أخيرة

نافذة ضوء

الاكتفاء بالنيّات تخلّف

‭}‬ يوسف المسمار*

ويضل من يصدق أن في النيّات تكون الأعمال، وبالنيّات تُحقق المطالب، وبإقامة الاحتفالات وحفلات الذكريات تسترجع إمكانية ممارسة الحقوق، وبالتذمر والشكوى والتنديد والسباب وتقديم العرائض الى المنظمات العالمية تحصل الأمة على حقوقها وتأمين مصالحها.
فنيات أبناء شعبنا ولا أبسط، وتمنياتهم ولا أجمل، ومهرجاناتهم ولا أبهى، وتنديداتهم وشتائمهم ولا أكثر، وثرثراتهم وتذمراتهم ولا أضخم، فهي لا تضاهى ولا تحصى.
لقد اصبحت كل الشهور والأسابيع والأيام وحتى الدقائق والثواني عندهم ذكريات، وصارت كل الرغائب والأحلام والهواجس في نظرهم بدائع من المنجزات، وتحولت كل السذاجات والسخافات والاتكالات في نياتهم الى مسلسل من البطولات.
ولكن الحق الحق أن ما من امرئ اكتفى بالنيات الا تخلف، وما من قوم اعتمدوا على التمنيات والأماني إلا تقهقروا، وما من أمة تشبثت دائماً بالنظر الى الوراء في مسيرتها الا تعثرت وساء حالها وكان مصيرها الانحطاط والخراب.
فالذين يكتفون من القول الحكيم بالإيمان ولم يعملوا الصالحات، اولئك هم الطالحون حقاً، وليس للطالحين غير الخزي في الدنيا، واللعنة بعد الموت.
إن أيام شعبنا قد تحوّلت كلها الى ذكريات او تكاد، واهتماماتنا قد انحصرت بميلاد شخص او موت آخر، وبتأييد فلان او تنكيس فلان، وبوداع نكبة واستقبال نكبة أكبر.
وكلما أصابتنا مصيبة نسبناها بسبب خوفنا مِن مَن نخاف منه ولن نعي أن خوفنا منه جرأة علينا فأذلنا، ولو واجهناه بإرادة وشجاعة لما اعتدى علينا واستهان بنا وأهاننا وحقّرنا. ولم نكتشف ان الذل يشتد بالخوف والجبن والخنوع، وان العز يستحيل أن يُجنى إلا بالإرادة القوية، والعزيمة الصادقة، والمقاومة الواعية الشجاعة، والمهاجمة البطولية المتواصلة التي تستهدف استئصال الباطل والعاملين به والقضاء على الظلم والظالمين.
إن النيات يمكن أن تكون خبيثة سيئة كما يمكن أن تكون صالحة راقية، فإذا كانت النيات خبيثة سيئة، فإن الأعمال هي التي تظهر مفاسدها وجرائمها. وهذه هي حقيقة نيّات المجرمين أفراداً، وجماعات وفئات وشعوباً وأمماً تسعى الى إنشاء دول التوحش والإجرام ومنظمات البغي والطغيان وظلم كل انسان لا يخضع لتوحشها وإجرامها.
أما النيات الصالحة الراقية فهي وحدها التي تظهر حسناتها وفضائلها جلية واضحة في الأفراد والجماعات والفئات والطوائف والشعوب والأمم، وسعيها الدائم هو أبداً الى انشاء دول الحضارة والصلاح ومنظمات الحق والعدالة ومحبة الناس أجمعين.
ان الاكتفاء بالنيات والايمان لا يعلمهما الا خالق النيات والايمان، ولكنه أوحي بآيته الحكيمة ليهدي جميع بني البشر:
“إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون».
أي لهم أجر في الآخرة عنده بعد عملهم الصالحات في مجتمعاتهم، فكان إيمانهم وعملهم الصالحات هو الطريق المستقيم لقبول إيمانهم به وإلا فلا قبول لإيمان ونيات من عاث في الارض فساداً.
فيا ابناء امتنا الصالحين الأحرار الذين وعيتم وآمنتم ان النيات الصالحة تتحقق بالأعمال الصالحة، وتحقيق الطموحات الراقية يكون بصدق النضال، وممارسة الحقوق الانسانية الكريمة تثبت بالوعي والإقدام والبطولة، حذار حذار ان تصموا آذانكم وتحولوا عقولكم عن دعوة القومية الاجتماعية وتتنازلوا عن مسؤولية إنقاذ الأمة من اشرار البشر، وعداوات الامم والدول المتوحشة المجرمة لكي لا يتحول وجودنا وتاريخنا وحضارتنا الى ذكرى مهملة في زوايا التاريخ، وفي ناحية مظلمة منسية في متاحف الآثار، فلا نكون جديرين برضي الخالق الذي أعطانا موهبة العقل لنميز بين الحق والباطل فنستحق بإهمالنا موهبة العقل لعنة الأجيال الى ان تنتهي الاجيال.
*باحث وشاعر قومي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى