مقالات وآراء

حرب القضاة… أخطر ممَّا نظن!

‭}‬ د. علي أكرم زعيتر*
ماذا بعد حرب القضاة؟ سؤال يراود الكثير من اللبنانيين، وقد بات مطروحاً بقوة على الساحة اللبنانية، بعد حرب الاستنابات القضائية التي نشبت بين قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار، ومدعي عام التمييز غسان عويدات.
القاضي البيطار كانت يده مكفوفة عن التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت منذ أكثر من سنة، والبيطار نفسه كان قد امتثل لقرار الكفّ وقتذاك، فما عدا ممَّا بدا حتى عاد وانقلب على عَقِبَيه؟ هل هي جرعة الدعم التي حصل عليها من الوفد القضائي الأوروبي عقب اجتماعه به قبل أيام، أم أنّ هناك أمر عمليات صدر للبيطار من جهات خارجية نافذة؟
الكلّ في لبنان مجمع على أنّ قرار البيطار الأخير بالعودة إلى مسرح التحقيق القضائي في قضية المرفأ ليس من بنات أفكاره، ولا من عندياته، وأنّ هناك أمراً ما حدث خلال لقائه بالوفد القضائي الأوروبي، أو السفيرة الأميركية، كان بمثابة كلمة السر التي أطلقت الوحش القانوني الكامن داخل البيطار. ولكن السؤال الذي لم نلقَ عليه جواباً حتى الساعة، ما كلمة السر تلك؟ وهل من قرار أوروبي أميركي بتفجير الوضع الداخلي في لبنان؟
حرب استنابات بكلّ ما للكلمة من معنى تدور رحاها الآن بين البيطار وعويدات. قاضٍ يستدعي قاضياً، ولا من ممتثل. والاثنان يتسلحان بالقانون الذي لم نعد نعرف له كوعاً من بوع. فماذا يحصل؟
تقول مصادر مطلعة على مجريات الحرب الدائرة بين الرجلين، إنّ البيطار يسعى إلى قلب الطاولة على رأس الفريق الموالي للمقاومة، مدفوعاً بأجندة خارجية غربية، ولكن هذه المرة من بوابة القانون. فهل يصل البيطار إلى مبتغاه؟
بعض الأوساط نقلت عنه قوله: «الله الحامي، ولا أعرف ما قد يحصل»، وذلك في معرض ردّه على سؤال كان قد وجهه إليه أحد الصحافيين حول ما إذا كانت حياته مهدّدة بالخطر، أو ما إذا كان اسمه موضوعاً على لائحة الاغتيالات.
هذه العبارة التي تحمل في طياتها الكثير من المعاني، قد تكون الكلمة المفتاح للمرحلة المقبلة، فهل يكون طارق البيطار «بوسطة عين الرمانة» جديدة، كما عبّر الوزير السابق وئام وهاب، في تصريحه للميادين أول أمس؟
الرجل يحاول أن يوحي للرأي العام بأنه قاضٍ استشهادي، أو مخلِّص جديد، سيفدي بدمه اللبنانيين، وينقذهم من براثن الخطيئة الأصلية، ولكن هل الواقع يطابق ما ذهب إليه الرجل؟
إذا عطفنا حملة التمرّد القضائي التي يقودها البيطار، على حديث مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف الذي أدلت به قبل شهرين من اليوم (تحديداً في شهر تشرين 2022)، والذي تنبّأت فيه بدخول لبنان دوامة الفوضى والعنف، وبتحلل الدولة وتفكك أجهزتها، كمسار إلزامي لإعادة بناء لبنان الجديد، وعلى حديث بعض مراكز الدراسات الأميركية الدائم عن إعادة بناء لبنان من النقطة صفر أو مرحلة (الرماد) كما أسموها، وإذا أعدنا ربط كلّ ذلك بما يجري على الأرض من تحركات (قطع طرقات، دعوات إلى الاحتجاج والعصيان…)، مضافاً إليها الحركة الأخيرة التي قام بها النواب التغييريون، والتي تمثلت في الاعتصام داخل مبنى البرلمان، إذا ما استرجعنا كلّ ذلك سنصل إلى خلاصة معينة مفادها، أنّ ما يُحضّر في مراكز القرار الغربي للبنان واللبنانيين، قد يكون أخطر مما نظنّ!
إنّ منطق الأشياء يحتم علينا إعادة ربط الأمور ببعضها البعض وصولاً إلى الخلاصة المتوخاة، فهل تزامن حملة التمرّد هذه مع كلّ ما سبق وذكرنا مجرد صدفة أم أنّ هناك أمراً ما يُدبّر للبنان؟
بصرف النظر عن كلّ ما يُدبّر أميركيّاً وغربيّاً، فإنّ الرهان أولّاً وأخيراً يبقى على مدى وعي اللبنانيين وإدراكهم. الحديث عن الفيدرالية عاد بقوة في الآونة الأخيرة، وهذه المرة ليس من بوابة الميلشياوي سمير جعجع فحسب، وإنما من بوابات أخرى عديدة، وقد ترافق ذلك، مع سلسلة تقارير صحافية غربية تنبئ بوقوع أزمة غير مسبوقة في البلد، فهل يقع المحظور، أم تنجح المقاومة كما في كلّ مرة في تفويت الفرصة؟
مجدّداً نقول، منطق الأشياء يحتم علينا أن نقول: ما دام القادر على إرباك الوضع الداخلي وإشعال الحرب الأهلية غير راغب بها لاعتبارات وطنية وأخلاقية، وهنا نعني تحديداً المقاومة وحلفاءها، وما دام الراغب بها غير قادر على إشعالها، فإنّ احتمال نشوبها، قد لا يتعدّى الواحد بالمئة في أحسن الأحوال…

*مؤرّخ وباحث لغوي وسياسي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى