق قبة البرلمان.

مؤكداً أننا نحن حزبٌ لم يتلكأ عن القيام بواجباته مهما اشتدّت الصعاب، فعندما غزا العدوّ الصهيونيّ لبنان ووصل الى العاصمة بيروت، صدحتْ رصاصات خالد علوان، وتلألأ الاسشهاديون نجوماً، فكان وجدي وسناء ومالك وخالد وابتسام وكوكبة الاستشهاديين وقوافل الشهداء الذين لهم الفضل في تثبيت ثقافة المقاومة وتعزيزها وصولاً إلى دحر الاحتلال وإنجاز التحرير.

واستمرت المقاومة إعداداً وتجهيزاً فكان انتصار تموز العام 2006، فتحيةً منا في يوم الفداء والوفاء الى كلّ المقاومين، وتحيةً الى كلّ الشهداء من الجيش والشعب والمقاومة الذين بدمائهم، نعم، بدمائهم صنعوا المعادلة.

وخاطب رئيس الحزب الحضور: اسمعوني جيداً، لا إعلان الضعف ولا التمترس خلف مقولة الحياد يجنّب لبنان الخطر، فبلدنا مستهدفٌ في وحدته ووحدة أبنائه، ومستهدفٌ في أمنه الاقتصاديّ وأمنه الاجتماعيّ وأمنه الغذائيّ وعلى كلّ الصعد. وما هو مؤسفٌ أنّ الأزمات التي تعصف به، ليستْ كلّها نتيجة استهدافٍ تقف خلفه دولٌ راعيةٌ للاحتلال والعدوان، بل هناك مسؤوليةٌ كبرى تتحمّلها مؤسّسات الدولة التي تنأى بنفسها عن القيام بواجباتها تجاه الشعب.

وإنه لمشهدٌ مستهجنٌ، أن تتحوّل مدّخرات اللبنانيين إلى مجرد أرقامٍ على شاشات حواسيب المصارف، وأن نرى الناس طوابير عند المخابز للحصول على الرغيف، وأمام محطات المحروقات التي تتحكم بمخزونها وأسعارها شركاتٌ محتكرةٌ، ناهيك عن تحميل المواطنين عبء شراء المياه وهي نعمة الله للإنسان.

وإنه لمشهدٌ مدانٌ، تفاقم معاناة المرضى الذين لا يستطيعون الدخول إلى مستشفى لأنهم لا يملكون بدل العلاج، ومدانٌ هذا الارتفاع الجنونيّ في فاتورة الدواء.

وكلّ هذا نتيجة عدم قيام الدولة ومؤسّساتها بأقلّ الواجبات. أما الكهرباء، وما أدراك ما الكهرباء

فإننا نسأل، أيعقل أن يستمرّ المواطن بلا كهرباء على الرغم من كلّ ما أنفق؟ وهل تجرؤ مؤسسات الدولة على مصارحة اللبنانيين، حول حقيقة رفض كلّ العروض التي تنهال على لبنان في سبيل حلّ هذه الأزمة. فمن يدفع البلد عنوةً إلى العتمة الشاملة؟ ولمصلحة منْ؟

واستدرك حردان أن المفارقة أنه في ظلّ اشتداد الأزمة، وبدل أن يتوحّد اللبنانيون لإنقاذ بلدهم، نسمع أصوات النشاز تستهدف قوة الدولة بكلّ عناصرها، فبدلاً من رفع الصوت لتأمين العتاد والسلاح والإمكانيات للجيش اللبناني، يتمّ استهداف سلاح المقاومة الذي يشكّل رادعاً استراتيجياً في مواجهة كيان العدوّ مصدر التهديد المستمرّ للبنان.

وقال: إننا نسأل، لماذا لا نسمع من السياديّين والحياديّين الجدد كلمة إدانةٍ واحدةٍ، حين يخرق العدوّ الصهيونيّ سيادة الدولة اللبنانية، ويتخذ من سماء لبنان ممراً للعدوان على الشام، او عندما يعتدي على المزارعين في حقولهم؟

وإننا نسأل، لا بل نسائل الذين ينادون بالفدرلة، لماذا تريدون لهذا البلد أن يكون مقسّماً ومفتّتاً وضعيفاً؟ أليس هذا ما يريده أعداء لبنان، حتى لا نقول أكثر؟

وإنّ إنقاذ لبنان لا يكون إلا بالوحدة، وبقيام دولة المواطنة العادلة والقادرة والقوية وبتكريس منطق الدولة والمؤسسات، وتطبيق الدستور بكلّ بنوده وتحديث القوانين، ولبنان أحوج ما يكون الى قانون انتخاباتٍ عصريٍّ يوحّد اللبنانيين ويحقق المساواة بينهم، ويحرّرهم من كونهم رعايا طوائف ومذاهب.

وحول استحقاق الانتخابات الرئاسية، أكد حردان وجوب إتمام هذا الاستحقاق، فنحن ضدّ أيّ فراغٍ في مؤسّسات الدولة، فكيف إذا كان في موقع رئاسة الجمهورية. وما نريده نحن للبنان، أن يكون نطاق ضمانٍ للفكر الحرّ، وأن يسقط الخطاب الطائفيّ التفتيتيّ المفكّك لبنى الدولة ومؤسساتها. وإنّ الذين راهنوا على سقوط العمق القوميّ للبنان، فشلوا في كلّ رهاناتهم، فها هي سورية وبعد أن حققت نصراً استثنائياً على العدوّ الإرهابيّ وداعميه وعملائهم، تستعيد عافيتها، وتسير بخطىً ثابتةٍ في مسيرة إعادة إعمار ما دمّره العدوان الذي ما كان ليستهدفها لولا موقفها القوميّ التاريخي الصلب دفاعاً عن فلسطين والمقاومة بكلّ أحزابها وفصائلها.

وتابع: نعم، الشام انتصرت، والكلام اليوم ليس عن عودتها إلى الجامعة العربية، بل عن ضرورة عودة الجامعة العربية إليها، لأنّ في ذلك مصلحةً للجميع. ولذلك نؤكد أنّ انتصار دمشق ثابتٌ راسخٌ، تحقق بفضل قيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد والتضحيات الجسام التي بذلها الجيش السوري ونسور الزوبعة وقوى المقاومة.

 فتحيةٌ الى شهداء الجيش والمقاومة وشهداء حزبنا النسور، ومنهم ثائر بلة وفيصل الأطرش وصبحي العيد ومحمد عواد وأدونيس نصر وكلّ رفيق ارتقى شهيداً من السويداء إلى كنسبّاوإنها لمعركةٌ مستمرةٌ لتحرير الجولان من الاحتلال «الإسرائيليّ» ودحر الاحتلال التركي من مناطق الشمال السوري.

فالشام انتصرت نعم، لكن الضغوط والتحديات مستمرةٌ، حيث سيادة الدولة وبنيتها ومؤسساتها مستهدفةٌ، من خلال محاولات فرض دستورٍ طائفيٍّ إثنيٍّ مفرّقٍ بدلاً من أن يكون دستوراً وطنياً موحداً جامعاً لكلّ أبناء الدولة. وفي هذا السياق نسجل موقفاً حاسماً بأننا نقف إلى جانب القيادة السورية في حرصها على وحدة البلاد، ورفض كلّ ما يمسّ هذه الوحدة.

والشام انتصرت نعم، لكن الحرب عليها مستمرةٌ، حصاراً اقتصادياً ظالماً بواسطة «قانون قيصر»، وفي ملفّ النزوح. ففي الوقت الذي تؤكد فيه الدولة السورية أنّ ذراعيْها مفتوحتان لاحتضان كلّ أبنائها، وتبدي كامل استعدادها للقيام بواجباتها تجاههم وتأمين كلّ متطلبات الحياة الكريمة لهم، نرى دولاً ومؤسساتٍ تتعمّدً إبقاء النازحين رهائن وفي معاناةٍ مستمرةٍ.

وتابع حردان: في هذا الملف، لا يجوز أن تنأى الحكومة اللبنانية بنفسها، وأن ترضخ لضغوط الخارج، بل إنها مطالبةٌ بالتواصل بشكلٍ مباشرٍ وعلنيٍّ مع الحكومة السورية، وبأسرع وقتٍ ممكن.

لا بل أكثر من ذلك، ندعو إلى تفعيل وتنفيذ الاتفاقيات المشتركة بين الدولتين، وهذا في مصلحة الشعب في البلدين.

واكد رئيس الحزب أننا نحن حزب فلسطين، بشهادة الدمّ الموقعة بأسماء الشهداء ومنهم محمد سعيد العاص وسامي حواط ومحمد قناعة والعشرات غيرهم. ولذلك، نحن في صلب خيار المقاومة، نرفض منطق التسوية على حساب الحقّ، لأنه ليس للصهاينة في أرضنا أيّ حقّ.

نعم، الصهاينة هم قوة احتلال وعدوان، وأميركا تدعم هذا الاحتلال وهي سقطت من عالم الإنسانية. وما اعلان القدس ـ الصهيو ـ أميركي، سوى حلقة جديدة من حلقة العدوان وضمن مندرجات «صفقة القرن» لتصفية المسألة الفلسطينية.

وقال: إن الردّ على هذا الاعلان، هو تمسك أبناء شعبنا بخيار المقاومة والكفاح المسلح سبيلاً وحيداً لتحرير فلسطين كل فلسطين. ولأننا نخوض صراعاً في سبيل الحقّ، نشدّ على أيادي أبناء شعبنا في فلسطين المحتلة رفضاً للأسرلة والاستيطان.

ونشدّ على أيدي أبناء شعبنا في الأردن الذين يواجهون اتفاقيات الغاز والمياه المعقودة مع الاحتلال.

ونثمّن وقوف العراق في خندقٍ واحدٍ مع الشام ضدّ الإرهاب، ومدّه يد المساعدة للبنان ونحيي برلمانه الذي جرّم التطبيع مع العدوّ. ونؤكد أنّ من حقّه أن يكون بلداً موحداً ومستقراً. وأن يذهب العراقيون باتجاه دستورٍ جديدٍ يقطع مع «دستور بريمر» الذي شرّع التقسيم والانفصال.

والكويت تستحقّ منا التحية. فها هو مجلس الأمة يقرّ قانوناً جديداً يشدّد فيه العقوبات على المطبّعين مع الاحتلال، في وقتٍ تتمسك الدولة بالمرسوم الأميري الصادر منذ العام 1967 بإعلان الحرب على كيان العدو.

وإذ شدد على أننا نحن نريد أن تكون كلّ كيانات الأمة على موقفٍ واحدٍ مع فلسطين. وما نتمناه لبعض الأنظمة العربية، أن تقف إلى جانب فلسطين، ضدّ الاحتلال. قال إننا وفي خضمّ التحديات التي تواجه شعبنا وأمتنا، نجدّد التأكيد على أهمية قيام مجلس تعاون مشرقي بين دول بلاد الشام وأرض الرافدين، وهذه مبادرة أطلقها حزبنا منذ سنوات، لتحقيق التساند والتعاون الاقتصاديين، بما يحقق الرخاء والازدهار.

وتابع حردان: في الذكرى الثالثة والسبعين للفداء القوميّ، استشهاد مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده، تترسّخ فينا أكثر معاني الشهادة والتضحية. فللأمة، حياتنا إنْ رغبتْ، وأرواحنا إنْ طلبتْ، ودماؤنا إنْ عطشتْ، وكلّ ما فينا متى أمرت. وهنا اسمحوا لي أن اختم كلمتي بفقرةٍ تخصّ حزبنا:

«أيها القوميون

وحدة الحزب أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً، وفي هذا اليوم المهيب، وأمام عظمة الاستشهاد، نجدّد التأكيد على مبادراتٍ أطلقناها وعملنا عليها مع كلّ الحرصاء من حلفاءٍ وأصدقاءٍ مشكورين، في سبيل توحيد الجهود لخدمة القضية التي من أجلها اجتمعْنا.

إنّ الاحتكام للإرادة العامة في حزبنا كما طرحْنا ونطرح باستمرار، وكما هو معتمدٌ في الأزمات، هو المدخل الطبيعيّ للانتقال الى مساحة التلاقي والتعافي ووحدة الصفوف والاتجاه، وأنتم يا تلاميذ سعاده قادرون.

قوّتنا في وحدتنا، ووحدة الحزب أولويةٌ تتقدّم على ما عداها.

ونظرات سعاده الشاخصة إلينا من عليائه، تستنهض عزائمنا، أن كونوا للأمة أبراراً، وكونوا للفكر رسلاً أوفياء، ولنا مع كلّ تموز عهدٌ ولقاءولتحي سورية وليحي سعاده».

وفي نهاية الاحتفال تسلم حردان صورة من أبو أحمد فؤاد لأبطال عملية نهاريا المشتركة 1986.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى