نقاط على الحروف

اليوم يبدأ الربع الأخير من الساعة

 ناصر قنديل

إنه الأول من آب، بداية شهر يندر أن يمرّ مثله على العالم والمنطقة ولبنان ويختزن هذا القدر من الاستحقاقات دفعة واحدة، ويتوقف على ما سيحدث فيه مصير ما سيحدث بعده بين خيارين كبيرين، الانفراجات الكبرى أو الانفجارات الكبرى، ومهما كان الآتي عالمياً وإقليمياً ومحلياً، سيبقى الأول من آب عيد الجيش اللبناني، وسيبقى الجيش اللبناني درع الوطن وسدّه المنيع، فإن ذهبت الأمور نحو الانفراجات والحلول كان ضامنها، وإن ذهبت الى المزيد من التأزيم والتصعيد وخطر الحرب أثبت أنه رغم كل المعاناة والظروف القاسية، سيبقى ركناً من أركان المعادلة الذهبيّة التي تحمي لبنان من خطر الحروب، الخارجية والداخلية، الشعب والجيش والمقاومة، رغم كل الأنوف الخشبيّة.

هذا الشهر عالمياً، شهر مثلث الأبعاد في الحرب الأوكرانيّة، فهو الشهر الأخير من المهلة التي حدّدتها الحكومة الأوكرانية لتحقيق إنجازات ميدانية تتيح الجلوس الى مائدة التفاوض مع روسيا، وفيه يحسم مصير جنوب أوكرانيا من خيرسون ميكولايف إلى أوديسا، وعليها تبنى الخريطة السياسية والعسكرية لأوكرانيا الجديدة. وفي هذا الشهر سيظهر ما إذا كانت واشنطن التي تكثر الحديث عن عدم شمول عقوباتها للصادرات الغذائية الروسية، سوف تترجم أقوالها بالأفعال، وعلى ذلك سيتقرّر مصير اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، كما تقول روسيا، والتراجع الأميركي عن هذا الجزء من العقوبات الذي يطال تحويل الأموال وحركة السفن، يعني بداية انكسار موجة التصعيد المالي بوجه روسيا وإعلان بداية انفراج؛ والعكس يعني مزيداً من التصعيد. وهذا الشهر موعد حسم مصير أوروبا في ملف الغاز والقدرة على تحمل تبعات قطع الغاز الروسي، ومصير الحديث عن البدائل، ومشاريع تخزين الاحتياط اللازم لفصل الشتاء، وفي الحصيلة إما عودة لضخ الغاز الروسي تعني تسوية كبرى ولو لم تعلن مباشرة فتظهر مضامينها تباعاً، أو بدء الاستعداد لظهور تداعيات وأزمات واضطرابات تمهد لبدء تغيير المشهد الأوروبي سياسياً. وهذا الشهر هو الشهر المفترض لزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الى تايوان، وإن تمّت الزيارة فهي مسار تصعيد، وإن لم تتم فهي بداية تسويات وانفراجات.

هذا الشهر إقليمياً هو مهلة الحسم المفصلية في مسار الملف النووي الإيراني، فما يقوله الأميركيون والإسرائيليون أنها الأسابيع الأخيرة قبل نفاد فرص وقف التقدم الإيراني نحو العتبة النووية الحرجة، عبر العودة الى الاتفاق النووي معها، وفيه يقول مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ينجح أو يفشل آخر مساعيه لإنقاذ الاتفاق، وتستعد قطر لاستضافة جولة مفاوضات يفترض أن تنتهي الى اتفاق، وما لم يحدث ذلك فالبديل تصعيد متبادل. وهذا الشهر آخر شهور الهدنة في اليمن، ووفق قرار أنصار الله لا تمديد إضافي دون وضوح إعلان فك الحصار، والموافقة السعوديّة باب انفراج، والرفض مدخل للانفجار الذي قد يكون الأكبر والأخطر، حيث مصير الممرات المائيّة الدوليّة وخصوصاً البحر الأحمر ومضيق باب المندب ومنشآت النفط الحيوية في الخليج على المحك. وفي هذا الشهر يتبلور المشهد العراقي بين التصادم والتهدئة وسلوك طريق الحوار والحلول السياسيّة.

في هذا الشهر يقف لبنان أكثر من أي مرة سابقة صانعاً للحدث المؤثر دولياً وإقليمياً، حيث يمسك من بوابة معادلات المقاومة في ملف النفط والغاز، بعنصر الحسم في وجهة هذا الملف الذي يقرّر مصير أزمات وسياسات أميركا وأوروبا و«إسرائيل»، حيث صار التسليم بحقوق لبنان إشارة لوجهة بوصلة التطورات والمتغيرات، ونقطة البداية للحروب أو التسويات، وفي هذا الشهر يُنهي لبنان الفترة التي تفصله عن دخول المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا يبدو فصل الملفات ممكناً. فالمواجهة هنا مواجهة هناك والعكس صحيح، بل الأصح أن التسوية اذا تمت ستطال الملفين معاً.

لبنان والمنطقة والعالم يدخلون شهر آب بمخاوف وآمال كبيرة، لكنهم سيخرجون منه وقد بدأت تباشير الآمال بالتحقق، أو نذر المخاوف بالظهور.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى