مرويات قومية

بعض من مسيرة الأمين المميّز أنيس فاخوري

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء» هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.
إعداد: لبيب ناصيف

بعض من مسيرة الأمين المميّز أنيس فاخوري

 

 

 

كلما شاهدنا مسلسلاً تلفزيونياً يحمل اسمه، كلما قرأنا له أو عنه، تذكرنا والده الأمين القدوة فكراً والتزاماً ومناقب، أنيس فاخوري. أما من أشرنا إليه فهو ابنه الأديب والكاتب المسرحي المعروف شكري فاخوري.
يُحكى الكثير عن الأمين أنيس فاخوري مذ تعرّف إلى الحزب في أوائل الثلاثينات، فالتزامه وتوليه للمسؤوليات المحلية والمركزية وصولاً إلى عضوية المجلس الأعلى، مرافقته لسعاده في الكثير من جولاته قبل مغادرته الوطن عام 1938 ثم بعد عودته عام 1947، إلى دراساته ومقالاته في المدرحية وغيرها، إلى كتابه المرجع «نسف الأضاليل مرحلة أساسية في إزالة إسرائيل»، إلى إتقانه فن الطباعة والزنكوغراف والرسم، إلى اعتقاله في سجني الرّمل والقلعة فمعتقل المية ومية وانتقاله مع رفقاء، منهم الأمين جبران جريج والرفيق زكريا لبابيدي إلى سجن قلعة راشيا الوادي حيث قاموا بدور هام إزاء المعتقلين السياسيين ممن اعتبروا «رجال الاستقلال» عام 1943.
كتب عنه الأمين جبران جريج في مؤلّفه «من الجعبة».
منحه سعاده رتبة الأمانة وكان عضواً في أول مجلس أعلى للحزب عام 1937، تعرّض للسجن مراراً أيام الانتداب الفرنسي وتولّى مسؤوليات أساسية في فترة الملاحقات بعد مغادرة سعاده الوطن عام 1938 أظهر فيها جرأته وعزيمته وتحمّله للأعباء والمسؤوليات بجدارة وصلابة المؤمن. في هذه المرحلة الغنية من تاريخنا الحزبي التي انتهت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية يحتلّ الأمين أنيس صفحة مشرقة مضيئة.
يقول عنه الأمين عبد الله قبرصي في مقابلة له: «يجب أن نفي هذا الأمين المناضل الجبار حقّه، ونؤلّف عنه الكتب وتوضع عنه الدراسات لأنّه لم يكن قومياً اجتماعياً عاديّاً، إنّه من نخبة ساهموا في تأسيس الحزب، وهو يصلح قدوة لكلّ القوميين الاجتماعيين ولكلّ المواطنين. فقد كان رجل ثقافة ورجل علم ورجل أخلاق».
قضى الأمين أنيس فاخوري في الكويت عام 1979 إثر حادث سيارة ليبقى في تاريخ حزبه صفحة مضيئة وفي ذاكرة رفقائه حيّاً. ينبض بمآثره وبما جسّده طيلة التزامه الحزبي من فضائل النهضة.
ـ وفي الجزء الثاني من مؤلفه «عبد الله قبرصي يتذكّر» يقول الأمين قبرصي:
«كأن ما كفانا شهداء، يسقطون برصاص الغدر والظلم والعدوان، على سائر الجبهات، حتى يتآمر علينا القدر مع أعداء الأمة والإنسان، فإذا السيارات عدونا الآخر قتلت في ما مضى رئيس المجلس الأعلى القائد المناضل الأمين فؤاد أبو عجرم، وتقتل تباعاً مدى أشهر أمينين آخرين، من قياديينا البررة، هما الأمين كامل أبو كامل والأمين أنيس فاخوري، الذي قضى إثر حادث سيارة في آخر الأسبوع قبل المنصرم».
«لم أكن في الوطن يوم مات الأمين كامل أبو كامل فما تسنّى لي أن أذرف دمعة على قبره ولا أن أكتب كلمة في تأبينه، إلا أنّ صورة وجهه البديع الصافي، وتاريخ نضاله الطويل، لا تبرح خيالي، بل إني أشعر كلما استحضرت هذه الصورة أنّ نوعاً من البركة يحلّ عليّ، فالرّجل كان تجسيداً للإخاء والمحبة للقضية ولرفقائه. كما كان في مطلع حياته أحد قادة حزبنا، متى طلبناه وجدناه، في الأيام الصعبة أو الأيام السهلة. أما الأمين أنيس فاخوري، فهو صورة أخرى لرحابة الصدر والوفاء، وإلى ذلك فهو من كبار كتابنا ومفكرينا، فعندما كان لسبب من الأسباب لا يعمل في الإدارة، كان يوجّه مداركه وذهنه وثقافته لإغناء تراثنا الفكري بالمؤلفات الثمينة.
لقد كان أول المستوعبين بيننا للمدرحية كنظرة فلسفية للحياة ـ وكتب فيها بإشراف الزعيم نفسه صفحات مشرقات(1).
«كما كان من ذوي الخيال الواسع والبصيرة النافذة، فقد تكشّف له بالتأمل والتصوّر والاختراق، وجه سوريانا بعد خمسة وعشرين عاماً من تسلمنا الأحكام فيها. الحالمون أحياناً يصنعون التاريخ… حلموا أحلاماً كبيرة فحوّلوها إلى حقائق كبيرة. لقد كان أنيس فاخوري في مخطوطته التي لم تُنشر بعد عن سورية بعد خمسة وعشرين عاماً ـ يحلم كيف أنّ هذا الوطن الجميل سيصبح لو تحققت النهضة القومية الاجتماعية قدوة للأوطان ومثالاً… بل فردوس الله على الأرض، رقياً وازدهاراً ونظاماً ونظافة وأخلاقاً.
«أما كتابه «نسف الأضاليل» عن التوراة واليهود، فهو على نمط كتاب الأديب جورج كنعان والأديب اليازجي ورفيقنا فيصل النفوري دحض صارخ معزز بالآيات والتحليل العلمي لكلّ افتراءات اليهود وكلّ ادّعاءاتهم ومزاعمهم في أرض الميعاد، وإثبات مدوٍّ بأنّ توراتهم قد نُسخت وعُطّلت بالإنجيل المقدّس الذي نسمّيه العهد الجديد، وأنّ المسيحية هي ضدّ إعادة أيّ حكم زمني لليهود على أرض فلسطين.
لقد تعب النضال من أنيس فاخوري وما تعب. ففي كلّ الميادين، وفي كلّ الحقول، وفي كلّ مكان من الوطن أَمّه أو أقام فيه، كان العامل الصّامت، كان القلب الكبير المتدفّق خيراً، والعقل الهادئ المرن المبدع، كما كان اليد السخيّة والنّفس الأبية.
«القامة الفارعة والجسم الممتلئ ـ قامة جبار وجسم جبار، كانت تحمل ـ مع صلابتها وإيمانها وعطائها نفس طفل. لقد كان أنيس فاخوري في طهارته البالغة حدّ الملائكية، طفلاً جباراً. أجل؛ هذا الذي استحق أن يكون نائباً للزعيم فترة من الزمن بين سنة 1936 ـ 1937 كان طفلاً جباراً وبالوقت نفسه مناضلاً وعالماً وأديباً. ما رأيته يضحك إلا نادراً. ظروفنا العصيبة، الملاحقات المستمرة، الاستشهاد المستمر، ما كانت تفسح لنا في المجال أن نضحك كثيراً وإنْ كان من حقنا أن نضحك لنجد القوة على حمل صليبنا المضني ونسير في درب الجلجلة التي لا نزال عليها نسير. لقد رأيته غالباً يبكي.
«بكى أنيس فاخوري وهو يشهق عندما حدثت المعجزة وتمّت وحدة الحزب بعد انقسامه المحزن. بكى دون أن يستطيع إيقاف دموعه المتدفقة عفواً لأنه كان عطشاناً إلى الوحدة، فكان حدوثها يوم عرس في نفسه، يوم لقاء مع أمانيه وأشواقه!
«بكى أنيس فاخوري في اجتماع الأمناء المركزيين وهو يستجيرهم، يتوسّل إليهم أن ينهوا حالة الإنشقاق ويستعيدوا تلاحم الصفوف المثالي، الذي كان طابعنا وكنا فيه القدوة الحية للأحزاب والأمم!
«وبكى أنيس فاخوري على كلّ رفيق وشهيد، عرفه أم لم يعرفه. كما بكى على الذين كان يعرفهم بكاءً مرّاً. بعيني شاهدته يشهق في مقبرة الشهداء في حرش بيروت على قبر مناضلنا التاريخي زكريا اللبابيدي الذي كان علينا ـ لو أنّ دستورنا يسمح ـ بأن نمنحه رتبة الأمانة بعد الوفاة!
أجلّ تعبيراً عن فرحه كان أنيس فاخوري يبكي، وتعبيراً عن ألمه وحزنه وفجيعته كان يبكي… الرجل كان بحراً من الدّموع لا ينضب!
«ونحن الذين رافقناه منذ الفجر، منذ طلعت تباشيره في النهضة، شاباً وكهلاً. ماذا نستطيع أن نعمل ونحن نتذكره… هل نبكي؟
لو كانت لنا عيناه، لو كانت لنا عفويته، لو كانت لنا براءته، لكان من حقه علينا أن نبكيه مدراراً…
إلا أننا في هذه الأيام القاسية، هذه الأيام التي تحوّل فيها قلب الإنسان إلى حجر، التي تفرض علينا أن نظلّ بلباس الميدان، مدرّعين باليقظة والصبر والشجاعة والوضوح، لا يمكننا أن نضعف ولا أن نلين حتى أمام فقد أعزّ رفقائنا وأمنائنا البررة.
«إننا نقف صامتين خاشعين يدنا على الزناد لمقاتلة أعداء الأمة والإنسان، اليهود وعملائهم، أولئك الذين كرّس أنيس فاخوري جزءاً كبيراً من حياته ليقاتلهم بالفكر واللسان، سواء بمحاضراته ومؤلفاته أو في النضال تحت راية الزوبعة الحمراء، في كلّ ساحة وميدان.
هناك حقيقة تكاد تكون أزلية، أنّ فكر بعض الناس ـ مثل الأمين أنيس فاخوري ـ لا يُقدّر ولا ينتشر إلا بعد موته. وإنّ صوت الموتى أقوى من صوت الأحياء وأفعل، وإنّ كلمتهم نافذة وهم وراء حدود الحياة من كلمتهم وهم في ساحاتها الفسيحة.
«لقد أهدانا الأمين أنيس فاخوري كتابه «نسف الأضاليل» مرحلة أساسية في إزالة إسرائيل في مطالع السبعينات، وكان مخطوطة، فقرأناه ودرسناه وأثنينا عليه وباركناه، ثم نسيناه. والآن بعد وفاة الأمين العزيز أنيس، وبعد أن استمعنا إلى محاضرة الدكتور حسني حداد في ندوة الخرّيجين العرب بيروت وهو يشدّد على أنّ العطف الأميركي المسيحي على اليهود انطلاقاً من التوراة، هو شريك في القرار السياسي بتأييدهم وتبنيهم من قبل أميركا، نشعر كيف أنّ رفيقنا الكبير قدّم مساهمة ثمينة لإعلامنا والإعلام العربي بوجه عام، لدحض افتراءات الصهاينة وأكاذيبهم وأضاليلهم، بأنهم شعب الله المختار، فيها يثبت هو أنهم الشعب المرذول الملعون الذي فتحت له أبواب الخلاص فلم يلجها، وآثرَ أن يبقى في الجمود والظلمة.
«إليك يا أمين أنيس، وأنت الآن وراء حدود الحياة، تقديرنا لك ومحبّتنا لك ولوعتنا على فراقك، بانتظار أن يفهم الناس حزبنا ويفهموك بالتالي أكثر، فتصبح أفكارك وآراؤك الطعام الدسم على مائدة الإعلام العربي في حربنا الإعلامية ضدّ «إسرائيل»، هنا في لبنان أولاً، ثم في العالم العربي الذي فرض علينا «إسرائيل» ظلماً وعدواناً.
إليك أيها الأمين العهد الذي نكرّر: لن نلقي السّلاح إلا مع آخر شهقة حية، كما فعلت».
بدوري عرفته جيداً، أحببته جيّداً وأكبرت فيه مزايا ابن النهضة، وتلميذ سعاده الحقيقي. في أوائل السبعينات، وكنت أتولى مسؤولية عميد المالية قررنا إقامة معرض للحرف الفنيّة في بيت الطلبة، أذكر أنّ الرفيق اسامة حديب قدّم رسوماً رائعة، وغيره من فروع ورفقاء قدّموا منتوجات حرفية متنوعة.
يومئذٍ قررنا إعادة طبع صور متنوعة لحضرة الزعيم، ورسم عرزاله الذي كان رسمه الرفيق الفنان مصطفى فروخ.
كانت حضرة الأمينة الأولى تحتفظ باللوحة الأساسية، الوحيدة، في منزلها في ساقية الجنزير (منزل الأمينة أليسار سعاده أبو ناصيف حالياً).
زرتها والأمين أنيس، البارع في فنّ الزنكوغراف والطباعة. لم تكن الأمينة الأولى لتقبل أن تسلّم اللوحة لأحد. أما، والأمين أنيس يطلبها، فقد استجابت، ثقةً منها به ولمعرفتها الكبيرة بكلّ تاريخه الحزبي النّاصع، الّرائع، المميّز.
طبعاً كمية من لوحة العرزال(2) نفذت كلها، ومعها كلّ صور سعاده ورسوم الرّفيق أسامة حديب وطبعنا كمية أخرى من العرزال والصور والرسوم في حجم صغير (آرت بوستال) نفذت بدورها.
عام 1974 اقترنت من الرفيقة إخلاص نواف حردان. لم ندعُ أحداً إلى العرس العائلي بسبب وفاة قريبة لنا من آل بطرس. كثيرون حضروا من تلقاء أنفسهم. كان من بينهم الأمين أنيس، وأمناء ورفقاء ما زالوا يسكنون أعماقي وذاكرتي وحبي الكبير.
«نسف الأضاليل»
طالما سعى الأمين أنيس إلى أن تتمّ ترجمة كتابه القيّم «نسف الأضاليل» إلى لغات أجنبية. فمضمونه موجّه للمسيحيين الغرب الذين تعمل اليهودية إلى تشويه إيمانهم المسيحي، ونسف إنجيلهم، وإحلال «التوراة» كتاباً مقدّساً وحيداً لهم و «العهد القديم» هو المرجع.
مع الأسف لم يتحقق سعي الأمين أنيس، ولم تتمّ طباعة كتابه مرة جديدة (بعد الطبعتين عام 1974 وعام 1983)، وهو، كما الكثير من المؤلفات التي تفضح تهويد المسيحية، لم تُنقل إلى لغات أجنبية فتصل إلى الغرب المسيحي السائر بخُطى حثيثة إلى الصهينة(3) وهذا أمر مناط بالأساس بالكنائس المشرقية التي عليها أن تحمل رسالة المسيح إلى الغرب، فلا تترك المجال للدعوات المشوّهة للمسيحية.
نائباً للزعيم
يورد الأمين جبران جريج في مجلّداته الأربعة «في الجعبة» الكثير عن الأمين أنيس فاخوري منذ انتمائه ونشاطه الحزبي وتوليه المسؤوليات، مقالة منها بعنوان «المرسوم المهرّب» (الصفحة 203 من الجزء الثالث) ننقلها بالنص الحرفي:
«المرسوم المهرّب»
«ذهب المحامي الشيخ ابراهيم المنذر لمقابلة الزعيم في سجن الرّمل وقعدنا ننتظر رجوعه في منزله. ما أن أطلّ، عند عودته، من الباب حتى أدركنا أنّ وراءه خبراً هاماً. لم يخب ظننا. مد يده إلى جيبه وناول أنيس فاخوري ورقة مطويّة بإتقان وقال له: «تفضيل يا نائب الزعيم».
فلش أنيس الورقة وتطلّع فيها بإمعان ثم ناداني وحوّلها لي لأقرأها وإذ هي مرسوم بتعيين أنيس فاخوري نائباً للزعيم، له كلّ الصلاحيات الإدارية التنفيذية إلا السياسية».
ويبطل هذا المرسوم كلّ تكليف سابق وفيه بند خاص بالسيدات أنهنّ غير مكلّفات ولا صلاحيّة إدارية لأية منهن.
شكرنا الشيخ ابراهيم على صنيعه وانصرفنا إلى غرفتنا في الفندق نتشاور بما يجب أن تكون عليه خطوتنا التالية فهناك التبليغ وتشكيل هيئة تنفيذية للأعمال الإدارية وتأمين المال للسجناء وعائلاتهم وعددهم وفير وموجودون في غير سجن الرّمل، سجن بعبدا مثلاً. إنّ المسؤولية كبيرة والخطر جسيم ولكن ألم نكن من القائلين: «وإذا الواجب يدعو» فهيّا إلى العمل وإلى النضال، إلى التنفيذ، لنكون عند حسن ثقة الزّعيم بنا وثقتنا بأنفسنا ثانياً.
شكّل نائب الزعيم هيئة تنفيذية من مفوضين، كنت فيها مفوضاً للمالية، قاسم حاطوم للداخلية، إميل خوري حرب للإذاعة وفريد مبارك الذي كان عميداً قبل الاعتقال، وكنّا نعقد جلساتنا في منزل الرفيق جميل شكر الله الكائن عند طلعة محطة جنبلاط «.
الأمين أنيس فاخوري: طرابلس
توفي في حادث سيارة سنة 1979 في الكويت. رجل ثقافة ورجل علم ورجل اخلاق. هو من الأركان الأوائل في هذا الحزب. سجلنا عليه فقط مأخذاً إذ كتب إلى الزعيم رسالة يسأله فيها عن مبلغ قبضه الزعيم من حكومة الأحدب بمناسبة انتخابات 1947. في هذا المكتوب نوع من الشّك في أمانة نعمة ثابت وعضوية تسعة أعضاء أذكر منهم فخري معلوف وأديب قدورة وغيرهم.
اجتمعنا وحاكمنا أنيس فاخوري وحكمناه ستة أشهر فصل من الحزب نفّذها بشكل لا يتصوّره العقل. هو امتنع عن الاتصال بالحزب وبأعضائه فعاقب نفسه بنفسه. هو نفّذ الفصل بأمانة غريبة. ثم راجعت نشرات الحزب منذ أن أصبح حزباً معروفاً تجد من مقالات عقائدية دقيقة ومصاغة بقالب علمي بقلم أنيس فاخوري. من جهة ثانية أستطيع أن أؤكد أنّ أنيس فاخوري ومصطفى المقدّم أولاً هما اللذان أسّسا الحزب في طرابلس والشمال.
كان أنيس فاخوري قد فتح مكتباً في طرابلس يمارس فيه بعض القضايا الفكرية. هو فنان رسام وبالوقت نفسه جامعة كان يتعاطى جميع الأمور الفكرية والإدارية بشكل مميّز.
أنا عرفته 1930/1931 واستمرّت علاقتنا الرفاقية في السجون والمعتقلات. كان أنيس فاخوري معنا في سجن الرمل، والقلعة، والمية ومية. في المية ومية أذكر واقعة هامة جداً. واقعتين.. الأولى: كان أنيس فاخوري في المعتقل وشاهد أحد السجان يعتدي على رفيق ضعيف فهجم عليه وضربه ونال جزاءه، وكان مع الأمين جبران جريج في سجن القلعة في راشيّا الوادي يتّصلان (بأبطال الإستقلال) «رياض الصلح وعبد الحميد كرامي وكميل شمعون…» وينقلان إليهم ما يجري في الخارج، وكلّ هذا مدوّن بشكل دقيق في كتاب الأمين جبران جريج «الاستقلال في أيام راشيّا»
يجب أن نفي هذا الأمين المناضل الجبار حقه، وتؤلّف الكتب وتوضع عنه الدّراسات لأنه لم يكن قوميّاً اجتماعياً عاديّاً، إنه من نخبة المؤسّسين الذين سجلوا في تاريخ حياتهم مواقف ودراسات ستبقى إلى أبد الآبدين.
ـ الزعيم أعطاه رتبة الأمانة.
ـ أهمّ ما يجب أن يُسجّل عنه أنّ له ولداً كان اسمه سعاده فأصبح اليوم اسمه شكري سعاده فاخوري. هو اليوم من صانعي الأفلام في تلفزيون لبنان.
أنيس فاخوري من الأسماء الخالدة في الحزب السوري القومي الاجتماعي بنضاله وعلمه وإدارته. كان مسؤولاً عن الحزب في الشمال ثم أصبح عضواً في المجلس الأعلى عندما استشهد المعلّم ونحن في الشام. انتخبناه برئاسة الأمين فؤاد أبو عجرم. أخته وأخيه وكلّ من حوله أدخلهم الحزب، وكان همّه الأوّل نشر هذا الحزب وتوسّعه وانتصاره. باختصار؛ أنيس فاخوري يصلح قدوة لكلّ القوميين ولكلّ المواطنين، إنّه من الأوائل، وعندما قرّر الزعيم إنشاء المجلس الأعلى بموجب المادة العاشرة من الدستور 1937. أنيس فاخوري كان بين أعضاء هذا المجلس.
هوامش
1 ـ نشر الأمين أنيس فاخوري دراسة بعنوان: «المدرسة القومية الاجتماعية المدرحية والمدرسة الدينية الشخصية الفردية» بتاريخ 14 كانون أول 1947.
2 ـ أفادنا الرفيق سامي سعد (بوسطن) عندما كان في زيارة إلى الوطن منذ سنوات أنه كان اهتمّ، بإشراف الأمين أنيس، على فرز ألوان لوحة العرزال. وهو عمل معه مدة طويلة ويسجل له قدوته ومناقبيته ووعيه المميّز للعقيدة القومية الاجتماعية.
3 ـ بتاريخ 03/12/2009 وكنت في مسؤولية عميد شؤون عبر الحدود عمّمت من كتابه «نسف الأضاليل» سأعمّمه مرة جديدة لاحقاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى