أخيرة

نافذة ضوء

كل مجرى حضاري ينقطع عن نبعه يجفّ
وكلّ حركة لا يكون أساسها الحقّ والعدل همجيّة

 

‭}‬ يوسف المسمار*
سورية مركز التحوّلات الكبرى
كان قـدر سورية أن تكون مركز التحوّلات الكبرى في العالم منذ آلاف السنين، وكذلك كانت ولا تزال مركز حروب كبرى غيّرت مسارات التاريخ الإنساني وهي تغيِّر الآن مسار التاريخ بتغيير النظام الدولي في العالم. ولولا غزوات الشعوب الهمجية البائدة لسورية وسيطرتها لبعض الوقت على سورية في بلاد الشام والرافدين، وتدميرها لمعالم الحضارة الإنسانية التي نشأت في هذه البلاد بفعل مواهب وعبقريات أبنائها، لما بقيَ لها ذكر في التاريخ.
ولو ألقينا نظرة على مسار التاريخ لظهرت تلك التحولات بأوضح مظاهرها منذ عهد سومر وبابل ونينوى وأكاد وبعلبك وجبيل وصور وصيدا وتدمر ودمشق وبيروت وحلب والقدس وسائر المدن التاريخية التي بدأت ببناء المدينة الأولى «أور» في تاريخ الحضارة العمرانية. (وكلمة أور معناها المدينة).
وكذلك لو راجعنا دراسة وتحليل الحروب مع امبراطوريات فارس والإغريق والرومان والعرب والتتار والعثمانيين والأوروبيين في حروبهم الاستعمارية المسماة بالحروب الصليبية حتى حروب الإنكليز والفرنسيين العدوانية الى أميركيي حكومة الولايات المتحدة الصهيونيين اليوم لاتضحت الصورة بأجلى مظاهرها.
حتى أن الرسالات الكبرى كالمسيحية والمحمدية لو لم تنتصر في سورية وتنطلق الى الأمم بتعاليمها الراقية لما كانت لها تلك القيمة العظيمة، ولما بقيَ لها أثر إلا أثر الأثريات الحفرية الجامدة في متاحف الشعوب. وأكثر من ذلك نقول: لو لم تُنشئ وتتبنى سورية العروبة الثقافية الحضارية وتعززها لما كان للعروبة شأن ولا للأعراب الا ما ورد في القرآن الكريم من أن «الأعراب أشد كفراً ونفاقاً»، وأن معظم الذين اعتنقوا الإسلام من الأعراب لم يعتنقوه مؤمنين بل مستسلمين خوفاً، ومنافقين طمعاً وليسوا كما يدّعون مسلمين مؤمنين وعياً وايماناً وأخلاقاً.
كل مجرى ينقطع عن أصله يجفّ
ولا بدّ من القول إن كل مجرى فكري أو علمي أو معرفي أو فني ينقطع عن منبعه يجف مهما كان حجمه كبيراً، ومهما كانت أمواجه متلاطمة تماماً كمجرى نهر الماء الذي ينقطع عن منبعه. وإذا استمرّ فيه بعض الماء واستمرّ جريانه فذلك بما يأتي اليه من روافد أخرى أو ما يتساقط عليه من المطر ليبقيه جارياً بعض الوقت وبعد ذلك يتحوّل الى بركٍ آسنة وجيوب مستنقعات صغيرة لا تصلح الا لحركة الجراثيم الوبائية والمكروبات. والجراثيم الوبائية لا تنتج فكراً سليماً ولا إبداعاً متميزاً نافعاً ولا ينتظر منها الا المزيد من الأوبئة المميتة والأمراض المعدية. ولذلك نستطيع القول إن لا قيام لأي نوع اسلامي راقٍ مسيحي أو محمدي أو أية عروبة حقيقية حضارية إلا باتصال هذه الرسالات الثقافية بنبعها الثري الزاخر، النبع السوريّ الذي هو نبع الوعي الإنساني السليم، ومصدر الثقافة المفيدة المتطوّرة، والحضارة الراقية التي اساسها الحق والعدل وكل ما يقوم على الظلم والباطل همجية ولو تموّهت باسم الحضارة.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى