مقالات وآراء

أدب الطفل وتحديات التكنولوجيا

 

‭}‬ سارة السهيل
انّ وسائل التكنولوجيا وفضاء الإنترنت تُلازم الإنسان بمراحل حياته وتشكّل أفكار الصغار ومعتقداتهم وتؤثّر في فئاتهم العمرية وتنشئتهم الاجتماعية.
فتقنيات العصر أسهمت كثيراً في تغيير اهتمامات الأطفال وألعابهم ووسائل تعليمهم، والتقنية الرقمية أتاحت لهم فرصاً أكبر في الوصول إلى المعلومة واللعب والتسلية وتنمية الهوايات والمهارات.
يواجه الأدباء إشكاليات ترتبط بضعف التوزيع، وارتفاع تكلفة الإنتاج وصعوبة المنافسة في ظلّ إغراءات الفضائيات وألعاب الفيديو والمواقع الإلكترونية.
فالتكنولوجيا أثّرت سلباً على أدب الطفل وهذا ما يوجب على الكاتب أن يطوّر نفسه وأدواته باستمرار ليواكب المتغيّرات ومراقبة الميديا الحديثة والمواد التي تُقدّم للأطفال وتؤثّر فيهم، خاصة أنهم يقضون وقتاً طويلاً أمامه إلى حدّ الإدمان الأمر الذي يجعل كتاب الطفل ومجلته الورقية في منافسة صعبة مع الميديا الإلكترونية والمواقع التفاعلية للأطفال.
ولكن التجارب الحياتية كشفت عن المخاطر التي تعرّض لها الأطفال من صور عنصرية أو إباحية او خطاب الكراهية، والحثّ على الانتحار في العديد من الألعاب الالكترونية وضحاياها.
وهذا يصبّ في صالح الكتاب الذي أثبت أنه السبيل الآمن للمعرفة والترقّي والتثقيف وأنه أكثر أماناً من وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب المشبوهة، ناهيك عن الآثار السلبية الأخرى كما يؤكد الأطباء أنّ إدمان الأطفال على هذه الأجهزة يسبّب في إصابتهم بالاكتئاب والقلق والعزلة واضطرابات النوم وعدم القدرة على التفكير الحر، وتعزيز العنف والعدوان بسبب الألعاب التي تعتمد على الاستمتاع بقتل الآخرين والتدمير.
رغم انّ أدب الطفل ركيزة أساسية في بناء شخصية الطفل وأحد الوسائل المهمة في عمليات تنشئته وتربيته، إلا أنه يواجه تحديات خطيرة تهدّد مستقبله أمام سيطرة أفلام الكرتون والألعاب الاليكترونية، وحتى شخصية الطفل نفسها تغيّرت وهو يمسك بـ «الموبايل» ويلهو به وهو في سنينه الأولى،
بل انّ الأهل يسهمون بتعلق الطفل بهذا «الموبايل» كأداة تعرّفه بالعالم المحيط به ويشاهد الصور والألوان الجاذبة دون ان يقصدوا من خلال ارتباطهم النفسي بهذا الجهاز الفتاك وطول استخدامهم له تحت أية ذريعة علمية او ترفيهية أو تواصل اجتماعي وما شابه.
انّ هذه الإشكاليات دفعت الكتّاب الى تغيير أساليب الكتابة للطفل وطبيعة الموضوعات والمضمون وفق المتغيّرات المعاصرة التي طرأت على شخصية الطفل، وتطور مراحل نموه النفسي واختلاف ذكائه وتنوع قدراته،
ويمكن إجمال التحدي العصري لأدب الطفل في عنصرين: الأول ثقافي والآخر التحوّل المعرفي، وقد يهدّد مستقبل وجود أدب الطفل من الأساس، فالتحدي الثقافي يتمثل في فرض تحويل المعرفة وطلب العلم الى إنتاج، في حين انّ ما يمكن تقديمه للأطفال من علوم معارف تتغيّر وتتطوّر بسرعة وخلال فترة زمنية قصيرة مثل المعارف الخاصة بالكمبيوتر والموبايل ووسائل الاتصال، وخلال تأليف أديب لنص ثم طباعته وتسويقه قد تتغيّر العديد من المعارف المعاصرة وتتطوّر، كما سمعنا عن «الفيس بوك» واستبداله بما يعرف بـ «الميتافيرس»،
في هذا المضمار ايضاً تحوّلت وسائل الثقافة من الشفوية والكتابة إلى الصورة والحركة و»المالتيميديا» عبر الوسائط المتعددة من صوت ولون وحركة، وهنا فإنّ الكاتب لا بدّ أن يهضم هو أولاً القِيَم المعرفية المعاصرة التي عمادها تكنولوجيا فائقة السرعة وما أحدثته من تغييرات في شتى مناحي الحياة، وفي وسائل التربية والتثقيف والتعليم،
فتكنولجيا العصر جعلت طفل اليوم أكثر جرأة في التعامل مع الكون المحيط به، وأكثر جرأة مع الآباء ومحاورتهم والقدرة على الإقناع وإثبات شخصياتهم وتحقيق ذاتهم نتيجة ما تعلموه من مشاهدة الإعلام المعاصر والتفاعل الاجتماعي عبر الانترنت، وانّ خيال الكاتب لا بدّ من ان يتوافق مع خيال طفل اليوم، وهو يشاهد أبطال حكايات مختلفة ورؤية للعالم تتفق مع مستجدات عصره مما يفرض عليه تحديات جمة في طريقة الكتابة والمضمون معاً وتطوير عناصر الاقناع الفني لديه ليكون مقارباً للواقع المعاش،
أما التحدي الثاني فهو تحوّل مسعى شعوب العالم من المعرفة التي تعني امتلاك المعلومات الى المعلوماتية التي نعيش زمانها وهي إنتاج المعلومات بطرق رمزية ورقمية مثل لغات البرمجة، فالثلاجة والتكييف وعداد الكهرباء والغاز وعمل البنوك وكلّ مناحي حياتنا تحوّلت الى الرقمنة، وهذا يعني انّ أية معارف متسقبلية لم تتحوّل الى الرقمنة المعلوماتية لن يكون لها أثر حسب ما يؤكد المتخصصون، وفقاً لهذا فإنّ المعرفة الإنسانية ستندمج بفعل علوم البرمجة الصناعية ومنها البرمجة العصبية والمخية وغيرها، وخطورة ذلك تكمن في تذويب الثقافات الإنسانية في ثقافة واحدة عالمية مهيمنة. أظنّ أننا نعيش معطيات ذلك بقوة وربما يكون الآتي أقوى بكثير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى