أولى

كارثة الزلزال وتداعياتها «الإيجابية»…

‭}‬ حسن حردان
أدى الزلزال الذي ضرب سورية، وما خلفه من كوارث إنسانية، إلى جملة من التداعيات الإيجابية، على الرغم من الفاجعة التي زادت من معاناة شعبنا السوري، على قاعدة انّ كلّ مصيبة لها أوجه وتداعيات سلبية وإيجابية على حدّ سواء.
انّ الزلزال بالقدر الذي خلف معاناة إنسانية كبيرة، وكشف حجم الكارثة الإنسانية التي ألمّت بأهلنا في سورية، فإنه في المقابل تمخض عن عدة نتائج إيجابية، أهمّها…
أولاً: أعاد بعث الوحدة الوطنية السورية بأبهى صورها المشرقة، التي تجلت في المبادرات والتحركات الشعبية لتقديم العون والمساعدة للمنكوبين إلى جانب المشاركة الفعّالة في عمليات الإنقاذ من اللحظات الأولى لوقوع الزلزال… فهذه المبادرات والتحركات الشعبية شملت كلّ فئات الشعب السوري مما حوّل سورية إلى خلية نحل، انخرط فيها الجميع، انْ كان من خلال المساهمة بالتبرّع، أو الإنقاذ، أو توزيع المساعدات على المنكوبين، أو اعداد وجبات الطعام لهم إلخ… من أشكال المشاركة والمساهمة.
هذه الروح الوطنية التي ظهرت عززت وحدة السوريين، وشكلت صفعة قوية لمخططات الدول الغربية الاستعمارية التي عملت، على مدى عقد ونيّف، على بذر الشقاق وإثارة الفتنة بين أبناء الشعب السوري، بهدف تفتيت وتمزيق وحدته الوطنية وإيجاد الظروف المواتية لفرض سيطرتها وهيمنتها على سورية وتحويلها إلى بلد تابع وخاضع للاستعمار وفي خدمة كيان الاحتلال الصهيوني…
ثانياً: أحيا الزلزال الشعور القومي، حيث تحركت المبادرات الشعبية في معظم الدول العربية لجمع التبرعات والمساعدات بما ذكرنا بأيام الثورة الجزائرية، وبدايات اندلاع الثورة الفلسطينية، عندما تحرّكت الجماهير العربية لنصرتهما وتقديم مختلف أنواع الدعم المادي والمالي لهما.. حيث كانت النسوة يبعن الحلي، وهو ما حصل بالأمس في فلسطين المحتلة رغم الجراح التي يعاني منها شعب فلسطين، مما يؤشر إلى مكانة سورية في قلوب الجماهير الفلسطينية التي تعبّر من خلال هبّتها لجمع التبرعات والمساعدات لمؤازرة سورية في محنتها، عن مدى حبّها وتقديريها لدور سورية، دولة وشعباً، في دفاعها عن قضية فلسطين ودعم مقاومتها ورفض المساومة عليهما.. تماماً كما هبّت جزائر المليون ونصف المليون شهيد لإرسال المساعدات منذ اليوم الأول في مشهد تردّ فيه الجزائر الجميل على ما قامت به سورية من دعم للثورة الجزائرية واحتضان لأحد أبرز قادتها عبد القادر الجزائري…
ثالثاً: حطم الزلزال جدران القطيعة بين لبنان وسورية، وأظهر الموقف الرسمي والشعبي وسرعة تفاعلهما مع ما حصل في سورية من كارثة، عبر سرعة المبادرات الرسمية والشعبية في تقديم الدعم والمساعدات، ما أظهر عمق أواصر علاقات الأخوة الضاربة جذورها في صلات القربى والتاريخ والمصير الواحد بين الشعب الواحد في البلدين، والتي كسرت الحصار الأميركي المفروض على البلدين، وأكد انّ علاقاتهما المذكورة أقوى من قانون قيصر ومن الجبروت الأميركي..
رابعاً: أسقط الزلزال أهداف واشنطن وتل أبيب في منع التواصل بين العراق وسورية، حيث جاءت استجابة الشعب العراقي وحكومته، وخصوصاً الحشد الشعبي، في إرسال قوافل المساعدات بما يشبه الجسر البري الذي نظمه، لتوفير كلّ ما يلزم سورية وشعبها المنكوب من احتياجات، جاءت لتؤكد ليس فقط عمق أواصر العلاقات بين الشعب الواحد في البلدين، بل ولتسقط كلّ الحواجز التي حاول الاستعمار الأميركي إقامتها بينهما لمنع تواصلهما، ولتؤكد إنهما كما كانا معاً في مواجهة الإرهاب الداعشي المدعوم أميركياً، يقفان أيضاً معاً في مواجهة المحن والمصائب…
خامساً: تجرّؤ العديد من الحكومات العربية على كسر الحصار الأميركي المفروض على سورية تحت عنوان ما يسمّى «قانون قيصر»، وهو أمر لم يكن ممكناً قبل كارثة الزلزال، الذي شكل فرصة للعديد من هذه الحكومات للمسارعة إلى إرسال المساعدات لسورية.. على الرغم من انّ هذه المساعدات قد تفاوتت في حجمها بين دولة وأخرى، إلا أنها شكلت فرصة عبّرت من خلالها هذه الحكومات عن توقها إلى التمرّد على الهيمنة والغطرسة الأميركية.
سادساً: اظهر الزلزال مجدداً أهمية دور حلفاء سورية، (روسيا وإيران والمقاومة في لبنان والحشد الشعبي العراقي)، في الوقوف إلى جانب سورية ومساعدتها على مواجهة آثار الزلزال المدمر، تماماً كما وقفوا إلى جانبها في مواجهة الحرب الإرهابية الكونية عليها التي شنّتها الولايات المتحدة والدول التابعة لها، حيث لم يكن خافياً انّ الجزء الأساسي والفعلي من المساعدات الإنسانية وفرق الإنقاذ، جاءت من هؤلاء الحلفاء، وهو أمر كان منتظراً، لكن له قيمة كبيرة لدى الشعب السوري في هذه الأوقات التي يعاني فيها من شدة آثار الزلزال والحصار الإرهابي الذي تفرضه الإدارة الأميركية.
سابعاً: كشف الزلزال وفضح على نحو غير مسبوق الطبيعة المتوحشة، وغير الإنسانية للحكومات الغربية، وهتك زيف ادّعاءاتها الدفاع عن حقوق الإنسان، وأوضح للرأي العام العالمي انّ قانون قيصر الجائر الذي يفرض الحصار المحكم على سورية في محاولة لإخضاعها للإملاءات الأميركية، انما يستهدف، ليس فقط الدولة السورية، بل وأساساً الشعب السوري، وانّ هذا القانون هو الذي يقف وراء زيادة معاناته الاقتصادية والخدماتية والاجتماعية.. وقد جاء بيان وزارة الخزانة الأميركية باستثناء المساعدات الإنسانية لمدة 180 يوماً، لإعطاء السماح بوصول المساعدات إلى سورية، جاء ليدين إدارة العدوان في واشنطن، ويكذب مزاعمها وادّعاءاتها بأنّ قانون قيصر لا يشمل منع المساعدات من الوصول إلى سورية.. الأمر الذي أكد المثل الشعبي القائل، «من فمك أدينك».. وهذا ما ينطبق أيضاً على حكومات باقي الدول الغربية التي أكدت نفاقها، عندما سارعت إلى تقديم المساعدات إلى تركيا وامتنعت عن إرسالها الى سورية، فكشفت هذه الحكومات عن مدى قبحها، وعن حقيقتها وطبيعتها الاستعمارية، وهو أمر لم يكن مفاجئاً، فالاستعمار الغربي طالما تسبّب، ولا يزال، في شنّ الحروب ضدّ الدول المستقلة وارتكب المجازر بحق شعوبها، ودعم كيان الاحتلال الصهيوني، وغطى على جرائمه بحق شعب فلسطين، وآخر حروبه في المنطقة، الحرب الإرهابية على سورية، وهي حرب لم تنته بعد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى