أولى

مصالحة أم علاقات عامة؟

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
بعد أسبوعين سيكون العالم العربي على موعد مع قمته الدورية في الجزائر وهي القمة التي سبق أن تأجّلت عن موعدها أكثر من مرة لدواعي جائحة وباء كورونا ولتهديد دول عربية بمقاطعتها في حال حضرت الدولة السورية، الجزائر الجديدة البن تبونية تحاول أن تبدو مختلفة عن الجزائر السابقة بمقارباتها المختلفة، فلديها الرغبة في تعبئة بعض الفراغ السياسي الذي تسبّب به الربيع الزائف وأخرج دولاً مركزية من دائرة الفعل والتأثير، والجزائر تبدي بوضوح أنها قد حدّدت مقعدها في النظام الدولي قيد التشكل، وذلك بأن تكون في غير القطب الأميركي خاصة والغربي عامة. في الوقت ذاته تمرّ علاقاتها مع الجار والشقيق المغربي بحالة من التوتر التي كادت أن تفضي إلى اشتباك وما زالت، في حين يطبّع الشقيق المغربي مع «إسرائيل» ويعقد معها اتفاقيات تنسيق وتعاون في مجالات عدة منها مجالا الأمن والعسكر.
في سياق ما تقدّم وجدت الجزائر في ملف المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية مدخلاً مناسباً لها لإنجاح القمة العربية، وقد دعت الفصائل والشخصيات الفلسطينية لزيارتها كلا على حدة وعقدت جلسات ثنائية تحضيرية مع كلّ منها استعداداً للقاء المصالحة الذي عُقد الأسبوع الماضي، واضعة ثقلها العاطفي والسياسي في هذه المسألة التي عُقدت من أجلها عشر جولات منذ عام 2007 أوّلها في مكة وفي رحاب البيت العتيق وعاشرها في بيروت، منها ما رعته مصر من منظور أمني والسعودية من منظور شرعيتها العربية والإسلامية وقطر من منظور مالي يحمله السفير العمادي، كما روسيا وتركيا.
لم يرد أيّ طرف من طرفي الانقسام إغضاب الجزائر فأبدى جميع الفرقاء روحاً إيجابية كي لا يبدو بمظهر المعرقل، أخذت الصور بالوجوه الباسمة وتصافح وتعانق الخصوم وأكد الجميع ـ كما في كلّ مرة على أهمية الوحدة الوطنية وعلى خطورة المرحلة التي تستدعي نبذ الخلافات، مع يقين كلّ من الطرفين الرئيسين بالنتائج غير المجدية وانّ الخلاف يزداد عمقاً اثر كلّ فشل ولكن لا مانع لديهما من تحقيق الجزائر بعض المكاسب.
تباين المواقف وتجسير الهوة بين طرفي الانقسام لا يمكن أن ينجح بهذه الطريقة، والصراع على السلطة هو أحد محاوره، وهو صراع مشروع. فالجماعات السياسية ليست كالجمعيات الإغاثية والخيرية وإنما هي ذات برامج ومن حقها السعي للسلطة، ولكن مشروعيتها تأتي من خلال عقد اجتماعي مع شعبها والذي يمثل الطرف المقابل في التعاقد، أما الاستقواء بالخارج فهو ليس إلا عقد مع الخارج لا مع الشعب.
حركة فتح ترى أنّ المدخل لإنهاء الانقسام هو بتسليم حركة حماس زمام القيادة لها منفردة وبالتفاصيل للرئيس وفريقه لا للحركة ككلّ، وأن توافق حماس على الاتفاقيات التي عقدتها منظمة التحرير وتلتزم بها والمقصود هنا اتفاق أوسلو وملاحقه الأمنية والاقتصادية المعروف منها وغير المعروف، ثم أن توافق على شروط الرباعية وإن لم تعد الرباعية مصرّة على شروطها إصرار حركة فتح. حركة حماس في المقابل ترى أنها اكتسبت الشرعية من خلال فوزها بالانتخابات التشريعية بأغلبية وازنة عام 2006، وأنّ المدخل لأيّ مصالحة جديده أو عملية إعادة بناء النظام السياسي هو في صندوق الانتخابات الأمر الذي توافق عليه حركة فتح ولكن تتذرّع برفض الإسرائيلي إجراءها في القدس.
البيان الذي صدر عن لقاء الجزائر بيان نمطي شبيه بسوابقه، لا علاقة له بالسياسة وإنما هو بيان يندرج تحت بند العلاقات العامة متفائل إنشائي اللغة، تحدث عن انتخابات رئاسية وبرلمانية تجري في غضون عام دون تحديد آليات إجرائها وهو ما لن يحصل، وإن حصل فسيكون نتيجة لمستجدات سياسية لا لبيان الجزائر، وشدّد البيان على ضرورة ترميم وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني (منظمة التحرير) على أساس مشاركة الجميع، فيما يتربص شيطان المحاصصة في كلّ عملية إصلاح للمنظمة. وقد غاب عن البيان بند تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بشروط المانحين الدوليين.
في الوقت المستقطع لحين الإعلان عن فشل الاتفاق، نلاحظ أنّ قرار فتح لم يعد بيد لجنتها المركزية أو من شارك في لقاء الجزائر، وإنما بيد الرئيس والثنائي المساعد له، وفي ترتيبات نقل السلطة عندما يحين الوقت المناسب للقائد الجديد. وتمضي حماس في تنظيم علاقتها بالمصريّين من منظور أمني وتترقب تحرك مصر في ملف الغاز في حقل مارين على الساحل الغزي وما يمكن أن تحققه من مكاسب تساعدها على البقاء.
في ظني أنّ ملفي الانقسام والمصالحة قد أصبحا في غير أيدي الفلسطينيين، تحديداً في يد «الإسرائيلي» الذي لن يسمح بإجرائها، والمصالحة غير واردة في ظلّ ميزان القوى الفلسطيني الحالي.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى