أولى

معايير الانتصار*

‭}‬ طارق الأحمد
ضرب وباء غريب إحدى الدول الأفريقية حاصداً آلاف الأرواح.. ولما عيت الطواقم الطبية عن إيجاد لقاح مناسب، قام بروفيسور بالتفتيش عن مريض مصاب بالعدوى لكنه قاوم أعراض المرض وصنع اللقاح للجميع بناء على صادات طبيعية من جسم هذا الشخص…
نعم هو مرض واحد عضال أصاب كلّ هذا الشرق وتركه الاستعمار وصفة دائمة لتكرار الحروب في بلادنا واستمرار هيمنته علينا…
إنها الطائفية…
ضربت الحرب الأهلية لبنان وبقي العلاج باتفاق الطائف طائفياً.
واحتلت القوات الأميركية بغداد عام 2003 ووضعت دستور بول بريمر لحكم الطوائف…
وسخرت كلّ الأدوات الطائفية لتضرب سورية عام 2011 من عشرات الفضائيات التي تجعل من معارك صفين والجمل التي يمكن أنها هكذا حدثت منذ خمسة عشر قرناً، وكأنها همّ الشعب الوحيد الذي عليه أن يصفّي حسابه مع زميله وجاره ومعلمه وأستاذه ويحمل السلاح المهرّب عبر الحدود ليستكمل فصول المؤامرة، وأسّست لأجل ذلك كتائب الفاروق عمر واستقم كما أمرت حتى داعش وهيئة تحرير الشام… كلها لتقاتل الدولة والجيش…
لكن البلد لم ينقسم والحرب الأهلية لم تحدث رغم دفع عشرات مليارات الدولارات لأجل ذلك، لماذا؟
الجواب: لأنّ هذا الجسم المجتمعي يحمل تلك الصادات الطبيعية التي حملها ذلك الشخص الأفريقيّ الذي صنع اللقاح من جسمه وعولج كلّ المرض..
أذكر أنني جئت من حمص عام 2011 التي للأسف مرض كثيرون من أهلها بمرض الطائفية وكثيرون منهم يحملون شهادات الدكتوراه والطب والهندسة وكبار الشخصيات المعروفة في حملة دعا اليها الشيخ العرعور للدقّ على الطناجر وانجرّوا بقيادة الجهلة من أمثال الساروت لاعب كرة القدم، فأتيت إلى دمشق مع عائلتي إلى مجتمع يحوي النسيج الاجتماعي نفسه في حمص لكنها العاصمة المدنية الأكثر اختلاطاً والتي لا لون طائفياً معيناً لأحيائها…
دخلت دكاناً للحلاقة وكانت قناة الجزيرة تعرض على تلفازه الصغير أقاويل على أنّ أفراد الجيش السوري يدخلون البيوت ويغتصبون النساء، فقال لي هذا الحلاق صاحب المهنة الطبيعية، ما هذا الكلام يا أخي أنا ابني يخدم في الجيش كما خدمنا منذ سنين هل أصدق أنّ جيشنا يغتصب النساء، كلهم كذابون…
النتيجة الأهمّ هي أنّ المجتمعات الأكثر مدنية وتمثلت بالكتلتين الاجتماعيتين في دمشق وحلب هما الأكثر حصانة ومقاومة لمرض الطائفية ومنعا الانجرار نحو الحرب الأهلية، وكلما بنينا مدننا وأحياءنا على اساس مدني مختلط وكانت قيَم المدنية هي معيار المواطنة وليس الطائفة أو العرق او الطبقة المالية، فسيكون المجتمع متيناً ومحصناً…
أما المؤامرة فقد استمرّت من خلال الضغط على الدولة السورية بالإرهاب والحصار من جهة وبالمفاوضات التي تمثلت في بيان جنيف الأول ثم ما طرحه المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي ثم ديمستورا، وأتحدّث لكم عن حوارات مباشرة عديدة بيني وبينهما، حيث قالا إنّ الحرب ستقف حين تشكيل حكومة تمثل الطوائف بما يعني إنهاء مدنية الدولة السورية.
هذا عن ممثلي أعداء سورية، لكني أريد أن أخبركم أن حتى حلفاء سورية لم يكونوا على إدراكنا العميق نفسه بخطورة الأمر، وأذكر أنني في العام 2015 قاطعت نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي الياس اوماخانوف حين تحدّث أمام وفدنا عن دستور لسورية يضمن حقوق الأقليات، فقلت له نحن في سورية لسنا أقليات وأكثريات بل نريد حماية دولة المواطنة…
هم لا يدركون أنّ أيّ تنازل قد تقدّمه سورية في موضوع تكوين الدولة القائم على المدنية والمواطنة سيعني فعلاً دخول الحرب الأهلية إليها ولو بعد سنوات…
إنّ أهمّ معايير النصر هي:
الحصانة والاستدامة من خلال الحفاظ على الدولة المدنية، والتشبيك مع المحيط من خلال فتح الحدود بين لبنان وسورية والعراق والأردن وإقامة فضاء اقتصادي حرّ بينهم تمهيداً لاتحاد مشرقي اقتصادي يتحوّل إلى سياسي مستقبلي…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*حلقة بحثيّة ألقاها العميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي طارق الأحمد في إطار المؤتمر الأول للرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين المنعقد في بيروت يومي 7 و8 آذار 2023، وضمّ الحضور نخبة من الخبراء السياسيين من سورية ولبنان وفلسطين العراق والمغرب ولواء اسكندرون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى