أخيرة

نافذة ضوء

الخيار الصحيح

تغيير مسار التاريخ المنحرف

 

 

} يوسف المسمار*

بعد وضوح أهداف أعدائنا الذين يريدون ويعملون ليل نهار للقضاء علينا، ألا يحقّ لنا أن نعلن الهدف الحقيقيّ لأمتنا ومقاومتنا ومهاجمتنا ونسعى بكل إمكانيّاتنا وبكل ما نملك للوصول إليه؟

ألا يتوجّب علينا أن نتخذ العقيدة الصحيحة منطلقاً، والمثال الأعلى غاية المسار البطوليّ نهجاً باتجاه النصر، وأن يكون سقوط مفاعيل اتفاقية سايكس بيكو وتفعيل سقوطها هو الخطوة الاستراتيجيّة التي تغيِّر مسار تاريخنا وتجعل النصر رهن إرادتنا وبأيدينا مهما تكاثر الأعداء واستاء من جهادنا المجرمون الأشرار؟

أليس الجميع عندنا يُقرّون بأن سبب بلائنا الذي يعبث بحياتنا كأمة هو معاهدة سايكسبيكو التي نعيش في أقفاصها اليوم؟

أليس الجميع يردّدون أن ما يُراد لنا هو معاهدة جديدة مثل معاهدة سايكسبيكو تقسِّم الوطن المقسَّم الى اوطان، وتجزيء الأمة المجزأة الى أمم لدوام سيطرة أعدائنا علينا واستعبادنا؟

أليس الجميع في بلادنا حكاماً وشعوباً ومواطنين يعلمون ويرددون أن ضعفنا يكمن في حماقاتنا وتقاتلنا، وأن قوتنا لا يمكن أن تنشأ الا من خلال وعينا وتنبهنا لوحدة حياتنا ومصالحنا والاعتماد على أنفسنا؟

أليس مَن لا يزرع هو دائماً عبد لمن يُطعمه؟

وأن من لا يعصر شرابه بيده لا يأمن على نفسه من تناول شراب من يعصر الشراب المسموم؟

وأن من لا ينسج ثيابه بنفسه يبقى معرضاً لأن يعيش عارياً عرياناً؟

وأن من لا يعتمد على نفسه، لا أحد يدافع عنه عندما تدلهم الخطوب وتهبّ الويلات؟

إن جيلنا هو الآن أمام خيارين: خيار القبول بالانطفاء مختاراً، والذهاب الى النوم في القبور راغباً، والاستسلام لحياة الذل والهوان والقهر مرغماً.

وخيار آخر هو رفض كل ما يجعلنا صغاراً جبناء أمام أنفسنا وأمام أعدائنا وأصدقائنا، ويخلـِّدنا لعنة على لسان الأجيال ووصمة عار في صفحات التاريخ.

أما خيار إنقاذ أنفسنا فهو خيار واحد وحيد لا خيار إلاّه الذي هو النصر الذي نسير به الى نصرٍ أكبر ليس بعده الا فوار انتصارات. وهذا هو خيار الشعوب الحرة العزيزة الكريمة.

إن شعوب العالم التي لا ترضى الحياة إلا حياة حرية وعز هي أيضاً أمام خيارين: خيار الخنوع والالتحاق بالمجرمين الذين انطفأت إنسانيتهم، وخيار النهوض الذي تمارسه الشعوب العزيزة وتحمي به كرامتها وعزتها وسيادتها على نفسها وتضع لدول الإرهاب والتكفير والاستكبار نهايتها.

لقد ثبتت ارادة أمتنا أمام جميع الغزوات والاجتياحات والاعتداءات وكانت كلما دمّر الغزاة تراثها وآثارها ونتاج عباقرتها تطل على العالم الإنساني من جديد بتراث أجود، وبآثار أبدع، وبنتاج أروع، لأن قوة الحياة فيها أقوى من تتالي وتراكم الاعتداءات.

ولذلك نقول لكل من يشكك بقدرة أمتنا على الانتصار أنه كما انتصرت في الماضي بمواهب بناتها وأبنائها على الغزاة القدامى قادرة على الانتصار على الغزاة الجدد ببطولاتها وعباقرتها.

فيا أبناء أمتنا الواعين الأحرار في بلاد الشام والرافدين. في فلسطين ولبنان، في الشام والأردن، في العراق والكويت وكردستان العراق إن في وعيكم وتنبهكم لوحدة حياتكم ومصالحكم وحقوقكم بداية الخروج من النفق المظلم، وبإرادتكم لا بإرادة غيركم تغيرون ما بنفوسكم وتكتبون صفحة فجر نهضتكم.

إن في نفوسكم الواعية الأبية يكمن الرجاء. أنتم وحدكم موضع الأمل وموضع الرجاء ولا أمل ولا رجاء إلا بكم وبوعيكم وببطولاتكم.

أنتم حملة رسالات الحضارة وهداية البشر. أنتم قدوة المجاهدين بالحق المبين.

إن إنقاذ وجودنا وحياتنا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً يتطلب أول ما يتطلب ان نزيل الحواجز النفسية والمادية التي مزقتنا، وندمّر الحبوس التي رسمها لنا الأعداء في معاهدة سايكس بيكو ووضعونا فيها، وأغلقوا النوافذ علينا، لا أن نستمر في تلك الحبوس الكهوف خانعين ومتوهمين أن فيها الأمان والخلاص.

هم الآن يعملون جاهدين لتصغيرها وتضييقها ليجبرونا على تنحيف أجسادنا وإحباط هممنا وتقزيم مطامحنا لنتكيف مع ضيقها وصغرها وعفنها.

هم يريدوننا اليوم أن ترتدي نساؤنا ثياب أطفالنا الرضّع، وأن ينتعل رجالنا الأبطال أحذية الأجنة الذين لا يزالون في أرحام الأمهات.

إن معاهدة سايكسبيكو هي المسلخ الذي ساقونا إليه، والإسطبل الذي حبسونا فيه، والقبر الذي دفنونا فيه ونحن أحياء. فلا حياة للبنانيين والفلسطينيين والشاميين والعراقيين والأردنيين والكويتيين والأكراد الا بتدمير المسلخ. وهدم الإسطبل. والخروج من القبر قبل أن تتعفـن الكيانات، وتهترئ العقول، وتنتن النفوس.

إن التحدي الكبير لحكامنا ومواطنينا في العراق والشام والكويت والأردن ولبنان وفلسطين وكردستان العراق هو في تمزيقهم معاهدة سايكس بيكو وإبطال مفعولها، وتشكيلهم مجلساً منهم جميعاً يديرون من خلاله أحوال أبناء هذه المنطقة لما فيه الخير والأمان والرفاه فيـُكشح الضباب عن وجه رسالات الحضارة المسيحية والمحمدية والعروبية والإنسانية، لأن أمتنا هي رحمها وحضنها ومهدها ونبعها، ولا قيمة راقية لهذه الرسالات إلا باتصالها بنبعها الزاخر بالعطاء.

*باحث وشاعر قومي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى