أولى

مخيم جنين وديمومة الصراع

} سعادة مصطفى أرشيد*

صباح الأربعاء قبل الماضي اقتحمت قوات الاحتلال مخيم جنين من عدة محاور معززة بآليات وطيران. تصدّى المخيم وشبابه وأهله للاقتحام ببسالة ودارت معارك في حواري المخيم وأزقته، فاستشهد أربعة مقاومين وجرح عدد كبير من الأهالي والمقاومين سبعة منهم في الرأس والصدر، وبهذا يكون عدد الشهداء مرشح للارتفاع.

في رياضيات الشعوب الحية، ثمة معادلة تقول: طالما أنّ هناك احتلالاً عدوانياً اقتلاعياً عنصرياً فإنّ هناك مقاومة تقابله، وطالما توجد مقاومة فلا بدّ لهذا الغاصب من أن يعمل على سحقها. والاحتلال في فلسطين أطلق على سياسته العسكرية أسماء مبتكرة مثل سياسة «جز العشب». فالمقاومة دائمة النمو كالعشب الأخضر يحتاج الاحتلال لقصّه بين حين وآخر، وسياسة «كاسر الأمواج» التي تقضي بالضرب والكسر قبل وقوع الهجمة وبشكل وقائي، ولكنه يدرك في قرارة نفسه أنّ هذه المقاومة وعشبها الأخضر لا يمكن اقتلاعه من جذوره وأنّ أمواجها العاتية متتابعة وإنْ كسرت موجة فإنّ غيرها كثير سيتلوها.

وإذا كان هذا هو السبب البسيط لما جرى يوم الأربعاء الماضي إلا أنّ أسباباً إضافية يمكن ذكرها، أولها أنّ (إسرائيل) مقبلة على انتخابات عامة في مطلع تشرين الثاني المقبل ويريد رئيس الحكومة ووزير الدفاع تعزيز صورتهم أمام ناخبيهم باعتبارهم أصحاب قدرات ردعيّة، وثاني هذه الأسباب هو القلق الذي يساور الدولة عموماً لا الحكومة فقط مما أسموه اليوم الثاني بعد أبي مازن، وترتيبات خلافته في مواقعه المتعدّدة التي يشغلها، فالرئيس أبو مازن يترأس كلّ من دولة فلسطين والسلطة الفلسطينية وحركة فتح (الحزب الحاكم) وهو القائد الأعلى وغير ذلك، ومع أنّ ترتيبات قد أعدّها الرئيس مع استشارة وتوافق من يهمّه الأمر من القوى المسيطرة على الأرض، وهو ما لا يلتقي لا مع نهج المقاومة التي يحبّ ضربها، ولا مع الطامحين في الوراثة من النوع ذاته الذي وقع عليه الاختيار.

ثالث هذه الأسباب أنّ مشاريع إقليمية تتعلق بالمواصلات وفلسطينياً بما يسمّيه الاحتلال ورعاته بالسلام الاقتصاديّ، فخطط مدّ خطوط الحديد من ميناء حيفا إلى الأردن عبر جسر الشيخ حسين ستمرّ من شمال جنين لتكون موازية لقناة السويس ولكن أسرع بالوقت وأقلّ كلفة، وفلسطينياً يتمّ تحديث الدراسات حول المنطقة الصناعية في جنين والتي ستوفر آلاف فرص العمل، وكلا المشروعين لا يمكن الاستثمار فيهما قبل ضرب المقاومة باعتبارها طاردة للاستثمار. الحكومة الفلسطينية في رام الله منخرطة تماماً في المشروع وان أطلق رئيس حكومتها شعارات التنمية المحلية والانفصال الاقتصادي وإن وضع مواطنيه أمام الخيار الشعبوي رئيس: بدك مصاري ولا بدك وطن؟ والنتيجة حتى الآن أن لا وطن ولا مصاري.

من الصحيح أنّ الاحتلال وجيشه قويّ وأنه قادر على استعمال قوته التدميرية، ومن الصحيح أنّ قوة المقاومة وإمكانياتها هي دونه بما لا تصحّ معه المقارنة، أوقع جيش الاحتلال هذه الأعداد من الشهداء والجرحى وألحق دماراً كبيراً في المخيم، ولكن المقاومة أخذت بمقولة أنّ الضربة التي لا تقتلك ستزيدك قوة، في اليوم التالي أشارت الصحافة العبرية إلى عدد من الإنذارات التي حذرت منها الأجهزة الأمنية (الإسرائيلية) كما ذكرت أنّ اجتماعاً لتقدير الموقف قد عُقد برئاسة قائد الجيش كوخافي وأنه أرسل رسالة للسلطة مفادها: يتعيّن عليكم بذل الجهد لفرض القانون والنظام (ضرب المقاومة) وإن لم تفعلوا ذلك فإنّ الجيش (الإسرائيلي) سيزجّ بكتائب إضافية في الضفة الغربية وستلحق الأذى الاقتصادي بالسلطة والسكان، إنها المعادلة ذاتها، وصفة للحرب الأهلية.

لعلّ الجواب لم يأتِ على لسان السلطة حتى الساعة وإنما على لسان المواطن الصالح فتحي خازم، إذ أكد وشدّد وناشد أنّ المعركة مع الاحتلال لا مع السلطة، فتحي خازم المعروف باسم أبي رعد هو والد الشهيد رعد الذي استقبل استشهاده بصبر ورباطة جأش. وهو والد الشهيد عبد الرحمن الذي استشهد في معركة الأربعاء الماضي، فازداد الأب قوة وعطاء وأصبح أيقونة نضال وكأنه يحث الخطى للقاء ولديه الشهيدين، هذا المخيم قد يحترق، قد يتدمّر، ولكنه لا يُهزم

*سياسي فلسطيني

 مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى