أخيرة

نافذة ضوء

المؤمن الواعي لا يُلدغ من جُحر ولا مرّة
أما المؤمن الغشيم فيلدغ مرات ومرات
‭}‬ يوسف المسمار*

 

قيل قديماً ولا يزال يقال عند الخاصة والعامة، وعند العقّـال والجهّال إن «المؤمن لا يُلدغُ من جحرٍ مرتين». والكثيرون من الناس يرددون هذا القول وكأنه حكمة الحكم ومنتهى الصواب. وربما كان هذا لأن العبارة قيلت ورُددت كعبارة نكرة مطلقة بحسب قواعد اللغة العربية ونحوها، ولم تكن العبارة المذكورة مُعَرَّفة واضحة تفيد التعيين وعدم الالتباس. ولسنا بحاجة الى توضيح الفرق بين النكرة والتعريف لتتضح الصورة بين أن نقول «قضية» أو نقول «قضية الحق» أو نقول «قضية الباطل» أو أن نقول: «عدو» أو «عدو أمتنا».
فكلمة مؤمن كلمة مبهمة نكرة غامضة يمكن أن تحتمل أكثر من معنى ولكن حين تُعرّف تصبح واضحة وتؤدي الى معناها المقصود. فالمؤمنُ بالحق والعدل غير المؤمن بالباطل والظلم. والمؤمنُ بالمصلحة الاجتماعية العامة يختلف عن المؤمن بالمصلحة الفردية الأنانية الخاصة. والمؤمن بالله ومحبة الناس ليس كالمؤمن بهواه وشهواته وكراهية الآخرين.
يقول السيد المسيح كما جاء في إنجيل يوحنا: “كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي الى النور لئلا تُـوبّخ أعماله. وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة».
كلامٌ واضحٌ وفصيح أحببت أن أذكره في هذا المقال لأن من تنكّـر له ويتنكّر ويقوم بعمل السيئات التي لا يريد أن تظهر للنور، ويبغض النور الذي يكشفها ويُظهره علىى حقيقته السيئة الشريرة هم الذين يدّعون نفاقاً أنهم من أتباع السيد المسيح، ويتبجحون رياءً أنهم على هداه يسيرون، ويُباهون تمويهاً أنهم بتعاليمه مؤمنون ولآياته وتعاليمه يمارسون.
أعني بذلك حكومات الغرب الاستعماري الظالم في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا التي تدّعي التمدن والرقيّ ببث كل انواع الشرور والسيئات والجرائم، وتموِّه نفسها بألفاظ التمدّن والحرية والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان. وما يجري في بلاد الشام والرافدين منذ زمن بعيد ليس الا عيِّنة من أعمال أولئك الذين يعيثون في الأرض فساداً، ويمتصون دماء الشعوب، ويقومون بصلب السيد المسيح يومياً بل كل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية، ويبغضون النور لكي لا تنكشف سيئاتهم ولا تنفضح جرائمهم وخاصة ما فعلوه وما ارتكبوه في بلاد الشام والرافدين من جرائم همجية وحشية لا تعبِّر إلا عن نفسيةٍ رديئة، وعقليةٍ عفنة هي من ثمار الشجرة الخبيثة التي ورد ذكرها في القرآن الحكيم.
لقد أوضحت في مقال سابق أن العدوان انكشف، مصدراً وعدواً، واستراتيجيةً وأهدافاً، وأساليب وأدوات ولم تعد تكفي وتنفع كل ألوان التمويه والتغطية والأضاليل والأكاذيب على إخفاء المجرمين الذين يتقهقرون عراة أمام طلائع بهاء الفجر وطلوع الشمس بخيوطها وأشعتها التي تفضح المجرمين أمام ذوي العقول السليمة، والضمائر الحيّة، والأنفس الجميلة.
وقد ورد في المقال المذكور ما تُستحسن العودة إليه وقراءته ودراسته بتمعنٍ وجديةٍ حيث قلت فيه:
مصدر العدوان وهدفه على أمتنا
«لقد انكشف لي بشكل لا التباس فيه ولا حيرة ولا شك مصدر العدوان وغاية العدوان، فكانت مقالاتي تحصره في مثلث تحالف ترأسه حكومة الولايات المتحدة الأميركية المتهودة المتحالفة مع منظمة الصهيونية اليهودية العالمية، ومنظمة محافل الماسونية اليهودية السرية. وهذا المثلث العدواني الذي يقود حكومتي فرنسا وانكلترا المشهورتين بعدائيتهما للشعوب الحرة، له هدف واحد كان ولا يزال وسوف يستمر الى أجل تفككه وسقوطه ودماره هو هدف السيطرة والهيمنة على العالم، واستعباد شعوبه، والتمتع بخيراته.
ولا مُنقذ للعالم من هذا العدوان الا بوعي حقيقة العدوان وتعميم ثقافة الدفاع عن حق شعوب العالم في الوجود، والحق في الحياة الكريمة، والحق في تحقيق المصير الراقي العزيز والصراع الجدّي البطولي لوضع هذه الطبيعة العدوانية المقيتة.
ومُخطئٌ من يعتقد أن مصدر العدوان انطلق من غير هذا المصدر، أو أن المعتدي العدواني يمكن أن يعود الى رشده ويقبل بأن يكون شريكاً إنسانياً في الحضارة الانسانية وبمتابعة النهوض بها وتنميتها وترقيتها بالتعاون مع الشعوب الأخرى.
فليس في وجدان العدواني وقاموسه وعلمه وفنه وميوله ما هو أهم من العدوان، وأولى من العدوان. كما ليس في وجدان الإنسان الحضاري ما هو أولى وأفضل وأسمى من نشر الحضارة وترقية مستوى الإنسانية والتعاون الإنساني لخير جميع الأمم».
فهل نعي ونكتشف ونعرف ونعلم فنؤمن بعد وعي واكتشاف ومعرفة وعلم أن مصدر العداون وهدفه على امتنا هو هذا المثلث العدواني البغيض الذي يريد استعبادنا وإذلالنا وسرقة مواردنا وخيراتنا وتسخيرنا لخدمته واستهلاكه لكل طاقاتنا ورمينا بعد ذلك في مكبات النفايات لتدويرنا وإعادة تصنيعنا والمتاجرة بنا ثم إبادتنا والقضاء علينا تاريخاً وحضارة ووجوداً؟
فاذا لم نع هذه الحقيقة ونعيّن بوضوح أي نوع من الإيمان. فالإيمان يبقى غامضاً ويحتمل كل المعاني المتناقضة وندخل في متاهات الشرود والضياع.
أما اذا أردنا الوضوح فهو فضاء النور وحيث لا يوجد النور لا يوجد فضاء واضح له. والإيمان الذي لا يكون واضحاً معناه قد يأخذ حامله الى ما لا تحمد عقباه. والصراع دائم بين المؤمن الصالح والمؤمن الطالح. والبون شاسع بين الصلاح والطلاح.
وبناء على ما تقدّم، فان علينا أن نعرف أنفسنا معرفة واضحة، ونميّز بين أعدائنا وأصدقائنا، ونتخذ إيماننا وننمّيه ونقوّيه على هذه المعرفة الواضحة فلا نُلدغ من جُحر عدواني على بلادنا أبداً أو نُـفاجأ بعدوانه وسمومه في مقبل الأيام.
المؤمن الواعي العارف نفسه، والعارف صديقه وعدوه، والبعيد النظر، والواسع الأفق، هو الذي يبني نفسه بناء سليماً ودائم الاستنفار لقواه المادية والروحية لا يلدغ من اي جُحر ولا مرة ولا يجرؤ عدوه أن يحلم بالاعتداء عليه حتى في منامه.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى