أخيرة

قدسية القدس من قدسية الأمة الحيّة

‭}‬ يوسف المسمار*
نعم القدس مقدّسة وكل شبر من وطننا مقدّس. فاذا لم يكن الوطن مقدساً فلا معنى لتقديس أي شبر او بقعة او منطقة فيه.
فمن يستيقظ فيه الضمير الاجتماعي والقومي يشعر بقدسية كل حبة تراب في الوطن، وكل قطرة ماء، وكل هبة هواء، وكل نسمة حياة، اما من يتعطل ضميره الاجتماعي ويموت إحساسه القومي فكل شيء في وطنه لا قيمة له عنده. فهو الميت الحي الذي يعيش كأنه ميت. وهذه هي مصيبة مصائب الأمة الحيّة في أبنائها.
والميت ليس الذي توقف قلبه عن الخفقان، او توقفت رئتاه عن التنفس، أو توقفت حركة جسمه فانشل وغاب وعيه فأعلن الاطباء ان لا امل من عودته الى العيش المعتاد، بل إن الموت الحقيقي هو في العائشين أمواتاً بقلوبٍ تخفق بالكراهية، ورئات تتنفس بالفتن، وأجسامٍ تتحرّك بالأذى.
فإذا فكّروا ظهر فكرهم هراءً، وإذا نووا كانت نياتهم شروراً، واذا تصرّفوا فتصرفاتهم مواقف خزي وعار. بل ان كثيرين من الذين تحللت أجسادهم ورحلوا لا يزالون يمارسون الحياة العزيزة اكثر من العائشين، بينما الغالبية من العائشين يعيشون كأنهم أموات بدون تفكير وفهم، وبغير بصيرة وموقف، ولا ينتظر منهم أن يفهموا معنى القداسة وقيمتها المثلى.
فبعض مقدّسات مفهوم القداسة في مفهوم الفلسفة القومية الاجتماعية المادية – الروحية. الدنيوية – الأخروية. المدنية – الدينية أي العقلية الإنسانية الحضارية القائمة على التفاعل الموحّد الجامع القوى الإنسانية: قداسة وحدة الأمة، وقداسة وحدة الوطن، وقداسة التاريخ الحضاري، وقداسة الحق في الوجود والحياة والمصير، وقداسة كل مظاهر الثقافة والتنوير كالحكمة والفلسفة والعلم والفن والدين وسائر المنجزات الراقية التي نشأت ونمت وتطورت وتألقت عبر الأجيال والأزمنة لتنهض بالأمة الى أرفع الدرجات وأرقى المستويات والتي تعرّضت على مدى تاريخنا الجلي الى كل أنواع العداوات والغزوات الاستعمارية وتتعرض اليوم الى العدوان الاجتثاثي اليهودي الصهيوني المدعوم من كافة دول الإجرام الاستعبادي للقضاء على أمتنا، وامتلاك أرض وطننا، ومحو تاريخ حضارتنا ما جعل أنطون سعاده لا يتردد في القول المبني على الوقائع والحقائق والأفعال:
«إن ليس لنا من عدوٍ يقاتلنا في ديننا وحقنا ووطنا الا اليهود». مقرراً أن حربنا معهم حرب وجود وليسـت حرب حدود، ولذلك فهي مستمرة ما دام وطننا المقدس في خطر، وحقنا المقدس في خطر، وديننا المقدس في خطر. ووحدة أمتنا المقدسة في خطر حتى ولو استمرت الحرب مدى الحياة حفاظاً على هذه المقدسات التي تعني مقدسات وجودنا وحياتنا وحضارتنا ومصيرنا.
فإذا لم يكن الوجود والحياة والحضارة والمصير حقائق المقدسات فأي مقدسات غيرها يمكن ان تكون مقدسات.
فماذا يجب أن يفعل الذين استعبدت عقولهم ونفوسهم وأرواحهم قبل أن انتزعت منهم أرضهم؟
وهل القدس مقدّسة أكثر من غيرها من أراضي وطننا أو أن غيرها من الأراضي غير مقدس؟
أم هل القدس مقدّسة أكثر من العقول التي سُلبت، والنفوس التي شُوّهت، والأرواح التي مُسخت؟
القدس وكل أرضنا الوطنية القومية مستباحة لأعدائنا منذ أن زُرعت في وطننا جرثومة الوباء الاسرائيلي الاجتثاثي لشعبنا، ومنذ أن نشأت على أرضنا القومية حكومات كيانية أطلق عليها سعاده لحظة عودته من مغتربه «حبوساً للأمة»، والمحبوس مقيّد ومضغوط ومسلوب الفعل، فكيف اذا كان مسلوب العقل والنفس والارادة؟
نعم القدس وبلادنا كلها مقدسة وأسيرة في مخيلة وأوهام المتخاذلين الكيانيين والطائفيين والأنانيين والخائنين والجواسيس والعملاء والجبناء والهروبيين، وحريتها فقط وفقط وفقط متألقة في ارادة المقاومين والمجابهين والمهاجمين الأبطال الذين يجتثون دابر الخيانة ويردون الأعداء على أعقابهم خائبين.
القدس وكل أرض وطننا مُحتلة ولكنها حُرّة. مُحتلة في نظر الجبناء الخونة، ولكنها حُرّة بوعي ومواقف الأبطال الأحرار الأعزاء الذين ما استسلموا لخرافة، ولا خنعوا لعدوٍ غاز، ولا خضعوا ولن يخضعوا لجبروت وطغيان أشرار الأرض.
فنحن في معركة وجود. معركة حياة أو موت، والمعركة تدور على أرض وطننا، والاحتلال ليس احتلال أرض بل احتلال عقول المتخاذلين الجبناء. أما وطننا فإنه حر بإرادة الأحرار الشرفاء الذين ما تركوا للأعداء لحظة استقرار ولن يتركوا لهم لحظة هناء، وسيطاردونهم بصمود ومقاومة ومهاجمة بالفكر والوعي والايمان والتضحيات والسواعد والجهاد المستمر الى ان تنطفئ بصائر وعزائم المعتدين مهما تطلبت حرب الحياة والوجود من عطاء وفداء ودماء حتى ولو كانت النتيجة نهاية الوجود.
الحرب حرب وجود مستمرة وأبدية الى أن يتوقف أعداؤنا عن الاعتداء على مقدساتنا، ويُسلّموا بحقنا وديننا ووطننا، ولا يعفى أحد ذو ضمير حيّ سليم من بنات وأبناء أمتنا من الاشتراك في هذه الحرب لا ديني ولا غير ديني. لا علماني ولا غير علماني. لا مدني ولا غير مدني. لا متعلم ولا غير متعلم. لا صغير ولا كبير.
وهذا بعض ما تقول به فلسفة القومية الاجتماعية في حربها المقدسة لحماية مقدساتها من همجية المعتدين.
*باحث وشاعر قومي.

الفنان الأردني سميح التايه ضيف صفحات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى