أخيرة

نافذة ضوء

لا تتحقق النهضة القومية الاجتماعية إلا بالوعي القومي الاجتماعي

‭}‬ يوسف المسمار*
كلما قرأت كلمة أو مقالة لرفيق متمرد ثائر على الحزب السوري القومي الاجتماعي وقيادته بهذه الفوضوية التي كانت من أسباب تخلّف مجتمعنا سابقاً وهي اليوم من معاول هدم حزب نهضتنا، وتحطيم الثقة في نفوس بعض أعضائه، ونشر الشكوك في المقبلين على الانتساب اليه، تردّني الى سؤال أنطون سعاده الذي طرحه على نفسه:
«ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟». ويتراءى أمامي مشهد الفنان الرائع الرفيق دريد لحام في إحدى مسرحياته يقول «مشكلتنا أننا كلنا رؤساء ونفتش عن شعوب لنحكمها أو نتحكم بها».
ومن وحي السؤال والمشكلة أعود الى جواب أديبنا العبقري جبران خليل جبران على سؤال طرحته عليه صحيفة الكون في بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية ونشر اللقاء معه في 25 آب 1928 فردّ على سؤال: «ألا تظن أن أفكارك وصلت الى منتهى التطرف؟».
«أنا متطرف الى حد الجنون، أميل إلى الهدم الكلي لأبني الكل من جديد. في قلبي كره لما يقدّسه الناس، وحبٌ لما يرفضونه. تمنيت لو أستطيع استئصال عوائد البشر وعقائدهم وتقاليدهم. لكن العين بصيرة واليد قصيرة».
وعندما أصل الى هذا الحد من التطرف غير الواعي يمرّ أنطون سعاده بيده على رأسي ويمرّر بفكره شعاعاً الى أعماقي بكلمات ناعمة كنعومة النور، وعاطرة كعطور الزهور، وسمع صوتاً آتياً من البعيد البعيد يقول بصوت سعاده:
«نحن من الذين يعتقدون بضرورة التقاليد والثبات على ما كان مفيداً منها، أما الخروج على التقاليد فلا معنى له أن لم يكن هناك تقاليد أخرى يُؤخذ بها. وكل شيء جديد يُصبح تقليداً، والتقليد الجديد إذا لم يكن أفضل من التقليد القديم كان من الحماقة أن يُؤخذ به».
وعندما أهم بسؤال المعلم أنطون سعاده عن وسيلة النجاة من الويل الذي أصابنا يغيب طيفه، ويتوارى صوته، فأفتح «كتاب المحاضرات العشر» التي ألقاها أنطون سعاده في الندوة الثقافية سنة 1948 واقف عند المحاضرة الثالثة التي ورد فيها هذا المقطع لأقرأ:
«إذا كان هذا العصر عصر تنازع الأمم، فهو إذاً،عصر أعمال لا عصر أقوال. واذا كان لا بد من القول فيجب أن يكون مدعوماً بالقوة العملية ليكون من ورائه نفع أو نتيجة هيولية محسوسة. ونحن أمة واقفة الآن بين الموت والحياة، ومصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا والاتجاه الذي نعيّنه… ويتراءى لي أن أمتنا كانت، منذ عصور قديمة جداً، أمام عدة مسائل تتطلب أجوبة صريحة هي:
«هل نحن أمة حيّة؟
هل نحن مجتمع له هدف في الحياة؟
هل نحن قوم لهم مثلٌ عليا؟
هل نحن أمة لها ارادة واحدة؟
هل نحن جماعة تعرف أهمية الأعمال النظامية؟».
إن غالبية الذين انتسبوا الى الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان الجواب العملي الهيولي على تلك الأسئلة ولا يزال وحده وسيلة الخروج من فوهة الموت التي لا يزال كثيرون من شعبنا يقبعون فيها ويحملون في رؤوسهم أجوبة السكارى، وما هم بسكارى، ولا ينظرون الى المستقبل الا بمناظير فردياتهم وخصوصياتهم بعيداً عن كوننا أمة واحدة ومجتمعاً واحداً له هدف في الحياة وله مثل عليا وينبغي أن تكون له إرادة واحدة، ويجب أن يعمل بنظام دقيق صارم ليحقق أهدافه ومثله العليا حتى يصل إلى شاطئ الأمان، ويلج باب النهضة التي هي الخروج من الفوضى إلى النظام، ومن التخاذل الى تحمّل المسؤولية والقيام بالواجب، ومن الضعف الى القوة، ومن العبودية الى الحرية.
ففوضى الأفكار المسموعة والمتسربة من كل الاتجاهات هي السائدة وليس فكر نهضة الأمة وتحقيق تقدمها. ووساوس الرغبات الشخصية الأنانية هي التي تمنع أصحابها من إطاعة النظام. وحب الظهور في بعض أعضاء الحزب لم تؤثر فيه نهضة الحزب، بل ان النزعة الفردية الأنانية في بعض أعضاء الحزب هي التي عبثت بكل رؤية استراتيجية وجعلتهم في حل من القيام بأي واجب إلا الذي يساعدهم على الظهور.
والتسلّي واللهو على الأرصفة لا يزالان المكان الصالح للذين غرّتهم أوهامهم أنهم وحدهم لا غيرهم من يستطيع ان يُبرز نصاعة القضية فيصوّرهم الزعيم أوضح تصوير في كلامه الحكيم:

«الذين وُلدوا في عصر مظلم ولم تر أنفسهم النور قط لا يُرجى منهم أن يروا ببصائرهم العمياء الألوان والظلال والخطوط والأشياء والقيم والطرق وأشكال الحياة ومعانيها والمُثُل العليا التي اعتنقتها النفوس التي وُلدت في النور وسارت في النور».
إنهم يريدون كل شيء جاهزاً، ولا يريدون أن يكلّفوا أنفسهم بحمل أي عبء. هم يفاخرون بحزبيتهم عندما يكون في الانتظام الحزبي راحة، وإنجازات، وتقريظ ومدح لأشخاصهم، وهم لا يرون الا الفساد في الحزب وفي قيادات الحزب إذا وُجّه لهم أي انتقاد من أية دائرة حزبية.
وهذا لا يعني أنني أنزّه الأشخاص في القيادات الحزبية، بل إنني مع العلاج الذي أشار إليه أنطون سعاده حين قال:
«إني أوصيكم بالقضاء على الخيانة أينما وجدتموها، لأنه إذا لم نتخلص من الخيانات لا نبلغ الغاية. والمجتمع الذي يحتضن الخيانة ويفسح لها مجال الحياة مجتمعٌ مصيره الى الموت المحتم».
فالحزب هو الخطة النظامية السورية الدقيقة التي تحيينا في وجه الخطة النظامية الصهيونية العدوانية الدقيقة التي يعني انتصارها موتنا. وبين خطة تحيي وخطة تميت لا بد للواعين من الاختيار. واختيار الخطة التي تحيي هي الصواب مهما كان فيها من مرارة وأعباء قاسية على ذواتنا الفردية لأن في انتصارها انتصار أمتنا التي تعني انتصارنا ولا يعني انتصار بعضنا الآني انتصاراً للأمة في تعاقب أجيالها.
ليس في أمتنا خارج الحزب السوري القومي الاجتماعي أي أمل للانتصار في أية خطة او فئة أو طائفة أو كيان وقد توضحت الصورة جيّداً لأعدائنا من زمن بعيد وهم يدرسون ويحللون ويرسمون الخطط ويتدربون ويدربون المرتزقة والعملاء والخونة والبسطاء وكل من يستطيعون خداعه للقضاء على الحزب السوري القومي الاجتماعي كمنظمة قومية اجتماعية واحدة موحّدة يمكن أن تسير بنا الى النجاة.
ولذلك يقومون بتشويه سمعة معتنقيها بكل أساليب التشويه واتهام قيادييها بكل أنواع الفساد، وكل ذلك بعد أن قطعوا الأمل من تشويه الفكرة الفلسفية القومية الاجتماعية.
ولأن الحزب وحده هو الذي يحتضن الفكرة الفلسفية القومية الاجتماعية الإنقاذية، ويمثل حركة الصراع النهضوي في الأمة، فإنهم يريدون القضاء بأيدي معتنقيه عليه بعد أن فشلوا في القضاء على الفكرة وعليه من خارجه.
وقد نبّه سعاده الى هذا الأمر في خطابه المنهاجي حين قال:
«في هذا العمل الخطير نواجه صعوبات داخلية وخارجية يجب أن نتغلّب عليها، مبتدئين بالأولى منها لأنه لا يمكننا أن نتغلب على الصعوبات الخارجية تغلباً تاماً إلا بعد أن نكون تغلبنا على الصعوبات الداخلية. وأول ما يعترضنا من الصعوبات الداخلية هو خلو مجموعنا من تقاليد قومية راسخة نتربى عليها ونتمسك بها. فنفسياتنا الشخصية هي دائماً في تضارب مع نفسيتنا العامة في ما له علاقة بقضايانا العامة وكيفية التصرف فيها».
أعود فأكرر أنه لا يوجد أية حركة في بلادنا غير حركة الحزب السوري القومي الاجتماعي المركزي دينية كانت أو علمانية يمكن الاطمئنان اليها في صد الموت الذي ينتظرنا اذا نفّذت الصهيونية وداعموها خطة انتصارها التي تعني القضاء علينا.
ومن المفيد أن أقول إن الايرانيين وحدهم في هذا العالم فهموا أهمية الخطة القومية الاجتماعية التي وضعها سعاده بعد أن شعروا بخطر الخطة الصهيونية على حياتهم، وكانت الشرارة التي أطاحت بأي سبب لإبقاء الإيرانيين على الحياد بيننا وبين اليهودية الصهيونية هي تحويل السفارة الاسرائلية في طهران الى سفارة لفلسطين.
ومنذ ذلك الحين دخلت ايران كعدوة في صلب الخطة الصهيونية الى جانب الحركة القومية الاجتماعية السورية، مع العلم ان لا الأمة السورية ولا الأمة الايرانية هما المعتديتان بل الاعتداء كان وسيبقى من جهة الخطة اليهودية الصهيونية المدعومة من أمم التعدي الطغياني على حياة الشعوب.
أما فشل بعض الذين انتسبوا الى الحزب فهو واضح في عدم فهم مضمون قول انطون سعاده عن «خلو مجموعنا من تقاليد قومية راسخة نتربى عليها ونتمسك بها. ونفسياتنا الشخصية هي دائماً في تضارب مع نفسيتنا العامة في ما له علاقة بقضايانا العامة وكيفية التصرف فيها».
فكان هذا الفشل في الفهم هو الذي فتح ثغرة لأعدائنا اليهود وغير اليهود ليتسللوا الى بيئة حزبنا ويسوّسوها ليتحول هذا السوس في الفهم الناقص الى سلاح فتاك في أيدي أعدائنا.
ومن المفيد أن نتذكر مقال سعاده: «مجموع أشخاص يساوي قضايا شخصية» الذي قال فيه:
«قلت مراراً، ومن زمان طويل، إنه لا أمل بتحسين حالة سيئة وتنظيم أمور أمة بسياسة أشخاص وتغيير وجوه، فلا أمل للأمة بالنهوض والارتقاء إلا بتولد الوعي القومي وبنشوء السياسة القومية التي يجب أن تحل محل السياسة الشخصية، وبتغيير القواعد السياسية كلها… فإن إبدال أشخاص بأشخاص لا يغيّر السياسة الشخصية المسؤولة عن تعثرنا وسقوطنا في أول فرصة».
وانطلاقاً مما ورد في مقال سعاده أقول: لا أمل الا بالوعي السوري القومي الاجتماعي، وتعميق الوعي القومي الاجتماعي، وتوسيع آفاق الوعي القومي الاجتماعي، والعمل بالوعي القومي الاجتماعي، والثبات والاستمرار على الوعي القومي الاجتماعي لتتحقق النهضة المرجوة وكل ما دون ذلك باطل.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى